"لقد تفاجأنا عند استلام رواتبنا المتأخرة لشهر أغسطس الماضي، بخصم أكثر من 50% منها، مع أن توجيهات المجلس السياسي الأعلى (التابع لميليشيا الحوثي والمخلوع صالح)، تقضي بصرف راتب شهر أغسطس كاملا للجيش ونصف راتب للمدنيين لشهر سبتمبر.. لكن يبدو أن التوجيهات شيء والواقع شيء ثاني".
هكذا شكا الجندي "عمر علي الصغير" - برتبة مساعد - في القوات الجوية بصنعاء، متحدثا مع "يمن شباب نت"، عن مشكلة صرف الراتب التي ضربت البلاد منذ شهرين. وأضاف: "بعد ثلاثة أشهر من الانتظار صرفوا لنا أقل من نصف الراتب، بعد خصمهم العلاوات التي تصل إلى أكثر من نصف الراتب، والمشكلة أنهم يعتبرون هذا راتب كامل وليس نصف راتب كالقطاعات المدنية"..!!
وما يثير خشية عمر الصغير هو أن يصبح هذا هو الراتب الدائم الذي سيتقاضاه في حال استطاعوا صرف الرواتب لاحقا، حسب قوله.
ومع أن الجندي "الصغير" لا يمثل سوى واحدا من آلاف الموظفين اليمنيين، الذين استلموا نصف راتب شهر واحد فقط من ثلاثة أشهر متأخرة، إلا أنه وأمثاله يعتبرون محظوظين مقارنة بمئات الألاف المتبقية من موظفي الدولة الذين مازالوا ينتظرون مرتباتهم منذ ثلاثة أشهر حتى اليوم.
وتصل المبالغ الشهرية المستحق دفعها من الدولة لكافة موظفيها، (يقترب عددهم من المليون موظف في الجهازين المدني والعسكري، والقطاع المختلط)، إلى نحو 75 مليار ريال يمني شهريا. وفقا لأقرب التقديرات. فيما قدر مختصون اقتصاديون في أوقات سابق، حجم الإيرادات الشهرية للدولة بنحو 25% فقط من إجمال المستحقات الشهرية التي يتوجب دفعها شهريا لموظفي الدولة.
وعود عسلية من الطرفين.. ولكن..!!
قبل أيام، أصدر ما يسمى بـ"المجلس السياسي الأعلى" التابع للحوثي والمخلوع صالح، قرارا بصرف مرتبات موظفي الدولة المتوقفة منذ أغسطس الماضي، إلا أن معظم القطاعات العسكرية والمدنية لم تتسلم مرتباتها حتى الأن برغم مرور أكثر من أسبوع ونصف على القرار، فيما عدى بعض الجهات التابعة للجيش التي تسلمت مرتباتها بعد أن تم الخصم منها، لصالح ما يسمى بـ"المجهود الحربي"، حسب ما يتردد على نطاق واسع.
أما الحكومة الشرعية، من جهتها، فقد أطلقت هي الأخرى وعودا متتالية بمسئوليتها عن صرف كافة المرتبات لموظفي الدولة، بعد أن أتخذ رئيس البلاد، عبدربه منصور هادي، قرارا جريئا في أواخر شهر سبتمبر الماضي، بنقل مقر وأعمال البنك المركزي من العاصمة صنعاء، الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، إلى العاصمة المؤقتة عدن الواقعة تحت مسئولية الحكومة الشرعية.
وكان آخر تلك التصريحات، لرئيس الحكومة الدكتور أحمد عبيد بن دغر، الأحد الماضي (13 نوفمبر) لوكالة الأنباء الحكومية (سبأ)، وأكد فيه أن الحكومة سوف تقوم قريبا "بصرف مرتبات جميع الموظفين في كل محافظات الجمهورية حتى تلك التي يسيطر عليها الحوثيين، التزاماً منها بمهامها الدستورية والقانونية وشعوراً بالمسؤولية الوطنية تجاه الشعب اليمني، وأكثر من ذلك فإنها سوف تصرف المرتبات في سهولة ويسر للمدنيين والعسكريين معاً ووفقاً لموازنة 2014".
للمزيد أقرأ أيضا:
ورغم كل تلك الوعود، إلا أنه - وحتى الأن - لم تستلم قطاعات واسعة في الدولة مرتباتها، باستثناء ما قامت به بعض السلطات المحلية في المحافظات الواقعة تحت سلطة الحكومة الشرعية، من صرف المرتبات لموظفيها لوجود سيولة لديها من الإيرادات، فيما تبقت محافظات كثيرة تنتظر بفارغ الصبر أن يصلها خير الحكومة.
مناطق سيطرة الميليشيات
بحسب متابعة "يمن شباب نت"، فإنه، وبالنسبة لطرف الانقلابيين، حتى الأحد الماضي، 13 نوفمبر، لم تتسلم سوى بعض قطاعات الجيش رواتبها، ومن أبرزها: المنطقة العسكرية السادسة (الفرقة أولى مدرع سابقا)، والكلية الحربية، والقوات الجوية، وبعض معسكرات الحرس الجمهوري. في حين رفضت بعض المعسكرات ومن أبرزها معسكر الحرس الجمهوري بالسواد (جنوب العاصمة صنعاء) استلام الرواتب ناقصة. وتسبب شجار نشب بين أفراد المعسكر ولجنة الصرف في مقتل أحد أعضاء اللجنة، بحسب ما أكدته مصادر لـ"يمن شباب نت".
أما القطاعات المدنية، فإنه ومن خلال متابعة "يمن شباب نت" أيضا، فإن الجهات التي تسلمت حتى الأن، هي: القضاة وموظفي السلطة القضائية، إضافة إلى الاتصالات والصحة، لكنها تسلمت فقط نصف راتب الشهر قبل الماضي (سبتمبر)، أما موظفو الكهرباء، وهي مؤسسة إيرادية، وأول من قطعت رواتبهم، فلم تسلم لهم مؤخرا سوى مرتبات شهر يوليو، وإن كان كما يقال بـ"الدولار".
قطاع النظافة بالعاصمة صنعاء، كان له وضعا آخر عن بقية القطاعات المدنية. فبحسب رئيس النقابة العامة لعمال البلديات والإسكان، محمد المرزوقي، فإن صندوق النظافة تمكن من تسليم عمال النظافة رواتبهم لشهر سبتمبر الماضي "كاملا"، ويجري حاليا الترتيب لاستلام مرتب شهر أكتوبر. وفي حال حدث ذلك قريبا، سيكون عمال النظافة هم الوحيدون الذين يقبضون مرتباتهم لشهر أكتوبر المنصرف، من بين عشرات القطاعات المدنية والعسكرية.
غير أن المرزوقي، وضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، يؤكد أن بعض المحافظات سلمت لعمال النظافة مستحقاتهم لشهر أكتوبر الماضي حتى، دون أن يفصح عن أسماء تلك المحافظات. وربما كان يقصد محافظتي مأرب وحضرموت، اللتان سلمتا عمال النظافة رواتبهم لشهر أكتوبر المنصرم. بحسب ما علم "يمن شباب نت" من مصادر في السلطة المحلية في تلكما المحافظتين.
الصحفيون.. قريبا لكن مع خصم 5%
موظفي المؤسسات الإعلامية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، لم يتسلموا حتى نصف راتب شهر سبتمبر الماضي، حتى الآن على الأقل، رغم أن الميليشيات وعدت بتسليمه لهم ضمن القطاعات ذات الحظوة.
ومع أن مصادر في وكالة سبأ الخاضعة للحوثيين، أبلغت "يمن شباب نت" أنه يجري حاليا إعداد الكشوفات الخاصة بالمرتبات، متوقعة أن يتم صرفها هذا الأسبوع، إلا أنها كشف عن وجود توجيهات بخصم 5% من نصف الراتب الذي سيتم تسليمه. وبحسب المصادر فإن خصم هذه المبالغ هدفه تجميع مبالغ إضافية لدفع مستحقات أولئك الصحفيين المناوبين الذين واصلوا العمل معهم في الوكالة وقبلوا الالتزام بتوجهاتهم الإعلامية، بعد أن طال الإيقاف الكثير من زملائهم الآخرين، لرفضهم ذلك.
المعلمون.. القطاع الأكبر ما زال بالانتظار
قطاع التعليم، الذي يستحوذ على أكثر من 220 ألف وظيفة، من إجمالي وظائف القطاع المدني، المقدرة بنحو 500 ألف وظيفة، (وفقا لتقديرات سابقة تسبق عام 2014)، لم يستلم المعلمون، حتى اليوم، أي مستحقات شهرية منذ ثلاثة أشهر، في جميع المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي والمخلوع صالح الانقلابية، على الرغم أنها، أيضا، كانت أطلقت لهم وعدا بتسليم نصف مرتب شهر سبتمبر، ضمن القطاعات التي تم الصرف لها قبل أيام فقط.
ومع أن موظفو ديوان عام وزارة التربية بالعاصمة صنعاء استلموا مؤخرا نصف رواتبهم لشهر سبتمبر، إلا أن المعلمين في العاصمة لم يتسلموا بعد هذا النصف راتب لشهر سبتمبر. وحاول "يمن شباب نت" الحصول على معلومات من بعض المعلمين بالعاصمة، إلا أن المعلمون الذين التقينا بهم، أعربوا جميعهم عن عدم معرفتهم، أو حصولهم، على موعد محدد لصرف الرواتب.
ومن محافظة حجة (غرب صنعاء)، الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، أكد المعلم حسن هديس – وهو أيضا ناشط إعلامي- لـ"يمن شباب نت" أنه لم يتم تسليم رواتب الموظفين حسب علمه في محافظة حجة خصوصا المعلمين، كما أنه لا يوجد حتى موعد معروف أو معلن لتسليم نصف الراتب لشهر سبتمبر، الذي وجهت بصرفه مليشيا الحوثي والمخلوع.
أما في الحديدة، فقد أكد رئيس الدائرة الإعلامية السابق للحراك التهامي أحمد النظاري أن المعلمون بدأوا من يوم الأحد الماضي، باستلام نصف راتب شهر سبتمبر. وأشار ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن كشوفات رواتب المعلمين لشهر سبتمبر، كانت أعيدت إلى وكيل المحافظة للتوجيه بإيقاف خصم الأقساط (الديون المقسطة).
وبالنسبة لبقية القطاعات المدنية الأخرى بمحافظة الحديدة، أوضح هديس أن القطاعات التي تسلمت نصف مرتبات شهر سبتمبر بالمحافظة، هي – بحسب علمه: القطاع الصحي، وموظفي الموانئ وموظفي النفط، منوها إلى أن هؤلاء الأخيرين (موظفي النفط)، فقط من تسلموا مرتباتهم لشهر سبتمبر بشكل كامل، فيما أن موظفي القطاع الصحي الذين لم يستلموا سوى نصف راتب، تم خصم الأقساط (الديون المقسطة) التي لدى الموظفين من هذا المبلغ (أي النصف راتب).
يأتي ذلك، في حين لم تتضح المعلومات رسميا، ما الذي حدث، حتى الأن، لوعود صرف المرتبات في بقية المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الانقلابيين، مثل: صعدة، ذمار، عمران، ريمة، وإب.. وهي جميعها ليست محافظات إيراديه كمحافظة الحديدة، التي يؤكد ناشطون فيها، أن سبب صرف مرتبات بعض القطاعات الهامة فيها، يرجع إلى كونها المحافظة الأيرادية الوحيدة المتبقية لدى الميليشيات، التي تدر لهم إيرادات طائلة من جمارك الميناء والحركة التجارية في الميناء والمحافظة بشكل عام، بما في ذلك الضرائب والجبايات التي تتحصلها من الشركات التجارية الكبيرة التي ما زالت معظمها تعمل في الحديدة.
لذلك، يمكن بسهولة تفسير سبب ذلك الاهتمام اللافت، الذي بدأت قيادات الانقلابيين في صنعاء توليه مؤخرا بمحافظة الحديدة، لاسيما بعد قرار الرئيس هادي بنقل مقر البنك المركزي من صنعاء إلى عدن.
ماذا بشأن المحافظات المحررة والملتهبة؟
أما المحافظات المحررة، أو تلك التي ما زالت ملتهبة وفيها معارك مع الانقلابيين، فقد رصد "يمن شباب نت" بعض المحافظات التي صرفت رواتب الموظفين العاملين فيها، مثل: عدن، مأرب، حضرموت، والضالع. وذلك بحسب الإعلانات والتصريحات الرسمية التي تتبعها "يمن شباب نت". فيما لا تتوفر معلومات موثقة، أو معلنة رسميا، بشأن بقية المحافظات الأخرى، وهي: أبين، شبوة، المهرة، سقطرة، الجوف ولحج..، حيث لم نجد حتى الأن – ما يؤكد أنه تم صرف، أو البدء، بصرف المرتبات فيها، سواء بشكل بيان أو تصريحات رسمية من المسئولين.
للمزيد أقرأ أيضا:
وفيما يتعلق بقطاع التعليم، في هذه المحافظات، يؤكد القيادي بنقابة المعلمين اليمنيين عبدالرحمن المقطري، أن التربويين موعودون من الحكومة الشرعية باستلام رواتبهم كاملة لشهري سبتمبر وأكتوبر خلال اليومين القادمين.
ولوح المقطري لـ"يمن شباب نت" بخطوات تصعيدية إذا لم يتم صرف الرواتب. وقال: "سنقدم على التصعيد من أجل انتزاع حق المعلمين والمعلمات في المرتبات والتي هي من وظائف الدولة الدستورية والقانونية والأخلاقية"، محملا الانقلابيين بدرجة رئيسة مسئولية ذلك وخصوصا في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم، وذلك "بحكم أنهم سلطة أمر واقع فيها"، وفي بقية المحافظات الأخرى "لأنهم نهبوا مقدرات البلد وأوصلونا إلى هذا الوضع الكارثي".
وتطرق المقطري، ضمن حديثه مع "يمن شباب نت" إلى زملائهم المعلمين العاملين في المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، منوها إلى أن الكثير منهم لم يتسلموا بعد حتى راتب شهر أغسطس..!! وأوضح أن الكثير من المعلمين، في بعض تلك المناطق، الذين تأخروا عن استلام راتب شهر أغسطس، وذهبوا - بعد مرور أسبوع على بدء صرفه - إلى البريد لاستلامه، "تفاجئوا باعتذار البريد بحجة عدم وجود سيولة"..!
وأكد المسئول في نقابة المعلمين، أن المحافظات الجنوبية صرفت وتصرف رواتب كاملة، مضيفا: "وبحسب زملاء في هذه المحافظات فإنه تم تغطية رواتب المعلمين من إيرادات تلك المحافظات، في حين صرفت في محافظات أخرى عن طريق شركات صرافة، كما في حضرموت مثلا، أو عن طريق أمناء صناديق كما في عدن وبقية المحافظات.
خصوصية تعز.. بين الإنتقام والإهمال
وفي محافظة تعز، التي ما تزال إحدى المحافظات الأكثر التهابا في الصراع المسلح، حيث تخوض معارك شرسة متواصلة لتطهير أطرافها المحاصرة من الانقلابين، أكد موظفون لـ"يمن شباب نت" أنه لم تصلهم، حتى الأن، أية معلومات تطمينيه على الأقل، على شاكلة: متى ستُصرف مرتباتهم المتأخرة؟ وكيف؟ وأين؟
ويقول مدرسون في تعز، لـ"يمن شباب نت"، إن ثمة معلومات تصلهم، بشكل غير رسمي حتى الأن، بأنه سيتم قريبا صرف نصف راتب شهر سبتمبر عبر مكتب البريد بمحافظة إب..! حيث سيتوجب عليهم التحرك والسفر إلى هناك في الوقت المناسب عندما يتم ابلاغهم بذلك في حينه.
وأفاد آخرون لـ"يمن شباب نت" أن ثمة معلومات تشير إلى أن الميليشيات أطلقت تهديدات بعدم صرف مرتبات المعلمين المنقطعين عن العمل في المحافظة، بل وتهدد بفصلهم من أعمالهم..!! مع أن نسبة كبيرة من المدارس في تعز متوقفة عن العمل بسبب الحرب والقصف..!! الأمر الذي يفسره البعض، إذا صحت مثل تلك التهديدات، بأن الميليشيات تبحث عن حجة غبية لمصادرة رواتب المدرسين بمحافظة تعز، أو لإسكاتهم عن المطالبة بحقوقهم.
وبين تهديدات الميليشيات بإيقاف مرتباتهم، ووعود الحكومة بصرفها قريبا، يقعد الموظفون بمحافظة تعز أمالهم على أن توفي الحكومة الشرعية بوعودها وصرف مرتباتهم المتأخرة، بعضهم لثلاثة أشهر والبعض للشهرين الأخيرين فقط.
إلى أين تتجه بوصلة الغضب الشعبي الأن؟
ورغم الصمت الذي ساد الشهرين الماضيين تجاه عدم صرف رواتب موظفي الدولة، نتيجة التهديدات والتحذيرات التي أطلقتها الميليشيات الانقلابية طوال الشهرين الأخيرين، إلا أن صنعاء بدأت مؤخرا تشهد تصاعدا للاحتجاجات الجماهيرية المطالبة بصرف الرواتب المتأخرة، وذلك بعد أن طفح الكيل بحياة الموظفين الذين أصبح معظمهم غير قادر على مواصلة الصمت أكثر على تدهور حياتهم المعيشية بشكل غير مسبوق.
ومؤخرا خرج العشرات من أكاديميي جامعة صنعاء والناشطين الشبابيين في احتجاجات قوبلت باعتداء مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، فيما أقدم مسلحون على اقتحام اجتماع لأساتذة الجامعة عقد داخل الحرم الجامعي لمناقشة كيفية التعامل مع مشكلة تأخير صرف المرتبات، وقد تم تفريق الاجتماع بالقوة والاعتداء على بعض الأكاديميين بالجامعة. الأمر الذي قوبل بسخط شعبي كبير من معظم القوى السياسية والاجتماعية، بعضها من داخل تحالف الانقلابيين نفسه.
للمزيد أقرأ أيضا:
وإلى جانب أصوات الموظفين المدنيين، ارتفعت أيضا أصوات غضب الموظفين العسكريين للمطالبة بضرورة الخروج للتظاهر من أجل صرف الراتب. وخرج جنود وعسكريين يتبعون الحرس الجمهوري (سابقا) في تظاهرات احتجاجية إلى شارع التحرير وسط العاصمة، وقابلتها الميليشيات بالعنف والقمع والاعتقالات.
محاولات السيطرة
وقد جاء ذلك، على الرغم من محاولة الميليشيات الانقلابية إخماد هذا الغضب الشعبي، حيث عمدت - إلى جانب التهديدات والتحذيرات والعنف – إلى استباقها باستخدام حيل أخرى، ولجأت إلى بث أخبار كاذبة وتسريبات من مطابخها عبر قنواتها ومواقعها الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي. وقد زعمت في بعضها أن حزب الإصلاح يسعى لعمل اختلالات أمنية عن طريق وقفات احتجاجية وإضرابات للمطالبة بالمرتبات، وذلك في محاولة منها لتبرير إجراءات المنع والقمع واستخدام العنف لأي تظاهرات واحتجاجات سلمية، ما اعتبره مراقبون محاولة لتخويف المجتمع الغاضب من النزول للشوارع للمطالبة بمرتباتهم.
ومن ضمن تلك الأساليب، أيضا، قيام مطابخها بتزوير رسالة باسم وتوقيع مدير مكتب الرئيس هادي، الأستاذ محمد مارم، تحت عنوان "سري للغاية"، وتضمنت توجيهات منه لقيادات الأحزاب في مناطق سيطرة الحوثيين بتصعيد خطابهم الإعلامي من خلال الدعوات الشعبية النقابية ودعمها في المطالبة بتسليم الرواتب.
وبحسب الرسالة المزعومة، فإن مارم وجه بدعم "توجه شعبي شامل نحو عصيان مدني تكون للنقابات الأولوية وتحميل الانقلابيين الحوثيين وحزب المخلوع صالح تبعات الانقلاب".
وقد تم لاحقا كشف أن الرسالة المزعومة مزورة، مع عدد من التوضيحات، بينها خطأ بسيط جدا وقعت فيه مطابخ الميليشيات بتحديدها تاريخ الرسالة بـ 6 نوفمبر، تحت توقيع محمد مارم بصفته مديرا لمكتب رئيس الجمهورية، بينما أن مارم في هذا التاريخ لم يعد يمتلك هذه الصفة، حيث كان قد تم تعيينه سفيرا لليمن في سلطنة عمان قبل هذا التاريخ. أضف إلا أن الرسالة كانت تحمل شعار وكالة سبأ للأنباء، وهو ما يتناقض مع تصميم الورق الرسمي الخاص بمكتب رئيس الجمهورية.
الخلاصة: نواة لحراك شعبي
غير أن كل تلك الأساليب، لم تنجح حتى الأن في القضاء كليا على النواة التي تشكلت لحراك شعبي غاضب في معقل الانقلابيين بالعاصمة صنعاء، التي مازالت تشهد سخطا شعبيا متصاعدا.
فنقابة هيئة أعضاء التدريس بجامعة صنعاء، وعقب الاعتداء الأخير الذي طال أعضائها السبت الماضي، أعلنت مواصلتها المضي قدما في تنفيذ برنامجها التصعيدي الذي كانت بدأته في وقت سابق في الخامس من نوفمبر، ودعت مجددا لعقد اجتماع آخر بكلية الطب لمناقشة سبل التصعيد.
وحتى ذلك القمع وتلك الاعتداءات التي طالت أفراد الحرس الجمهوري، أثناء نزولهم الأسبوع الماضي إلى ساحة التحرير بالعاصمة للاحتجاج على عدم صرف المرتبات المتأخرة، لم تثني دعواتهم المتصاعدة لاحقا ومازالت حتى الأن لتنظيم فعاليات احتجاجية قادمة تكون أقوى إلى أن يتم صرف مرتباتهم المتأخرة.
وهو الأمر الذي أعتبره مراقبون "نواة لحراك شعبي"، قد ينتهي بالإطاحة بحكم المليشيات، أو – على الأقل - يجبرها على الرضوخ للعجز والجنوح للسلم.