"ياسر معوضة مزجاجي"، ذو الـ22 عاما، ها هي أسرته قد وجدته أخيرا بعد ستة أشهر من البحث المضني، بيد أنها تمنت لو لم تجده..!! لو أنها واصلت البحث عنه أكثر، ربما لعام، أو لعامين، بل إلى ما لانهاية على أمل أنه ما يزال حيا في مكان ما، فذلك أهون لها ألف مرة من أن تجد "ياسر" آخر غير الذي تعرفه، مجرد جثة هامدة في ثلاجة الموتى بمستشفى الثورة بمحافظة الحديدة..!!
ادعت الميليشيات الانقلابية للحوثي والمخلوع صالح، أن ياسر لقي حتفه في ضربات جوية لطيران التحالف العربي استهدفت مقر أمن مديرية الزيدية، نهاية الشهر الماضي (29 أكتوبر)، حيث كان ياسر محتجزا هناك في سجن المديرية مع عدد كبير من المختطفين، معظمهم لقى حتفه بالقصف.
للمزيد أقرأ أيضا:
الحديدة: أسرة تعثر على ابنها بثلاجة الموتى بعد ان كان محتجزاً لدى الحوثيين
لكن مثل هذا التبرير، لم يكن حاسما، لمجموعة أسباب، بحسب ناشطون بالمحافظة، يتسائلون: لماذا تأخر الإعلان عن وفاته حتى اليوم؟ مع أن القصف الجوي للمديرية مر عليه أسبوعان؟؟ أما السبب الثاني، فيتعلق بسوابق الميليشيات في تعذيب المختطفين والمخفين قسريا، المحتجزين لديها، حتى الموت..! ويأتي السبب الثالث معززا لسابقهما: أن جثة "ياسر"، ومعظم زملائه الذين وجدت جثثهم في ثلاجة المستشفى، كانت عليها آثار واضحة للتعذيب الذي كانوا يتعرضون له. بحسب المصادر التي أبلغت "يمن شباب نت".
أضف إلى ذلك، أن الميليشيات ظلت طوال الفترة الماضية تنكر أن "ياسر" مختطف لديها، حين كانت أسرته تبحث عنه طوال فترة الستة أشهر التي تلت اختفائه، لكنها اليوم تقول إنه كان محتجزا لديها في سجن المديرية التي قصفها الطيران..!!
سجون لتصفية المعارضين
ارتفعت حوادث القتل، جراء التعذيب، التي يتعرض لها المختطفون والمخفون قسريا لدى ميليشيات الحوثي والمخلوع، لاسيما في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها. الأمر الذي يكشف مقدار ما تمارسه هذه الميليشيات الانقلابية من تعذيب وانتقام ضد من تختطفهم بتهمة معارضتها.
وبشكل خاص، تعد محافظة الحديدة، (غرب اليمن)، حيث تسيطر عليها الميليشيات الانقلابية منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2014، أحد تلك المحافظات التي حصد فيها التعذيب أرواح الكثير من المختطفين.
آخرها، قبل أيام قليلة فقط، حيث استلمت أسرة "محمد عبد الله ابو زيد"، وهو رئيس فرع حزب التجمع اليمني للإصلاح في منطقة الحشابرة بمديرية الزيدية بمحافظة الحديدة، جثته يوم الثلاثاء الماضي (8 أكتوبر)، من ميليشيات الحوثي والمخلوع، وعليها آثار تعذيب.
وقد أكدت مصادر "يمن شباب نت"، بالحديدة، أن القيادي الإصلاحي، الذي أختطف مطلع العام الجاري (2 يناير) من داخل المدرسة التي يعمل بها، كان قد لقي حتفه بعد خمسة أشهر تقريبا من اختطافه، وتحديدا في شهر مايو الماضي، جراء تعرضه للتعذيب، الذي تظهر آثاره الكثيرة والواضحة في أنحاء مختلفة من جسده، إلا أن الميليشيات ذهبت مؤخرا لتساوم أسرته على تسليمهم الجثة مقابل دفع مبالغ مالية كبيرة..!!
وأكدت المصادر المقربة، أن "أبو زيد" لقى حتفه في "مؤسسة الغيث الخيرية" بمديرية الزيدية، المؤسسة التي اتخذتها مليشيا الحوثي والمخلوع مركز اعتقال وتعذيب. وبعد وفاته في مايو، ظلت الميليشيات تتلاعب بمشاعر أسرته ما بين التأكيد لهم، أحيانا، أنه قد مات، وأحيانا أخرى أنه ما يزال على قيد الحياة وتطالبهم بدفع مبالغ لعلاجه، قبل أن تؤكد لهم قبل أسبوع على تسليم جثته أنه مات وتساومهم على تسليم الجثة لقاء مبلغ وصل – بحسب مصادرنا ومصادر أخرى متطابقة - إلى 800,000 ريال (ثمان مائة ألف ريال)، قيمة العلاج..!!
سبق هذه الحادثة، بشهر تقريبا، وتحديدا في 7 أكتوبر الماضي، وفاة الداعية السلفي "عبدالرحمن جعفر" بعد أكثر من عام ونصف قضاها في سجون الميليشيات الانقلابية بالحديدة. وقد زعمت الميليشيات أنه توفي بـ"جلطة قلبية" نتيجة تدهور حالته الصحية. أما مقربيه فيؤكدون أنه كان يتعرض للتعذيب طوال فترة العام ونصف من اختطافه وإيداعه المعتقل رغم علمها مسبقا أنه كان يعاني بعض الأمراض، ما أدى إلى تدهور وانهيار حالته الصحية جراء التعذيب. وبعد أن تأكدت الميليشيات أن لا أمل من نجاته قامت بإطلاقه لتلقي العلاج بالمستشفى، غير أن الوقت آنذاك كان قد تأخر على إنقاذه.
وبحسب المعلومات التي استقاها "يمن شباب نت" من مصادر مقربه، كانت المليشيات قد اختطفت الشيخ "عبدالرحمن جعفر" في مدينة الحديدة، وظل شهورا في سجون المليشيات فيها، قبل أن يتم نقله لاحقا الى سجونهم بالعاصمة صنعاء، ليمكث في المعتقل حوالي سنة وثمانية اشهر تعرض فيها للتعذيب، ومنعت عنه المليشيات الزيارات حتى من أسرته، التي ظلت طوال فترة أعتقله تقريبا لا تعرف مكانه، أو شيئا عنه.
للمزيد أقرأ أيضا:
الحديدة: وفاة شيخ سلفي كان معتقلا لأكثر من عام ونصف في سجون ميليشيات الحوثي والمخلوع
المزيد من الضحايا.. ومصير مجهول لآخرين
وقبلهم تعرض عدد من أبناء الحديدة المختطفين لدى الميليشيات إلى التعذيب حتى الموت، بينهم الشاب وليد الشميري، الذي توفى في 22 يونيو الماضي، بعد يوم واحد من اقتحام مليشيا الحوثي والمخلوع منزله وسط شارع شمسان بمدينة الحديدة، واختطافه مع والده وثلاثة أخرين من إخوته، ثم قامت بالإفراج عن الأب وأبقت على الأبناء.. بعدها بيوم واحد أعلن عن وفاة وليد الشميري بعد جرعة تعذيب زائدة.
قبلها، في 3 مارس، أعلن عن وفاة المعلم "سليمان علي حمود البرعي" بعد خمسة أشهر على اعتقاله وتعذيبه بالحديدة. والبرعي إلى جانب كونه عضوا معروفا بنقابة المعلمين اليمنيين بالحديدة، فقد كان أيضا أحد القيادين في ثورة فبراير 2011 الشعبية، ضد نظام المخلوع صالح. وقد أكد مقربون أنه تعرض للتعذيب داخل معتقله بسجن مديرية "المراوعة لمدة شهرين متواصلين حتى لقى حتفه نتيجة قسوة التعذيب الذي تعرض له.
وعقب وفاته، ظلت مليشيا الحوثي والمخلوع تماطل في تسليم جثته لأسرته وأهله وأطفاله وأقاربه ومحبيه الذين طالبوا بتسليم جثته لعرضه على الطبيب الشرعي، وهو ما كانت المليشيات الحوثية ترفضه وتخطط لدفنه سرا دون معرفة احد. ووفقاً لمصادر خاصة، أبلغت مراسل "يمن شباب نت" بالحديدة، نقلت الميليشيات جثة التربوي "البرعي" من السجن إلى ثلاجة مستشفى العلفي بمدينة الحديدة، في مطلع مارس، واستمر ثلاثة أشهر داخل الثلاجة، ثم قامت بإخراج الجثة لاحقا ودفنها سرا دون علم أهله، الذين كانوا يطالبون بتشريح الجثة قبل الدفن..!!
وعلى هذا النحو، ما يزال مصير المئات من المختطفين والمخفيين قسريا لدى الميليشيات بالحديدة، مجهولا حتى الأن. حيث لا تعرف أسر معظمهم عن مصيرهم شيئاً، أو أماكن احتجازهم. تتلاعب الميليشيات بمشاعر أسرهم بالطريقة ذاتها التي ظلت تتلاعب فيها بمشاعر أسر وأبناء وأحباب أولئك السابقين الذي اضطرت أخيرا إلى كشف حقيقة وفاتهم
كما أن الميليشيات ما تزال حتى الأن، بحسب مصادر لـ"يمن شباب نت"، تفرض تعتيماً على اسماء أولئك المختطفين اللذين تقول أنهم راحوا ضحية القصف الجوي على مديرية أمن الزيدية، نهاية أكتوبر الماضي. الأمر الذي يزيد من التكهنات أنها تسعى إلى جعل هذه الملف مفتوحا لغسل جرائمها القادمة، بحيث تضيف إلى قائمة ضحايا القصف الجوي كل من قد يلقى حتفه جراء التعذيب الذي تمارسه في سجونها ضد المعتقلين. كما حدث – ربما - مع الشاب "ياسر معوضه" مؤخرا، بحسب ما يعتقده بعض الناشطين بالمحافظة.
الحديدة بين أخواتها
ومع أن ما يحدث في محافظة الحديدة، ينطبق على كافة المحافظات الأخرى الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، حيث تأتي الحديدة في المرتبة الثالثة تقريبا في عدد من يلقون حتفهم في سجون الميليشيات جراء التعذيب، بعد محافظتي ذمار وإب، بحسب بعض التقارير الدورية الصادرة عن مؤسسات حقوقية يمنية، إلا أن ما يحدث في سجون محافظة الحديدة يعتبر الأكثر جرما بشهادة ناشطين حقوقيين بالمحافظة بل وقيادين حوثيين.
أقرأ أيضا:
12 قتلوا في 2016 بينهم سبعة في أغسطس فقط..(الموت تحت التعذيب)
وفي وقت سابق، نسبت بعض وسائل إعلامية للقيادي الإعلامي الحوثي "أسامه ساري" اعترافه، في أحد منشوراته على صفحته الشخصية بـ"الفيسبوك" بارتكاب ميليشيات الحوثي، التي ينتمي لها، جرائم بشعة في المعتقلات التي تخفي فيها آلاف المختطفين بالحديدة، مؤكدا أن قيادات حوثية حولت البحث الجنائي في الحديدة إلى "وحش كاسر يثير الرعب ووكر عائلي لبلطجة من نوع جديد وتحت عناوين جديدة".
وأضاف الإعلامي الحوثي "ساري"، وهو يرأس تحرير جريدة "صدى المسيرة" التابعة للحوثيين، أنه "يتم صناعة الوحوش القذرة" داخل جماعته التي تقوم "بتعذيب المختطفين وتنتهك حقوقهم الإنسانية"، وتحيل حياة الإنسان – داخل المعتقلات إلى "جحيم". حسب وصفه، نقلا عن تقارير إعلامية.
ويعزز الإعلامي "وسيم الجناني"، وهو أيضا ناشط حقوقي بمحافظة الحديدة، تلك الفضائع التي ترتكبها ميليشيات الحوثي-صالح الانقلابية في محافظته، لاسيما سجن البحث الجنائي.
وطبقا لما نشر عنه من تصريحات صحفية، نقل "الجناني" مأساة شاب أسمه "أكرم زهر"، من أبناء مديرية الدريهمي، كان معتقلا في سجن البحث الجنائي، وحين أطلق سراحه كان قد فقد الذاكرة، ولا يستطيع التعرف على أحد..!
ويضيف "كما أن التعذيب الشديد جعل حركته حين يمشي على قدميه كأنه عجوز سبعيني، وإذا خاطبته لا يكاد يسمع ما تقول، وهو نموذج بسيط لكثيرين يلاقون أشد أنواع التعذيب في إدارة البحث الجنائي وفي سجون ومعتقلات الحوثيين بمحافظات عدة".
وأكدت مصادر محلية لمراسل "يمن شباب نت" أن معظم سجون المحافظة ترزح بالمئات من المعتقلين المعارضين للجماعة، فيما أن هناك مختطفين مخفيين قسريا في سجون ما تزال سرية، بعضها غير معروفة حتى الأن، وأن معظمهم يتعرضون لصنوف التعذيب باستخدام وسائل متنوعة بينها الصعق الكهربائي، وهي الوسيلة التي بحسب اعتقادهم قد تكون الأقل درجة بين وسائل أخرى كثيرة، بينها التهديد بالقتل وترويعهم برميهم بالرصاص (التنصع)، والشنق حتى يشاهدون الموت، وتجريعهم القاذورات والأوساخ، ووضعهم متارس واستخدامهم كدروع بشرية بنقلهم عمدا إلى أماكن معرضة للقصف الجوي.. الخ.
إحصائية عامة لضحايا التعذيب
وبشكل عام، تباينت الأرقام بين منظمة وأخرى، بخصوص المختطفين الذي لقوا حتفهم تحت التعذيب في سجون الميليشيات. وعلى ما يبدو، من خلال البحث، لم يصدر حتى الأن تقرير مخصص فقط لرصد هذه النوعية من الجرائم التي تتعارض مع القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية، سواء في التعامل مع الأسرى والمعتقلين، أم تلك التي تجرم الاختطاف والاخفاء القسري والتعذيب، والتي ترقى إلى كونها "جرائم حرب".
ومن بين التقارير الحقوقية، التي شملت هذه الجريمة، ضمن سياق رصد جميع الانتهاكات، كشف تقرير حقوقي، سابق، صادر عن "التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان" عن وفاة 57 شخصا، من بين المئات الذين اختطفتهم ميليشيات الحوثي والمخلوع صالح في 14 محافظة يمنية، منذ انقلابها على الشرعية في سبتمبر 2014. ويرصد التقرير المذكور الفترة من يوليو 2014 وحتى سبتمبر 2016.
وأشار التقرير إلى إحصائيات لمنظمات حقوقية أخرى رصدت حوالي (4700) حالة تعذيب داخل 484 سجنا عاما وخاصا تابعة لميليشيا الحوثي والمخلوع صالح، في 17 محافظة يمنية، وذلك خلال الفترة من يوليو 2014 وحتى إبريل 2016.
ونوه التقرير إلى أن هذه الأرقام المعلنة لا تمثل كل حالات التعذيب في اليمن، وإنما تمثل فقط الحالات التي تم التحقيق فيها من قبل فريق الرصد التابع للمنظمة (التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان).