اُجبر الموظفين الحكوميين الساكنين في العاصمة صنعاء على النزوح منها إلى الأرياف، بعد رفض الحوثيين دفع مرتباتهم للشهر الثاني على التوالي، في موجة نزوح جماعية، تشبه تلك التي حدثت في سبتمبر 2014 اثر سيطرة ميلشيات الحوثي وصالح على العاصمة وأيضا بدء الحرب في مارس من العام الماضي
يأتي هذا بالتوازي مع لجوء، بعض موظفي الدولة من الذين كانوا يعتمدون على رواتبهم، إلى بيع أثاثهم في سواق الحراج بشكل سري في ساعات الليل حرجاً من جيرانهم ومن ثم النزوح الإجباري باتجاه لأرياف.
ويعيش الموظفون الحكوميون خصوصا في المناطق التي تخضع لسيطرة ميلشيات الحوثي وصالح واقعا اقتصاديا سيئا، حيث يتعرضون للإذلال من قبل المؤجرين وأصحاب البقالات الذين كانوا يقرضونهم لغاية استلام الرواتب.
وحاول السكان الذين بدءوا حركة النزوح منذ 10 أيام التريّث من شهر لآخر، لكنهم وصلوا إلى طريق إجباري، يستلزم عليهم مغادرة العاصمة صنعاء، مع أسرهم باتجاه الأرياف قبل تفاقم أوضاعهم المعيشية أكثر فأكثر.
وفي الوقت الذي تزداد فيه أوضاع الموظفين الحكوميين مأساوية يزداد الحوثيون ثراء، وينشطون في شراء العقارات والشقق المفروشة، والفلل بأسعار رخيصة، مستغلين الأوضاع المادية لسكان العاصمة، بسيولة نقدية كبيرة.
أسوا مظاهر الأزمة
وفي السياق يقول الكاتب والمحلل السياسي ياسين التميمي "أن هذه واحدة من أسوا مظاهر الأزمة التي تولدت عن هيمنة وفساد الميلشيا في عاصمة الدولة، فليس هناك أسوأ من أن يعجز الإنسان عن الإيفاء بالحد الأدنى من احتياجاته الأساسية جداً".
وأضاف التميمي في تصريح لـ "يمن شباب نت" أنتجت هيمنة ميلشيات الحوثي وصالح العجز الكامل عن التعاطي مع التزامات سلطة الأمر الواقع ظاهرة جديدة، هي النزوح من العاصمة إلى الريف، ما يعمق من الإحساس بمرارة العيش في عاصمة فقدت كل إمكانيات العيش، وهو ما لم يحدث في أي بلد يعيش حرباً أهلية".
وتابع قائلاً "لقد أختار الناس بانزياحهم نحو الأرياف التعايش مع الجوع في ظل الحد الأدنى من الكرامة التي يوفرها التضامن الاجتماعي في القرى والأرياف".
وتوقع التميمي في ظل استمرار تفاقم الوضع المعيشي "أن صنعاء ستتحول على الأرجح إلى مدينة أشباح وإلى مجرد متاريس يسكنها مقاتلو الميلشيا الذين سيخوضون قريباً معركتهم الخاسرة قريباً، ليس فقط مع خصوم الميلشيا وأعدائها التقليديين ولكن أيضاً مع كتائب الجوعى من الذين لا ريف لهم ولا خيارات أخرى أمامهم".
مدينة طاردة لساكنها
بدوره يقول الصحفي الاقتصادي نبيل الشرعبي "من البديهي للغاية أن يقود توقف صرف رواتب موظفي الدولة إلى تحول العاصمة صنعاء من مستوعب إلى طارد، إذ أكثر من سكان العاصمة يعتمدون كليا على الرواتب سواء الحكومية أو الخاصة".
وأضاف الشرعبي في تصريح خاص لـ "يمن شباب نت" أنه منذ حوالي شهرين بدأت مؤشرات تظهر للسطح بالعاصمة وتتمثل هذه المؤشرات في تسرب للسكان منها بدء شحيحا ثم توسع وسيتوسع أكثر.
وقال إنه وفي حال استمرت الأزمة فقد لا يجد الموظف الحكومي من يشتري منه أثاثه المنزلي حتى بأقل كلفة إذا طال أمد توقف صرف الرواتب ،مشيرا إلى أن الجميع في طريقه إلى فقدان كافة المدخر النقدي لديه، ومع هذا العامل لن يكون بمقدور احد الدفع لتقديم كماليات على رغيف الخبز.
وقال الشرعبي "أن المؤسسات الخاصة نالها نصيب من الأزمة عقب سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين وما أعقبه من حملات ابتزاز ومصادرة وغيره من الممارسات التي أصابت الوظيفة الخاصة بمقتل".
زيادة حركة النزوح
وتوقع الصحفي الاقتصادي الشرعبي ازدياد حركة النزوح من العاصمة صنعاء قائلاً " لن تتوقف حركة النزوح على السكان غير الأصليين، وإنما السكان الأصليين أيضا ستجبرهم الظروف على المغادرة والبحث عن مقار للسكان خارجها، مثلا كالعودة إلى ربوع عشائرهم التي غادروها قبل عقود من الزمان".
وتابع "ومع توالي هذه الموجات ستغدو العاصمة في خبر كان" لافتا إلى أن أثرياء العاصمة سيتحولون إلى عمالة تتوزع على دول الجوار والمحافظات اليمنية المستقرة.
وينتهي الشهر الثالث وموظفي الدولة لم يستلموا رواتبهم في العاصمة صنعاء، مما اضطر بعضهم لمغادرة العاصمة، تحت وقع ظرفهم المعيشي المنهك، بينما يزال البقية يقامون ويحاولون البقاء والتشبث ببقائهم هنا، وفي انتظار أن يأتي إليهم الفرج.
لكن المؤشرات على الأرض تقول إن أمد معانات الموظفين قد تطول، وهذا يعني أن مسلسل النزوح سيستمر وبوتيرة أكبر مما هو عليه الآن، حتى تغدو العاصمة مدينة تسكنها الأشباح والمجانين ومعهم الميلشيات القادمة من شمال الشمال.