تختلف أطروحات وتفسيرات المتخصصين والناشطين السياسيين في اليمن إزاء تكرار حوادث استهداف السفن في باب المندب مؤخرا من قبل مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، إلا أنها تلتقي عند نقطة واحدة تؤكد أنها تأتي في سياق مخطط استدعاء تدخل دولي أوسع في قضية اليمن.
وتتواجد عشرات السفن الحربية في خليج عدن ومياه البحر الأحمر من عدة جنسيات باسم حماية الملاحة الدولية، والتي جاءت بمبرر اتساع أعمال القرصنة البحرية على السفن التجارية في البحر الأحمر. وما زالت متواجدة هناك حتى الأن تحت نفس المبرر، على الرغم التراجع الملحوظ لعمليات القرصنة خلال السنوات الخمس الأخيرة، بعد أن كانت قد سجلت تزايدا متسارعا خلال الفترة التي سبقتها.
وخلال الفترة الأخيرة اسُتهدفت المدمرة الأمريكية الحربية البحرية (يو إس إس ميسون) قبالة مضيق باب المندب في البحر الأحمر، في ثلاث عمليات منفصلة لكنها متقاربة التواريخ: الأولى يوم الأحد 8 أكتوبر الجاري، بصاروخين تم أعتراض الأول عبر مضادات المدمرة الأمريكية فيما سقط الأخر بعيدا، ثم تلتها عملية القصف الثانية بعد أربعة أيام، يوم الأربعاء 12 أكتوبر، ولم تصب المدمرة أيضا، وبعد ثلاثة أيام تقريبا حدث الاستهداف الثالث مساء يوم السبت/فجر يوم الأحد الماضي (16 أكتوبر)، وتم اعتراض الصاروخ أيضا.
ولاحقا، بعد الهجوم الثاني، أكدت وزارة الدفاع الأمريكية أن الهجومين الفاشلين بصواريخ من نوع كروز، انطلقت من أراض تسيطر عليها مليشيا الحوثي والمخلوع صالح، على الرغم من نفي المليشيا علاقتها بالهجومين، وذلك على عكس إعلانها في وقت سابق مسئوليتها عن هجوم صاروخي مماثل نجحت فيه من استهداف سفينة إماراتية قبالة باب المندب واصابتها بأضرار مطلع الشهر الجاري. وأكدت دولة الإمارات أن السفينة المستهدفة لم تكن سفينة حربية بل تحمل مساعدات إنسانية وتنقل الجرحى.
مخطط لتوسيع التدخلات الخارجية
عقب الهجوم الثاني على المدمرة يو إس إس ميسون، شنت البحرية الأمريكية ثلاث غارات قالت إنها استهدفت مواقع ثلاثة رادارات تحت سيطرة الانقلابيين في الحديدة.
ورأى سياسيون تحدثوا لـ"يمن شباب نت" أن هذه التصعيدات الأخيرة على البحر، ربما تستهدف رفع مستوى المعركة من قبل الانقلابيين، الذين ربما يخططون إلى إدخال أطراف دولية جديدة فيها بعد تضييق الخناق عليهم، لكنهم أكدوا أن التسريع في حسم المعركة سيوقف هذا المخطط.
ويرى المحلل السياسي وأستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء الدكتور عبدالباقي شمسان أن توجه الانقلابيون نحو المياه الإقليمية مؤخرا "ينساق في إطار رد الفعل على هذا التضييق المتزايد، من خلال استدعاء نقل المعركة إلى المجال الإقليمي بالتزامن مع استعراض إيران للقطع البحرية الإيرانية ورفع مستوى التهديد للمملكة، الأمر الذي قد يهدد باشتعال حرب إقليمية".
وأعتبر شمسان، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أن العمليات التي تجري في المياه الإقليمية هي "محاولة معلنة ومباشرة لاستدعاء الولايات المتحدة الأمريكية"، معتقدا أن ذلك يتم بتنسيق بين إيران والولايات المتحدة، وهو ما يتضح جليا من خلال ردة الفعل التي اقتصرت على قصف الرادارات حتى الآن.
ومع أنه يؤكد أن حماية الملاحة الدولية وإنهاء الخطر عنها يعد هدفا أمريكا معلنا من خلال ردة الفعل على استهداف مدمرتها، إلا أنه ينظر إلى أن ردة الفعل تلك، على الأقل حتى الآن "لا توحي أنها تريد إنهاء الخطر"، حيث يقتضي إزالة الخطر في نظره ضرورة "اتخاذ خطوات حاسمة نحو استعادة الدولة والشرعية".
تحذير من حرب إقليمية
عقب الهجوم الأمريكي الانتقامي على ما قالت إنها مواقع ثلاثة رادارات تابعة للانقلابين، أعلنت القوات البحرية للجيش الايراني عن إرسال المجموعة 44 المؤلفة من سفينتين حربيتين إلى خليج عدن ومضيق باب المندب، مبررة الهدف من هذه الخطوة التصعيدية في نظر البعض، على أنها تأتي في سياق "الإشراف على أمن الملاحة البحرية في خليج عدن ومضيق باب المندب الأستراتيجي".
وشكك شمسان في هذه الخطوة، محذرا من أن ذلك "مؤذن بحرب إقليمية إيرانية سعودية ستستدعي تدخلا للحفاظ على الملاحة الدولية والأمن والسلم الدوليين ومن ثم تسوية إيرانية سعودية سيكون ملف اليمن ضمن هذه التسوية".
وجزم بأن كل التحركات الحاصلة إنما "تهدف إلى الحفاظ على الحوثيين". واضاف: "لن تترك إيران الحوثيين، ليس لأنها تعتبر في نظرها العاصمة العربية الرابعة التابعة لها فحسب، وإنما لأنها مدخل لتكوين كيان شيعي في المناطق الجنوبية للمملكة".
وللحيلولة دون نجاح هذا المخطط، ينصح أستاذ علم الاجتماع، بأهمية الإسراع في استعادة الجغرافيا والمؤسسات، "حتى إذا ما حصل الضغط باتجاه التسوية، تكون معادلة القوة قد تغيرت لصالح السلطة الشرعية التي تستطيع بسط سيادة القانون وفقا للدستور والقوانين الوطنية".
محاولات إيرانية لخلق وضع جديد
يعتبر مضيق باب المندب من أهم ممرات النقل والمعابر الدولية على الطريق البحرية بين أوروبا والبحر المتوسط، والمحيط الهندي وشرقي أفريقيا. وتكمن أهميته الكبرى من الناحية الملاحية بكونه يعتبر ممرا لما يقدر ما بين 5 – 6% من إنتاج النفط العالمي، والخليجي بشكل خاص، حيث تمر عبره قرابة 4 ملايين طن من النفط العالمي يوميا باتجاه قناة السويس ومنها إلى البحر الأبيض المتوسط باتجاه أوروبا والعالم.
وبحسب تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في عام 2013، بلغت كمية النفط التي عبرت يومياً مضيق باب المندب قرابة 3.8 ملايين برميل من النفط، ما يساوي 6 % من تجارة النفط العالمية. فيما تمر سنويا عبر هذا المضييق ما يزيد عن 21 ألف سفينة محملة بمختلف البضائع، أي 57 قطعة بحرية يومياً، وفقا للأرقام المتداولة عالميا.
وفي قراءته للمشهد العسكري المتصاعد في هذا المضيق الاستراتيجي المهم، لم يبتعد المحلل السياسي عبدالملك اليوسفي، أيضا، عن سلفه بالتأكيد على أن استهداف السفينة الإماراتية ومن بعدها البارجة الأمريكية جاء في سياق "رغبة إيران من رفع وتيرة المخاوف الدولية على سلامة النقل البحري في المنطقة الهامة دوليا في باب المندب".
ويعزز اليوسفي، في حديثه مع "يمن شباب نت"، ما ذهب إليه شمسان، من أن ذلك "يهدف لخلق وضع جديد يتم فيه دخول أطراف أخرى في السيطرة على المياه الإقليمية اليمنية خصوصا باب المندب".
ويرى أن هيمنة التحالف العربي على الأجواء والمياه اليمنية والإقليمية منذ انطلاق عاصفة الحزم بطلب من الرئيس هادي "دفع إيران مؤخرا لممارسة لعبة خلط الأوراق لكسر تلك الهيمنة عن التحالف العربي لصنع ثغرات تنفذ من خلالها لإسناد أذرعتها في اليمن بالأسلحة".
لذلك يعتقد اليوسفي أيضا، أن حسم المعركة سريعا "سيصب بكل تأكيد في إيقاف تلك الأطماع في المياه الإقليمية".
وسام الدخول في الخندق الإيراني
تزامنا مع تلك التصعيدات الأخيرة، أعتبر مسئولون إيرانيون أن اليمن أصبحت الأن تمثل "الخندق الأول للمقاومة ضد أميركا والصهيونية وعميلهما الاكبر في المنطقة نظام ال سعود". وفقا لما نقلته وكالة أنباء فارس الإيرانية عن عباس الكعبي النائب بمجلس خبراء القيادة الايرانية ورابطة مدرسي الحوزة العلمية في قم.
وقد جاءت تلك التصريحات على خلفية استهداف الحوثيون مؤخرا للسفن في المياه الإقليمية. وهو ما أشار إليه المسئول الإيراني بقوله "مع طول فترة مقاومة الشعب اليمني بدأت الصواريخ البالستية والاستراتيجية لهذا البلد تظهر على الساحة، والتي تصل مديات بعضها الى مدينة طائف وكذلك مدينة الرياض كما بدانا نشهد إطلاق صواريخ باتجاه بارجة حربية للأمارات".
وتتهم الحكومة اليمنية الشرعية، ودول التحالف العربي بقيادة المملكة السعودية، إيران بتزويد حلفائها الحوثيين باليمن بأسلحة ثقيلة بينها صواريخ حرارية. ومؤخرا أيضا أنظم مسئولون أمريكيون إلى توجيه الاتهام المباشر إلى إيران بتزويد الحوثيين بتلك الصواريخ التي استهدفت البارجة الأمريكية.
وفي هذا السياق، علقت وكالة رويترز، في تقرير لها نشرته الأربعاء الماضي (12 أكتوبر)، حول هذه المسألة، بالقول: إن تلك الهجمات ونوعية الصواريخ المستخدمة (كروز) ذات المدى الطويل، من شأنها أن تزيد من المخاوف بشأن نوع الأسلحة الثقيلة التي يبدو أن الحوثيون على استعداد لاستخدامها، مشيرة إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين يعتقدون أن إيران هي من "قامت بتزويدهم بها".
ويعتقد محللون استراتيجيون أن قدوم السفن الإيرانية إلى محيط خليج عدن وقرب مضيق باب المندب، عقب التصعيدات الأخيرة هناك، يعزز هدف إيران من التواجد بالقرب من هذا المضيق الاستراتيجي الهام، بهدف وضع تجارة النفط الخليجية تحت التهديد، كما هو الحال بالنسبة لمضيق هرمز الذي تستخدمه إيران بين الحين والأخر كورقة ضغط تهدد به الملاحة الدولية وتجارة النفط.
يذكر أن ميليشيات الحوثي الانقلابية، كانت شرعت مع بداية حربها التوسعية في اليمن، بفرض سيطرتها، في أواخر مارس 2015، على مديرية "ذوباب" بتعز، والتي يتبعها إداريا مضيق باب المندب، والذي ظل تحت سيطرتها حتى مطلع نوفمبر 2015، حيث تم طردها ودحرها منه في عملية قادها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية.