بعد أن طالت معاناتهم وحرموا من الدراسة لعام دراسي كامل، بسبب حروب قبلية متقطعة أدت إلى إغلاق مدرستهم فترة طويلة قبل أن تدمرها الحرب القبلية نهائيا، كون موقع المدرسة يقع بين أطراف القبيلة المتصارعة، وتشكيل الصراع خطرا على حياة الطلاب الذي يبلغ عددهم أكثر من "خمسمائة" طالب وطالبة من أبناء تلك المنطقة.
نظر الأطفال حول أنفسهم فوجدوا مدرسة لا يستطيعون الدراسة فيها، لم يكن بمقدورهم إيقاف الحرب الأهلية بين القبائل المتصارعة التي راح ضحيتها أكثر من "36" قتيل من الرجال والنساء والأطفال إضافة إلى عشرات الجرحى والخسائر المادية الضخمة.
وحتى آمالهم في وجود دولة قوية تحميهم أولا قبل أن تقوم بتوفير كافة حقوقهم التعليمية تلاشت وذهبت أدراج الرياح، بعد أن سيطر على مفاصل الدولة عشاق الظلام والتجهيل، ومحاربي العلم والمعرفة، من أجل أهداف خاصة يستمدون منها قوتهم ومكانتهم في أوساط المجتمع.
وحتى المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الأطفال وتعليمهم تجاهلتهم، وذهبت تبحث عن قضايا أخرى قد تجني من ورائها مكسب، أو قضايا لا تهم أحدا سوى القائمين على تلك المنظمات، والذين يستطيعون من خلالها تحقيق أهدافهم الغامضة.
موقع المدرسة
انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لأطفال من إحدى قرى قبيلة "الحدأ" التي تعد من أكبر قبائل اليمن والتي تتبع إداريا لمحافظة "ذمار" جنوبي العاصمة صنعاء.
ويشرف على بناء المدرسة نقيب المعلمين بمحافظة ذمار الأستاذ / محمد ناصر أبو عاطف، وهو الذي قام بنشر الصور الفوتوغرافية للأطفال وهم يقومون ببناء المدرسة على شبكة الإنترنت، من أجل نقل المعاناة التي يعيشها أطفال قريته في سبيل الحصول على حقوقهم التعليمية والتربوية.
وتقع المدرسة التي دمرتها الحرب بين قبيلتي "الرشدة" و "بيت أبو عاطف" شرق مديرية الحدأ؛ وقدمت من ضمن مساعدات مكتب الإعمار بعد الزلزال الشهير الذي ضرب محافظة ذمار في عام 1982م، لكن الكوارث البشرية كانت أكثر فتكا من الكوارث الطبيعية.
صعوبة التعليم
يقول المشرف على عمليات البناء الأستاذ "محمد أبو عاطف" ل"يمن شباب نت" أن الحرب القبلية بين بعض القرى في المنطقة أدت إلى إغلاق بصيص النور الذي يشع من جنبات المدرسة؛ وتدمير المستقبل الواعد لهؤلاء الأطفال.
وأضاف "محمد أبو عاطف" بعد أن أغلقت المدرسة نهائيا أثر تهدم أجزاء كبيرة منها وخطورة موقعها بين القبائل المتناحرة على حياة أكثر من "خمسمائة" طالب وطالبة؛ تم إيجاد مكان بديل للدراسة لكنه غير كافي لجميع الطلاب، قبل يتم اتخاذ قرار من قبل فاعلي الخير بضرورة إنشاء مدرسة جديدة لجميع الطلاب.
وتابع "أبو عاطف" بادر مجموعة من شباب المنطقة ومعهم مجلس الآباء واتفقوا على الشروع في بناء مدرسة جديدة مكونة من "ستة فصول دراسية إضافة إلى إدارة ومخزن" على أن يتم توسعتها إن توفرت الامكانيات اللازمة قادم الأيام.
وذكر "نقيب المعلمين" أنه رغم قلة الامكانيات المادية لعمل المشروع التعليمي إلا أنهم بدأوا بذلك، مفضلين عدم الانتظار للدولة الغير موجودة أصلا في تلك المناطق، أو لمساعدة من قبل المنظمات الدولية والمحلية المعنية بحقوق الطفل.
العمل قبل التعليم
شارك الطلاب الصغار مع الكبار في حمل الأحجار لبناء مدرستهم؛ بدلا عن حمل الحقائب المدرسية، فيما شارك الأهالي بأموالهم وجهودهم من أجل إنجاح ذلك المشروع التعليمي، في حين سارعت نساء القرية بالتبرع بكل ما حصلن عليه أثناء فترة العيد (عوادة العيد) لصالح المدرسة.
وتساءل طالب يعمل في نقل الأحجار من أجل بناء المدرسة ليتعلم فيها مع بقية زملائه "هل يجب علينا ان نعمل قبل أن نبدأ في التعليم؛ وأين وزارة التربية والتعليم مما نحن فيه من معاناة"
من جانبه قال أحد أعضاء مجلس الآباء بالقرية أن دراسة الأطفال لابد منها؛ وسنبذل كل ما نستطيع من أجل ذلك، ولن نجعل أعداء العلم والمعرفة من تحقيق مرادهم بجعل أبنائنا جندا في صفوف مقاتليهم أو عنصرا في جماعتهم.
وأضاف "تم إنجاز ثلث مشروع المدرسة على أن يتم استكمال ذلك عند توفر الامكانيات المادية من أجل شراء المواد الأساسية لعمليات البناء، وأن أبناء المنطقة لن يدخروا جهدا في سبيل ذلك.
رسائل ومناشدة
ورفع الأطفال رسالتهم نحو كل من خذلهم في معاناتهم وتجاهلهم ونسي حقوقهم أنهم مستمرون في بناء مدرستهم الجديدة حتى يتم إنجازها حقيقة أمام أعينهم، واعين كل من خذلهم.
كما وجه الأطفال دعوتهم نحو فاعلي الخير من محبي العلم والمعرفة وأعداء الجهل والتخلف، بضرورة مساعدتهم في إكمال مشروعهم التعليمي الأول في حياتهم، معتبرين فشل نجاح ذلك المشروع فشل ينتظرهم على مختلف مراحلهم العمرية القادمة.
يبلغ نسبة الإنجاز في المدرسة التي أطلق عليها اسم "مدرسة الحوار الوطني" أكثر من 40%، ويعاني القائمون على بناء المدرسة من عدم توفر الامكانيات المادية من أجل شراء الاحتياجات الأساسية لمواد البناء؛ ويشرف على المشروع الأستاذ /محمد ناصر أبو عاطف نقيب المعلمين بمحافظة ذمار.
ويسابق القائمون على المشروع الزمن وذلك من خلال العمل المتواصل حتى أثناء إجازة عيد الأضحى المبارك لكي يستفاد من المبنى هذا العام الدراسي الجديد الذي يزامن الذكرى الرابعة والخمسون لثورة العلم والمعرفة؛ ثورة السادس والعشرين من سبتمبر/ أيلول للعام 1962م.