"الرسوم التي تفرض علينا بين الوقت والآخر قلّلت من الأرباح التي اعتدت الحصول عليها نتيجة بيع الخضر والفاكهة، ما جعلني أترك العمل في مجال البيع في الشارع"، يقول البائع المتجول عبدالله الجعشني (27 عاماً).
ويضيف الجعشني الذي اضطر مؤخراً للبقاء في منزله بلاعمل، معتمداً على المساعدات: "أرهقتني الرسوم والمبالغ التي ألزمت بدفعها، في كل مكان أبحث عن رزقي، يأتي أشخاص ليطالبوني بالمال، في حين أن عملية البيع والشراء أصلاً ضعيفة، لم يكن أمامي غير التوقف عن العمل بانتظار الفرج".
ويعاني الباعة الجوالون وأصحاب البسطات في العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين، من جراء تزايد الجبايات التي فرضت عليهم في الآونة الأخيرة، ما دفع بعضهم إلى ترك العمل في هذه المهنة والبحث عن عمل آخر بعيداً عن الابتزاز المتواصل الذي يتعرضون له.
محمد الضبيبي تحدث عن الرسوم الإضافية التي تفرضها البلدية الخاضعة للحوثيين بين الحين والآخر على أصحاب البسطات والباعة الجوالين في أمانة العاصمة صنعاء، قائلاً: "هذا الوضع دفعني إلى ترك العمل على العربة التي أملكها".
وأشار إلى : "قرار ترك العمل كان صعباً للغاية بسبب قلة الفرص، كما أنني لا أجيد العمل في مهنة أخرى"، لافتاً إلى أنه يعمل اليوم مع أحد أقربائه في حمل الطوب والإسمنت والتشطيب.
ويضيف الضبيبي: "يتهموننا بإعاقة حركة السير وتشويه المنظر العام، ويجعلون من هذه المبررات وغيرها فرصة لجباية الأموال وقطع أرزاقنا"، مطالباً بإنشاء "أسواق كبيرة في كل منطقة في صنعاء تستوعب أصحاب البسطات والباعة الجوالين.
ويتابع: بعدها، يمكن أن يحاسبونا ويفرضوا غرامات محددة وموحدة على المخالفين. حتى ذلك الوقت، لا يحق لهم جباية الأموال لأنها تُعتبر سرقة"، واصفاً جمع الجبايات من أصحاب البسطات والباعة الجوالين بـ "السرقة التي قد تدفع فئة كبيرة نحو البطالة".
من جهته، يقول عبد الملك الريمي، وهو بائع جوال في منطقة الحصبة في مديرية الثورة، إن السلطات في صنعاء ـ الحوثيون ـ ضيقت الخناق عليه وعلى باقي الباعة الجوالين في أمانة العاصمة، وباتوا مطاردين من قبل الأمن والبلدية الذين يقومون بحملات شبه يومية لملاحقتهم ومصادرة بضاعة كل من يرفض دفع الإتاوات التي يفرضونها.
ويوضح : "أستيقظ في الصباح الباكر وأسير في الشوارع والأسواق تحت أشعة الشمس الحارقة بحثاً عن لقمة العيش الحلال، أعيش حالة من القلق نتيجة الخوف من إلقاء القبض عليّ من قبل البلدية وإجباري على دفع المال كغرامة".
ويدفع بعض أصحاب البسطات في الشوارع الرئيسية ما بين 10 آلاف و15 ألف ريال يمني (ما بين 20 و30 دولاراً أميركياً) لعناصر البلدية ـ حوثيون ـ في كل مرة يصادفونهم، خشية مصادرة بضائعهم بالقوة وفقدان مصدر دخلهم الوحيد.
ويشير إلى أن الكثير من الباعة الجوالين يرغبون في ترك مهنة البيع والشراء في الشوارع، إلا أن انعدام الأعمال البديلة في صنعاء يمنعهم.
ومع استمرار معاناة العاملين في القطاع الحكومي في صنعاء وباقي المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، من جراء انقطاع رواتبهم منذ أكثر من ثلاث سنوات، قرر البعض منهم العمل كباعة جوّالين ليستطيعوا الإنفاق على أسرهم، لكنهم فوجئوا بزيادة الجبايات والضرائب التي تثقل كواهلهم والتي جعلت أرباحهم قليلة.
من بين هؤلاء عبد الله الوصابي، وهو مدرس في إحدى المدارس الحكومية في صنعاء، يقول : " إنه عمل في عدد من المهن منذ انقطاع راتبه الحكومي في أواخر عام 2016، واستقر به الحال كبائع فاكهة جوال في شوارع صنعاء منذ أكثر من عام.
ويضيف: "أعمل طوال اليوم وما أجنيه بالكاد يكفي بدل إيجار منزلي وحاجيات أسرتي، على الرغم من ذلك، تلاحقنا السلطات ـ الحوثيون ـ التي ترغب في مقاسمتنا أرزاقنا القليلة من دون مراعاة الظروف التي نمر بها من جراء الحرب".
ويؤكد الوصابي أن "الأوضاع المعيشية للباعة الجوالين سيئة للغاية، فالقدرة الشرائية لدى الناس تراجعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بسبب الحرب، وبدلاً من مراعاة ظروف الفقراء، يتجاهلون معاناتنا ويفرضون علينا أموالاً بين الوقت والآخر، ومن يرفض تصادر بضاعته أو يسجن".
من جهته، يقول أحد العاملين في مكتب الأشغال العامة والطرقات في صنعاء فارس الصبري، إن البلدية أخطرت أصحاب البسطات والباعة الجوالين المخالفين مراراً بضرورة تغيير أماكن بيعهم لأنهم يعيقون حركة السير، غير أن معظمهم "يتجاهلون تلك الإخطارات. لذلك، يتم فرض بعض الغرامات عليهم".
ويضيف: "بعض أصحاب البسطات والباعة الجوالين يرفضون الخضوع للقوانين ما يدفع عناصر البلدية إلى إزالتها من الطرقات بالقوة لكي لا تُعيق حركة السير".
إلى ذلك، يؤكد مصدر في أمانة العاصمة الخاضعة للحوثيين، أن العاملين في أمانة العاصمة والمعنيين بمتابعة الباعة الجوالين وأصحاب البسطات بلا رواتب منذ سنوات، "ما يجعلهم يأخذون أموالاً من المتاجر والباعة الجوالين بشكل مستمر".
ويقول المصدر الذي اشترط عدم ذكر اسمه: "لا يمكن أن يصمد العاملون عندنا بلا رواتب، لذلك، يلجأون إلى أخذ أموال من التجار الصغار بحكم صلاحياتهم كونهم يتحكمون بعملية إصدار تصريحات لأصحاب هذه الأعمال".
ويشير إلى أن عودة صرف الرواتب بشكل كامل ومنتظم ستساهم في الحد من أخذ الجبايات من التجار والباعة الجوالين".
ولا يتقاضى أكثر من مليون موظف حكومي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم منذ توقفها في سبتمبر/ أيلول عام 2016.
ويعتمد سكان اليمن على المساعدات الإغاثية التي تقدمها المنظّمات الدولية العاملة في المجال الإنساني منذ بدء الحرب في مارس/ آذار عام 2015، بحسب الأمم المتحدة، وتشير إلى أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المائة من سكانه (24 مليون شخص) إلى المساعدات الإغاثية العاجلة.
العربي الجديد