توشك «عاصفة الحزم» في اليمن أن تحقق أهدافها بعودة الشرعية لقيادة زمام السلطة كاملةً في اليمن، وقد كان للجهود العسكرية الجبارة اليد الطولى في التمهيد لحل سياسي ينهي المشهد ويكتب نهاية الحرب. وكحرب نموذجية تمّ العمل بالتزامن على بعدين: عاصفة الحزم في القوة العسكرية الضاربة التي أعادت التوازن للبلاد، وإعادة الأمل كجهد إغاثي وإنساني راقٍ يقدم بكثافة للشعب اليمني الذي عانى ويلات الحرب، وسيكون أمام التحالف العربي ودول الخليج تحديداً مهمةٌ كبرى بعد كتابة نهاية الحرب وذلك بمشروع كبير لإنقاذ مستقبل الدولة اليمنية ووضعها على قضبان قطار الحضارة. ظلت اليمن زمناً طويلاً ملجأً لعناصر وقيادات التنظيمات الإرهابية، وكان بن لادن يهيئ أتباعه في اليمن للانتقال إليها بعد أفغانستان، وكان يوليها اهتماماً خاصاً، وفي حرب 1994 كان بعض عناصر "القاعدة" يقاتلون صفاً واحداً مع قوات الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، ومنح صالح بعضهم رتباً عسكريةً عليا. وظلت اليمن مركزاً إرهابياً معروفاً، يتم فيها التجنيد والتدريب والتخطيط، وكان أنور العولقي أحد أشهر الشخصيات المطلوبة دولياً، وانطلقت من اليمن عمليات قضّت مضاجع العالم، من أشهرها محاولة اغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي آنذاك الأمير محمد بن نايف في جدة، وأحداث عملية «فور بوينت» في الولايات المتحدة الأميركية. نجحت السعودية في حربها ضد تنظيم «القاعدة» على قمع التنظيم وتفكيكه وطرده خارج البلاد مضطراً، فكانت اليمن ملجأً للعديد من قياداته وعناصره، ووجد التنظيم في شمال الجنوب اليمني مكاناً مناسباً للسيطرة والانتشار. قلقت أجهزة المخابرات الدولية والغربية تحديداً مما يجري في اليمن، وكانت بريطانيا الأكثر قلقاً حيث كان مواطنوها من الأصول الباكستانية يتجهون لباكستان ومن بعدها لليمن لمدة عام أو عامين وكانت تتساءل ماذا يصنعون هناك؟ وكان الجواب واضحاً، إنهم يذهبون لـ«القاعدة»، أو لشركائها هناك. وافق علي عبدالله صالح على الضربات الأميركية لمقرات تنظيم «القاعدة» في شمال الجنوب اليمني بطائرات دون طيار مرغماً، ولكنه لم يتخل عن «القاعدة» كلياً، فهو كان يستخدمها كأداةٍ لاستقطاب الدعم المادي، وكذلك لمساومة ومشاغبة القوى الإقليمية والدولية على عادته في إدارة المؤامرات الصغيرة في القضايا الكبرى. تنظيم «القاعدة» لم يزل حاضراً بقوة في اليمن، وإن دخل على الخط تنظيم «داعش»، وهما تنظيمان لم يزالا نشيطين في اليمن، ومن هنا فإن إحدى أهم المهام التي ستقع على عاتق التحالف العربي ودول الخليج في مقدمتها هو مواجهة هذه التنظيمات الإرهابية الصريحة وضربها في مواقع انتشارها وتحديداً في شمال الجنوب اليمني. معلومٌ أن التنظيمين «القاعدي» و«الداعشي» تسابقا في الفترة الماضية في تنفيذ العمليات الإرهابية حول العالم، وكان لليمن نصيب من ذلك التنافس، فهما يجدان دعماً قوياً من القوات الموالية لمصلحة لنشر الفوضى والخراب في المناطق المحررة من اليمن، وحتى يتم بناء أسس متينة لاستقرار الدولة اليمنية مستقبلاً، فلا بد من مواجهة الخطر الإرهابي بشكل مباشرٍ. تشكل اليمن عمقاً استراتيجياً مهماً للسعودية ودول الخليج، وأي وجودٍ لتنظيمات إرهابية هناك سيفشل الخطة الكبرى لإنقاذ اليمن، وسيجعل منها مصدراً للإرهاب داخل دول الخليج كافة، خاصة مع استحضار العلاقات الوثيقة التي تربط تنظيم «القاعدة» بإيران، تلك التي ترعى بوعي وتصميم جماعات الإرهاب السُنية والشيعية، وهي لن تدخر وسعاً في دعم هذه التنظيمات ما استطاعت لذلك سبيلاً. تم إخراج المشروع التوسعي الإيراني في اليمن من الباب الواسع، وخسرت ميليشياته «الحوثية» وحليفها «صالح»، ولكنها يمكن أن تعود من نافذة تنظيم «القاعدة» و«داعش». أخيراً، لن تجد اليمن سبيلاً للخلاص ما دامت تنظيمات الإرهاب تجد فيها مقراً آمناً ومرتعاً خصباً.