"صمدت أمام كل المغريات وهزمتني الأشياء الصغيرة كالإيجار والأرز والبطاط"، هكذا يلخص الفنان التشكيلي شهاب المقرمي، بمنشور بصفحته على "فيسبوك، معاناته مع الحياة والمعيشة في ظل الحرب التي تعيشها البلاد، وخلال حوار قصير مع "يمن شباب نت" تحدث عن ذلك بوضوح.
وبرز اسم "المقرمي" في عالم رسم الوجوه منذ أن بدأ في رحلته الفنية، حيث استطاع خلال السنوات الطويلة الوصول لمكانه مميزة في ساحة الفن التشكيلي، ووضع بمشاركاته الفنية بصمة في معظم المعارض الفنية اليمنية، وكون إرشيف كبير من الوجوه في لوحته الشهيرة بـ "الذاكرة الشهابية" وكتابة "وجوه رصاصية".
وعلى امتداد سنوات الحرب عصفت بالمواطنين ظروف القاسية كان لها انعكاسات سلبية كبيرة على معيشتهم وأستطاع البعض مواجهتها، غير انها تهزم الفنان "المقرمي" احياناً وهو يحاول العيش بكرامة في زمن لا أحد يكترث للفن والإبداع، ويحاول تخطّى هذه العقبة بالرغم من أنها بالكاد توفر له متطلباته اليومية.
معاناة معيشية
صمدت أمام كل المغريات وهزمتني الأشياء الصغيرة كـ "الأرز" و"البطاط" و "الايجار". بهذه الكلمات أراد الفنان التشكيلي "شهاب المقرمي" أن يختصر بها الوقع الأليم الذي يعاني منه في زمن الاستقطاب والمغريات، والحرب التي تحولت إلى تجارة رابحة لأولئك الذين لا يهمهم أمر أحد من مواطنيهم.
وأراد أن يقول "المقرمي" لأصدقائه على الفيسبوك كيف أثقلت الحرب على كاهل الإنسان اليمني وجعلته غير قادر على توفير أبسط مقومات الحياة على الرغم من الكفاح والمشقة وبذل أقصى الجهود في سبيل ذلك، وكيف يعاني هو أيضاً، وهو الفنان الذي يعرفه الجميع.
وقال المقرمي "بأن الحرب أكلت الأخضر واليابس، أن تكاليفها باهظة، فهي تمس حياة الناس في كل بيت، بالإضافة الى انقطاع المرتبات وغلاء الأسعار، وانقطاع الخدمات مثل الكهرباء وغيرها".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت" أن تلك المعوقات تؤدي الى حالة من القلق والخوف والضيق والمشاكل الاسرية وأنا من جملة الناس وربما تأثير الحرب علي شخصيا اشد خصوصا وأن أسعار مواد الرسم والالوان ارتفعت كثيرا بل وتضاعفت عدة مرات وبعضها انعدم تماما.
وبالعودة لمنشور "المقرمي" أكد لـ "يمن شباب نت" قائلا: "بالفعل هزمتني أبسط الاشياء كاحتياجات المطبخ من بطاطا وارز وغيرها من الخدمات الأساسية، بعدما صمدت امام أعتى التحديات والمغريات ولكن لا أحد يهتم او يسمع لما نعانيه".
وقال: "ذات مرة اضطررت لبيع بورتريه للبردوني كي أدفع الايجار قبل أن أجد نفسي والاولاد في الشارع".
بيع الرسومات
بعد سنوات الحرب المدمرة والتي بدورها تسببت بتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشة للمواطنين بالإضافة انعدام فرص العمل وانقطاع الرواتب أصبح الرسومات الفنية والفن التشكيلي المصدر الوحيد للفنان "المقرمي" في الحصول على المال لمواجهة متطلبات الحياة وتوفير لقمة العيش.
وكان الفنان التشكيلي "شهاب المقرمي" يعمل مخرجاً ورسام كاريكاتير ووجوه في "صحيفة السياسية" الصادرة عن وكالة "سبأ" للأنباء في العاصمة اليمنية صنعاء.
يقول المقرمي: "أنه ومنذ انقطاع الراتب اعتمد على الرسم كمصدر وحيد للدخل، وخاصة في وسائل التواصل الاجتماعي كالفيسبوك وتويتر.. وكانت الامور بالكاد تغطي مصاريف البيت والأولاد".
ويضيف: "وخلال الفترة الاخيرة ازدادت الامور سوءا لكل الناس في الداخل والخارج، وبالتالي قلت طلبات الرسم".
وتابع بالقول: "أن الحرب كانت لها انعكاسات سلبية علينا وهناك شح في طلبات الرسم وذلك بسبب الوضع الاقتصادي المتردي للناس وأن الغالبية من الناس يحجمون عن اقتناء لوحة لشراء كيس قمح وهذا هو الوضع الذي اعانيه شخصيا".
الرسم للأجيال القادمة
يضيف الفن التشكيلي والرسم جوا من الفرح والبهجة خصوصا وأنه يأتي في زمن الحرب التي سرقت من الإنسان اليمني بهجته وحياته الكريمة ومن خلال الفن التشكيلي يسعى "المقرمي" إيصال رسالته الفنية بالريشة واللون التي من خلالها يعبر عن حبه للوطن عبر رسم شخصيات وطنية وفنانين وشعراء ومن لهم بصمة في الحياة.
وخلال مسيرته في توثيق الوجوه صنع "المقرمي" أرشيف كبير للوجوه اليمنية البارزة في التأريخ اليمني القديم والمعاصر، والذي من المفترض أن يكون مشروع ثقافي تتبناه الدولة، ولم يكتفي برسم الوجوه المحلية بل تعدى ذلك لصناعة لوحة عظيمة مكونة من 300 وجه، تضم الاخيار والأشرار من كل مشاهير العالم.
وقال المقرمي: "أن الفن التشكيلي هو واحدا من اهم سمات المدنية الحديثة والحياة المعاصرة وبيت فيه لوحة معناه انحياز لقيم الجمال والرقة وانحسار للجلافة والشراسة بل وللتطرف والجمود".
ويعتقد بأن ما يقوم به يعد تخليد لرموز البلد من شعراء وكتاب ومؤرخين وفنانين، عبر رسم بورترياتهم، هو عمل مهم وللتأريخ وقال: ان لم يهتم بذلك مسؤولو اليوم فان الاجيال القادمة ستهتم بذلك بالتأكيد".
الحرب والمستقبل
يتطلع الفنان التشكيلي شهاب المقرمي إلى مستقبل أفضل وحياة أكثر آمنا واستقرار على أمل بأن القادم أفضل وأن يستطيع إنجاز العديد من المشاريع الفنية التي يحلم بها.
وقال: "أن المشاريع كثيرة ولكن بسبب ضيق ذات اليد التي تجبرني على صرف النظر عنها. وربما في المستقبل تتحسن الأحوال ونقدم على إقامة الأنشطة والمعارض الفنية".
وأضاف في حديث لـ"يمن شباب نت" بأنه بصدد التحضيرات، وإن كانت ببطء وعلى حسب الامكانات المادية الشحيحة، اجهز مجموعة من اللوحات لإقامة معارض فنية خاصة بكل من الشاعر الكبير عبدالله البردوني، وفنان اليمن الكبير أيوب طارش.
لكنه يرى ذلك مُكلف حالياً، بسبب تأثير الحرب على "الفن التشكيلي" والفنون بشكل عام، وقال: "أن الفنون التشكيلية تتأثر بما يدور في مجتمعاتها كالحروب مثلا".
ويضيف بالقول: "بأن الفنون قد تنشط أحيانا بدافع دعم الفنانين المتحمسين لنصرة من يمثلونهم باي دافع كان، فتكثر اللوحات المحرضة للاستبسال والصمود والدعم وقد يصل لدرجة تسويغ الانتقام" في المقابل يرى "انه وي نفس الوقت تنشط تيارات اخرى من الفنانين مناهضين للحروب".