أصيب عشرات آلاف الأطفال في قطاع غزة بأمراض جلدية مختلفة، نتيجة انتشار النفايات والحرمان من وسائل النظافة بالتزامن مع سوء التغذية.
بات التعافي من الأمراض الجلدية مثل الجدري المائي والجرب صعب المنال في قطاع غزة، في ظل ظروف النزوح المتكرر الكارثية، ونقص الغذاء، وعدم توفر إمكانات الرعاية الصحية اللازمة للصغار والكبار.
ومنذ بداية العدوان الإسرائيلي، سجّلت وزارة الصحة في غزة ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" إصابة نحو 97 ألف شخص بداء الجرب، وإصابة 9274 آخرين بالجدري المائي الذي يُسبّب الطفح الجلدي والحكة، وكان الأطفال أكثر من نصف عدد المصابين بالمرضين، بسبب استمرار الاختلاط ووجود النازحين في خيام مكتظة وسط انعدام أدنى وسائل الحماية، وتعرض الكثير منهم لتشوهات في أجسادهم نتيجة عدم توفر العلاج.
تعيش سامية حجو أوقاتاً عصيبة منذ انتشر الجرب بين أطفالها خلال الشهرين الأخيرين، عقب نزوحها من مدينة رفح باتجاه منطقة المواصي، ونجلها الأصغر بهاء الدين (ثماني سنوات) لم يتعاف بعد، ويحكّ جسده حتى تسيل منه الدماء، وهي تحاول عزله عن بقية الأطفال، لكنها تجد صعوبة كبيرة في ذلك بسبب ضيق المساحة.
نصحت طبيبة في عيادة تابعة لوكالة "أونروا" حجو بنقع الملابس في المياه الساخنة قبل غسلها، لكنها واجهت صعوبة شديدة في تنفيذ ذلك، إذ لم تعثر على حطب لإشعال النار، كما أن الحصول على الغاز يتطلب الوقوف في طابور طويل، وزوجها لا يملك المال، لأنه عاطل عن العمل منذ بداية العدوان، وقد اكتفت بوضع مرهم ملطف على جسد طفلها، لكنه غير كاف لتهدئة الالتهابات، ولا يصلح لعلاج المرض.
إصابة نحو 97 ألف شخص في غزة بداء الجرب و9274 بالجدري المائي
الطفل بهاء الدين حجو واحد من بين عشرات الأطفال المصابين في منطقة المواصي التي تظهر في خيامها أمراض كثيرة، إذ لا إمكانية لمنع الاختلاط بين الصغار، ولا حتى كبار السن أو أصحاب الأمراض المزمنة، مثل السرطان والكبد الوبائي.
تقول سامية حجو لـ"العربي الجديد": "أصابتنا أمراض عدة منذ بداية الحرب، من بينها الأنفلونزا والأمراض الجلدية، وأطفالي يعانون من صدمات نفسية كونهم نجوا من عدة مجازر إسرائيلية، فضلاً عن نزوحنا المتكرر. الجرب منتشر بشكل كبير، وبعض كبار السن يتغاضون عن إصابتهم حتى لا ينزعج أحفادهم وأبناؤهم. احتاج أطفالي وقتاً طويلاً للتعافي من الجرب، ولا يزال بهاء الدين يعاني بشدة للأسبوع الثالث، والمشكلة أننا جميعاً نعيش في خيام تشبه الأفران، وأجساد الأطفال تتعرق، ولا تتوفر لدينا المياه لتنظيف أجسادهم، وإن توفرت فإنها تكون مياهاً غير نظيفة".
وانتشر الجدري بشكل سريع بين الأطفال في مناطق النزوح، خصوصاً بين الأطفال دون السنتين، رغم أن بعضهم تلقّى لقاحاً في وقت سابق. من بين المصابين الرضيع محمد عبد الخالق (8 شهور)، وما زال يعاني رغم مراجعة الطبيب مرات عدة.
ولد محمد في منزل جده بمدينة غزة، لكن المنزل تعرض لتدمير كلي لاحقاً، ويوضح والده عبد الخالق ماجد أنه رغم حرصه الشديد على صحة طفله إلا أنه في كثير من الأوقات لا يستطيع السيطرة على الاختلاط في خيمة النزوح، أو منع الأطفال من ملامسته خلال اللعب معه، كما فشلت محاولاته في عزل ابنه بعدما تأكد من وجود أطفال مصابين بالجدري في الخيام القريبة بالمنطقة المطلة على قرية الزوايدة غرب مدينة دير البلح في وسط القطاع.
يقول عبد الخالق لـ"العربي الجديد": "رفضت النزوح في بداية الحرب، ودفعتني زوجتي للنزوح بعد ولادتها، وخلال رحلة النزوح كنت أحمل طفلي، وعلى الحاجز العسكري تعرضت للتحقيق. الجدري والجرب منتشران في كل الخيام، وقد أصابني الجرب عندما كنا في مدينة غزة، وحينها كنت أخجل من الاعتراف بأني (جربان)، لكني وجدت الجميع مصابين. تلقى طفلي مراهم ضعيفة المفعول، واحتاج علاجاً على مدار أسابيع، وقد بدأ يتعافى، وهو لا يستطيع التعبير عن آلامه، وأتمنى أن تنتهي الحرب سريعاً من أجل أطفال غزة، فمنهم من بترت ساقه أو يده، والكثير منهم أصيبوا بالأمراض رغم أنهم لم يروا شيئاً من الحياة. عمري 35 سنة، ورأيت الحلو والمرّ في حياتي، لكنهم لم يروا سوى المرّ".
تعمل الطبيبة العامة داليا عبد النبي مع منظمة صحية لعلاج الأطفال، وتشير إلى أن الجرب وجدري الماء منتشران بكثرة، خاصة وسط الأطفال، وفي بداية العدوان كانت تتصدر أعراض الإسهال، لكن لاحقاً انتشرت أمراض متعددة تحتاج لتحاليل مخبرية ومتابعة، لكن ضعف الإمكانات لا يسمح بذلك، والعلاج بطيء لأسباب متعلقة بتوقف الدعم وبطء الاستجابة، والظروف المعيشة الصعبة في الخيام.
تضيف عبد النبي لـ"العربي الجديد": "لا تتوفر مقومات لمواجهة الجرب، وكان الناس يتعاملون معه بغسل الملابس بالمياه الساخنة، فهو مرض جلدي يسبب حكة تنتج عن حشرة صغيرة تسمى (القارمة الجَرَبية)، وانتشاره السريع يجعل الغزيين يعيشون ضغوطاً نفسية حادة. الجرب منتشر بين الكبار والصغار، وسبق أن حذرنا من ذلك عدة مرات، والاستجابة الطبية ضعيفة، والأدوية المتوفرة لا تكفي، ومفعولها ضعيف، وبعض المصابين يشكون من ضعف فاعلية العلاج، كما أن نقص العناصر الغذائية المتوفرة يسهم في تأخر الشفاء".
ويؤكد طبيب الأطفال محمد درويش أن أطفال النازحين يعيشون في ما يشبه السجن الكبير، ويأكلون أي شيء متوفر، ولا يملكون أدنى وسائل التنظيف، وكل ذلك يساعد على انتشار الأمراض في أجسادهم الضعيفة التي تعدّ ناقلاً سريعاً للأمراض، ويبين أن محاولات المنظمات الدولية لإدخال علاجات الأطفال تقتصر على أنواع محدودة من اللقاحات والأدوية قليلة المفعول في ظل التحكم الإسرائيلي بمنافذ القطاع.
مستشفيات غزّة: إيقاف العمل في عدة أقسام بسبب أزمة الوقود
يضيف درويش لـ"العربي الجديد": "أطفال غزة يواجهون الموت، في ظل انتشار أمراض تؤثر على نموهم ومستقبلهم بشكل أكيد، وأتوقع انتشار مزيد من الأمراض، لأن العلاج مرتهن باتفاق سياسي، وطالما يستمر النزوح سيتواصل الخطر، وهناك موت حتمي يلاحق كثيرين، خصوصاً الأطفال، وأحياناً لا يتمكن الأطباء من توفير الرعاية لبعض المرضى لأنهم أيضاً معرضون للأمراض المعدية، ولا يملكون أية وسائل لوقايتهم من العدوى".
وحذرت منظمة الصحة العالمية من انتشار كثير من الأمراض في مخيمات النازحين بقطاع غزة، مؤكدة أنها سجلت 485 ألف إصابة بالإسهال، بما في ذلك أكثر من 113 ألف إصابة بين الأطفال دون سن الخامسة، ما يجعل الإسهال وسوء التغذية مزيجاً قاتلاً، مشيرة إلى أن أطفال غزة يعيشون في بيئة شديدة الخطورة وسط انعدام الغذاء والدواء والأمان.
العربي الجديد