يحلّ عيد الأضحى على قطاع غزة وسط مأساة أكبر، خصوصاً بعد العملية العسكرية في رفح وتهجير أكثر من مليون غزي، ما حرم الأهالي الحد الأدنى من البهجة.
يستقبل الغزيون عيد الأضحى كما استقبلوا عيد الفطر الذي حلّ عليهم في إبريل/ نيسان الماضي. إنها حالة الحزن نفسها، هم الذين يستمرون في توديع ودفن شهدائهم وسط حنين إلى الأعياد السابقة، حين كانوا قادرين على الفرح رغم الحصار والحروب المتكررة. ويبدو أن عيد الأضحى هذا العام يأتي وسط ظروف أشد قسوة بالمقارنة مع عيد الفطر، في ظل زيادة نسبة التهجير والجوع والعطش.
خلال عيد الفطر الماضي، كان الغزيون يترقبون الأخبار التي كانت تشير إلى وجود ضغوط دولية للتوصل إلى هدنة، الأمر الذي لم يتحقق. وحل العيدان وسط استمرار القصف الإسرائيلي. وانسحب الحال على الأيام الماضية في ظل الحديث عن استمرار المفاوضات، لكن هذه المرة لم يكن لديهم أمل في توقف العدوان قبل عيد الأضحى.
ويوم عرفة، حرص البعض على تشغيل التلفزيون والاستماع إلى الأدعية، ومنهم من اختار الصيام تماشياً مع السنة النبوية في العشر الأوائل في شهر ذي الحجة، على الرغم من الجوع والعطش ونقص المساعدات الغذائية. عمدت مريم حمدان (40 عاماً) إلى متابعة مناسك الحج عبر هاتفها، وتعرب عن حسرة كبيرة كونها المرة الأولى التي لن تقوم فيها بإعداد كعك العيد، أو المشاركة في ذبح الأضاحي مع عائلتها في بلدة بيت حانون شمال شرقي قطاع غزة، التي هجّروا منها. وتشير إلى أنها منذ طفولتها وحتى عيد الفطر الماضي، لم تتوقف يوماً عن إعداد الكعك.
خلال عيد الفطر الماضي، أعدّت حمدان وعشرات النساء داخل مدرسة في مدينة رفح كعك العيد عندما جمع مبادرون الدقيق والسميد والعجوة وغيرها من لوازم الكعك، الذي وزع على الأطفال والعائلات. ولا تزال تتذكر جيداً تلك اللحظات التي كان الجميع فيها يتابعون الأخبار على هواتفهم أو يستمعون إلى الراديو أملاً في تحقق الهدنة خلال أيام العيد. لكن النساء تابعن إعداد الكعك وتوزيعه رغم الخذلان. إلا أن الخذلان هذه المرة أكبر، إذ إن المفاوضات لم تحقق شيئاً ملموساً ولا يزال العدوان مستمراً.
وعقب التهجير من مدينة رفح إلى منطقة المواصي غرب مدينة خانيونس، بعد أكثر من شهر على بدء العمليات العسكرية فيها، أضاعت حمدان ثياب العيد التي كانت قد جهزتها لأطفالها. كانت قد اشترت فستاناً أحمر لطفلتها الصغرى نادين. شعرت بحسرة كبيرة بعد فقدان الفستان الأحمر، حتى إن حزنها فاق ما خسرته من أغراض جراء العدوان. وتذكر أن هذا الفستان كانت قد ارتدته طفلتها في عيد الفطر الماضي.
هذا العيد، لن يرتدي أطفال حمدان ثياب العيد، حالهم حال الكثير من الأطفال. تقول إن العيد الحالي لا يعني لهم شيئاً. تتابع بحسرة مناسك الحج واكتفاء الحجاج بالدعاء للغزيين والترحم على الشهداء، في الوقت الذي فشلت فيه الدول العربية والأجنبية في إيقاف الاحتلال الاسرائيلي عن الاستمرار في عدوانه على القطاع. وهذا لسان حال الكثير من المهجرين في منطقة المواصي.
تقول حمدان لـ "العربي الجديد": "يحل العيد بعدما تأكدنا من تدمير منزلنا ومنزل أعمامي ووالد زوجي وغيرها من المنازل في بلدة بيت حانون. ننتظر الموت أو الانفراجة، لكننا لا نعلم مصيرنا بعد الحرب. لذلك، لا قيمة للعيد في الوقت الحالي. منذ كنت طفلة، كانت جدتي تقول إن المسلم يشعر بالمسلم ولا يمكن أن يفرح إلا في فرح أخيه المسلم. لكن هذا ليس حقيقياً لأننا رأينا عكس ذلك". تضيف: "خلال السنوات التي سبقت العدوان الحالي، كنا نعيش ظروفاً اقتصادية صعبة في بعض الأحيان. لكننا كنا نحاول إسعاد أطفالنا بأي ثمن. في بعض الأشهر، كنا نضطر للاستدانة لشراء ملابس العيد للأطفال. لكن هذا العيد، نحكي لأطفالنا عن تمنيات بظروف أفضل خلال العيد المقبل، على أمل أن تكون الظروف قد تحسنت".
يحل عيد الأضحى وقد تجاوز عدد شهداء جراء العدوان الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي وحتى منتصف يونيو/ حزيران الجاري أكثر من 37 ألفاً، وأكثر من 85 ألف جريح، بحسب وزارة الصحة في غزة، علماً أن عدد الشهداء قبل عيد الفطر في العاشر من إبريل/ نيسان الماضي كان حوالي 33 ألف شهيد، ما يعني مقتل حوالي 5000 غزي بين العيدين. وقالت الوزارة في بيان إن 30 شخصاً على الأقل قتلوا في الساعات الأربع والعشرين الماضية، مشيرة إلى أن إجمالي عدد المصابين في الحرب بلغ 85197 إصابة منذ السابع من أكتوبر الماضي.
حلول العيد من دون حرب والعودة إلى الحياة الطبيعية أضحى مجرد حلم لا يبدو أنه سيتحقق قريباً. يقول الكثير من الغزيين إنهم يتمنّون العودة إلى ما قبل السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، على الرغم من أن قطاع غزة كان يعيش تحت حصار إسرائيلي اشتد خلال الأيام الأخيرة التي سبقت العدوان، وقد منع الاحتلال بضائع كثيرة من دخول القطاع.
أمل في المستقبل
تمكن عدد قليل من الأمهات والآباء من حمل ملابس أطفالهم خلال التهجير. وكانوا يتمسكون بها، وخصوصاً خلال التهجير الأخير من مدينة رفح، حتى يرتديها أطفالهم في العيد. فيما قرر آخرون أن يُلبسوا أطفالهم ثياب العيد قبل حلوله، خوفاً من إضاعتها خلال الانتقال من مكان إلى آخر. ويزيد الحرص لدى العائلات التي لديها أبناء من الأشخاص ذوي الإعاقة أو المرضى أو الجرحى، وذلك رغبة في إدخال الفرحة إلى قلوبهم وسط المعاناة الكبيرة، وهذا حال أحمد كحيل (36 عاماً). في المقابل، رفض آخرون الأمر حتى لا يحصل تمييز بين أطفالهم، على غرار شقيق كحيل.
يقول كحيل لـ"العربي الجديد": "أصيب طفلي في ديسمبر/ كانون الأول العام الماضي، وهو يبلغ من العمر خمس سنوات. لا يعرف معنى الفرح ولا يزال يعالج جراء التشوّهات في ساقه. لذلك، فإن الفرحة بالنسبة إليه منقوصة، وخصوصاً أنه يعاني صعوبة من الحركة بسبب إصابته". يتابع: "أريد فقط أن ينعم بالقليل من السعادة بحلول العيد وبأي ثمن. أريد أن أزرع لديه الأمل بأن المستقبل سيكون أفضل. خسرت والدتي واثنين من أعمامي وأبناء عمي. ولحسن حظي، فإن ابني لا يزال على قيد الحياة".
أمنية أهالي غزة في عيد الأضحى... توقف الحرب
من جهته، يقول شقيقه الأكبر محمد كحيل (42 عاماً)، لـ "العربي الجديد": "لا قيمة للعيد. لا أريد أن يغار أطفالي الأربعة من بعضهم البعض. لدي أربعة أبناء، اثنان منهم مراهقان، بالإضافة إلى فتاتين. لن يرتدوا ملابس جميلة، علماً أنهم يمتلكونها. بعض الأطفال يشترون ملابس العيد، فيما يعجز آخرون عن تأمينها. أحاول البقاء في الخيمة وسرد الحكايات لأطفالي بدلاً من الخروج منها". يضيف: "الأصعب أننا نقف أمام أطفال يريدون أن يفرحوا. في الوقت نفسه، لا يملكون الملابس والطعام والسكاكر وكعك العيد. حتى إن الكثير من الأطفال خسروا آباءهم وأمهاتهم خلال محاولتهم تأمين الطعام والشراب لهم. هذا العيد جعلنا أكثر قسوة على أنفسنا، وها نحن نحرم أطفالنا من الفرح حفاظاً على مشاعر أطفال آخرين".
ويحاول عدد من الناشطين الشباب إطلاق مبادرات ونشاطات ومسابقات ترفيهية في أيام العيد الأربعة من أجل الأطفال. وتقول بيسان الحايك إنها وفريقاً من المبادرين الاجتماعيين حصلوا على بعض الألعاب من المتاجر التي دمرت، لا بل أخرجوها من تحت الركام، حتى يشاركوها مع الأطفال في ألعاب جماعية. ويلاحظ هؤلاء أن غالبية الأطفال لن يرتدوا أية أزياء جديدة أو مرتبة.
وتقول الحايك لـ "العربي الجديد": "لاحظنا أن الكثير من الأطفال يرتدون ملابس مهترئة. حرصنا على إقامة بعض الألعاب وسرد حكايات تهدف إلى التخفيف من التمييز بين الأطفال. كما أن هناك ألعاباً جماعية تعتمد على النشاط الذهني والجسدي والتفكير والحسابات، حتى يكون هناك تكافؤ بالتفكير والتحليل والنشاط الجسدي، وهكذا نحاول أن نساوي في ما بينهم".
العربي الجديد