أعلن عن استشهاد جندي مصري ثانٍ متأثراً بجراحه، اليوم الثلاثاء، جرّاء الاعتداء الإسرائيلي على الجيش المصري في المنطقة الحدودية برفح جنوب غزة، أمس الاثنين. وهو إسلام إبراهيم عبد الرازق (22 عاماً)، ومسقط رأسه عزبة جاب الله التابعة لمركز سنورس في محافظة الفيوم.
وأبلغت أسرته أنه توفي متأثّراً بجراحه خلال الاشتباكات التي وقعت بين جيش الاحتلال والجيش المصري، بالقرب من معبر رفح الحدودي مع قطاع غزّة.
وعلمت أسرة إسلام بنبأ استشهاده في الساعة الثامنة من صباح اليوم، إذ تلقت اتصالاً رسمياً من ضابط في الكتيبة التي يخدم بها بمحافظة شمال سيناء، وطلب من الأسرة الذهاب إلى مدينة الإسماعيلية لاستلام الجثمان.
وإسلام حاصل على مؤهل متوسط (دبلوم صناعة)، وكان يعمل في مطعم قبل التحاقه للخدمة في الجيش، في ديسمبر/ كانون الأول 2022. وكان من المفترض أن ينهي فترة تجنيده بعد ستة أشهر. وخدم في سلاح المشاة بكتيبة تابعة للجيش الثاني الميداني، ومقرّها محافظة الإسماعيلية. ثم خدم في قطاع الشيخ زويد مع بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وانتقل بعدها للخدمة في رفح.
تشييع جثمان المجنّد عبد الله رمضان
وشيع المئات اليوم الثلاثاء من أهالي محافظة الفيوم جثمان المجنّد عبد الله رمضان عشري (22 عاماً) إلى مثواه الأخير، في مسقط رأسه بقرية العجميين التابعة لمركز أبشواي، والذي استشهد على الشريط الحدودي بمنطقة رفح، شمالي سيناء.
ولم يحضر الجنازة سوى ضابط واحد في الجيش برتبة رائد، ولواء شرطة من مديرية أمن الفيوم. وأقيمت الجنازة بمراسم عادية، وليست عسكرية، في حضور أبناء القرية، الذين رددوا هتافات منها: "لا إله إلا الله الشهيد حبيب الله".
وحسب روايات شهود عيان، فإن عبد الله هو أكبر أشقائه سناً، وكان يستعد للزواج عقب إنهاء خدمته العسكرية في سبتمبر/ أيلول 2024.
ونشر عديدون من أهالي قرية الجندي صوراً وفيديوهات لجنازته الذي شهدت حضوراً حاشداً، من أهالي القرية، رغم بساطة الجنازة، وسط هتافات "لا إله إلا الله… الشهيد حبيب الله".
وبحسب معلومات حصل عليها "العربي الجديد" فإن الشهيد عبد الله رمضان عشري قطب حجّي (22 عاماً) من مواليد قرية العجميين، بمركز أبشواي، في محافظة الفيوم، كان يخدم في سرية "نمر" التابعة لقوات حرس الحدود المصرية، والمكلفة بتأمين معبر رفح البري.
وحسب أقرباء له، كان عبدالله متديناً ومحبوباً من الجميع، وكان دائم الحديث عن ما يجري في قطاع غزّة، متعاطفاً مع الشعب الفلسطيني، وناقماً على ما يتعرّض له من جرائم على يد قوات الاحتلال الإسرائيلية.
وكان آخر ما كتبه الشهيد عبد الله رمضان، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن غزّة، في السابع من فبراير/ شباط الماضي: "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع، وإنا لعلى كربك يا غزّة لمحزونون… غزّة في كرب والعالم أصم أبكم أعمى عاقر عن إنجاب الرجولة… الصمت سيد التعبير عن العجز".
وكتب عبد الله في منشور آخر في اليوم ذاته يقول: "يا رب هدوء تام في غزة".
وكان المتحدث العسكري المصري قد أعلن أمس الاثنين، استشهاد أحد العناصر المكلفة بتأمين المنطقة الحدودية في رفح بعد حادث إطلاق نار، لافتا إلى أن التحقيق جار في الحادث.
يذكر أن كتيبة عبد الله وإسلام كانت مسؤولة عن التأمين الداخلي للسور العازل مع قطاع غزة، على بعد مائة متر من الحدود المصرية الفلسطينية.
ووسط صمت رسمي مصري، ذكرت هيئة البثّ الإسرائيلية أن القاهرة وتل أبيب لا تريدان تحويل حادثة إطلاق النار على الجنود المصريين إلى أزمة استراتيجية بين البلدين، في ظل محاولات التوصل إلى حل بشأن إعادة فتح معبر رفح.
العلاقة بين مصر وإسرائيل
تاليا بعض الأسئلة، والإجابات المتعلقة بطبيعة ومستقبل العلاقات بينهما، والإطار الذي يحكم تلك العلاقات.
ما مدى عمق العلاقات؟
بعد أن خاضت مصر حروبا ضد إسرائيل في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 أصبحت أول دولة عربية توقع معاهدة سلام وتقيم علاقات معها في عام 1979.
وأثمرت المعاهدة ما يوصف عادة بأنه "سلام بارد"، ظلت بموجبه العلاقات الاقتصادية والثقافية والشعبية محدودة ويشوبها انعدام الثقة.
ومع ذلك، كان التعاون كبيرا في مجال الطاقة والأمن، وزاد في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي. وبدأت مصر في استيراد الغاز الإسرائيلي عام 2020، وتستضيف القاهرة منتدى غاز شرق البحر الأبيض المتوسط الذي تشارك إسرائيل في عضويته.
وفرضت إسرائيل حصارا على غزة بينما شددت مصر الإجراءات على الحدود منذ عام 2007 عندما أصبح القطاع تحت حكم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس).
ما الذي تسبب في التوترات الأخيرة؟
تشعر مصر بالقلق إزاء الهجوم العسكري الإسرائيلي على غزة واحتمال أن يؤدي ذلك إلى نزوح جماعي فلسطيني إلى شبه جزيرة سيناء المصرية، وهي فكرة طرحها بعض الساسة الإسرائيليين وتعارضها الدول العربية بشدة.
ويستخدم مسؤولون مصريون ووسائل الإعلام المرتبطة بالدولة مفردات لاذعة بشكل متزايد في انتقاد الحرب الإسرائيلية على غزة.
وحذرت القاهرة على وجه الخصوص من شن عملية عسكرية واسعة النطاق قرب الحدود المصرية في رفح التي لجأ إليها الكثير من سكان غزة هربا من القصف الإسرائيلي العنيف على مناطق أخرى من القطاع.
وعندما كثفت إسرائيل عملياتها بالقرب من رفح في أوائل مايو/أيار الجاري وسيطرت على الجانب الفلسطيني من المعبر، توقفت عمليات تسليم المساعدات الإنسانية وسط تبادل الاتهامات بين مصر وإسرائيل بالمسؤولية عن ذلك. وتقول مصر إنه يجب إعادة الإدارة الفلسطينية للمعبر.
وأثارت إسرائيل غضب مصر عندما أشارت إلى أن حماس تستخدم أنفاقا تمتد تحت الحدود مع سيناء في تهريب الأسلحة. وقال مبعوث إسرائيلي في محكمة العدل الدولية هذا الشهر إنه تم تحديد نحو 50 نفقا من هذا القبيل في رفح.
وتقول مصر إنها دمرت شبكات الأنفاق المؤدية إلى غزة قبل سنوات وأقامت منطقة عازلة وتحصينات حدودية تمنع التهريب.
ما الذي على المحك؟
الأكثر إلحاحا الآن هو أن تتدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة حيث تواجه قطاعات من السكان جوعا شديدا ونقصا حادا في الرعاية الصحية.
ورغم إدخال بعض المساعدات عبر طرق بديلة منها رصيف بحري أنشأته الولايات المتحدة، فإن معظم المساعدات الدولية تصل إلى سيناء ويتم توجيهها عبر رفح.
واتفق السيسي والرئيس الأميركي جو بايدن أواخر الأسبوع الماضي على استئناف المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الإسرائيلي القريب. واستؤنفت عمليات التسليم من خلال هذا الطريق لكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن توسيع نطاقها.
كما تشارك مصر في المفاوضات بين إسرائيل وحماس، بهدف الاتفاق على هدنة مرحلية وإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة والسجناء الفلسطينيين الذين تحتجزهم إسرائيل.
وتعثرت المحادثات مع دخول إسرائيل إلى رفح. وهددت مصر بالانسحاب من الوساطة بعد أن نقلت شبكة "سي.إن.إن" الأميركية عن مصادر لم يتم الكشف عنها أن المخابرات المصرية مسؤولة عن إفشال الاتفاق. وقالت مصادر مصرية في وقت لاحق إن مصر ما زالت ملتزمة بالمفاوضات.
وقد يتعرض الاستقرار الإقليمي للخطر في نهاية المطاف إذا تدهورت العلاقات بين مصر وإسرائيل. لكن في حين حذرت مصر من أن معاهدة السلام مع إسرائيل قد تتقوض بسبب الأحداث في غزة وقالت إنها ستنضم إلى قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، فإنها لم تفعل مثل المملكة الأردنية التي سحبت سفيرها من إسرائيل، أو تتخذ خطوات رسمية أخرى.
لماذا تحمي مصر وإسرائيل العلاقات؟
للبلدين مصلحة في إبقاء القنوات مفتوحة في أثناء محاولتهما إدارة تداعيات الحرب في غزة فضلا عن الضغوط الداخلية والدولية.
فبالنسبة لمصر، تعد معاهدة السلام بمثابة حجر زاوية في السياسة الخارجية منذ عشرات السنين، فهي تجلب 1.3 مليار دولار من المساعدات العسكرية سنويا من الولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، تهدف إسرائيل إلى إقامة علاقات مع العالم العربي بدلا من تقلص العلاقات القائمة.
وسيكون البلدان أيضا محوريين في خطط ما بعد الحرب في غزة، وسيتعين عليهما التوصل إلى ترتيب لإدارة الأمن على امتداد الحدود بين مصر وغزة، بما في ذلك معبر رفح ومنطقة عازلة تُعرف باسم ممر فيلادلفيا.
المصدر: العربي الجديد + رويترز