لم تكن احتجاجات جامعة كولومبيا ضد الحرب على غزة والتي يشنها الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، سوى درس حي من التاريخ يستذكر من خلاله الطلاب احتجاجات أقرانهم ضد الحرب على فيتنام في 1968.
(كولومبيا 1968) كانت عنواناً لإحدى المواد الاختيارية المتعلقة بالاحتجاجات على حرب فيتنام والتي درسها بعض طلاب الجامعة قبل أن ينشئوا مخيمهم الاحتجاجي في حديقة جامعة كولومبيا الأسبوع الماضي، حيث يرى الطلاب مدى التشابه بين مضمون المادة ونشاطهم ضمن احتجاجات جامعة كولومبيا.
احتجاجات جامعة كولومبيا درس حي من التاريخ
أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، فرانك غوريدي، والذي يدرس مادة (كولومبيا 1968) منذ عام 2017، ناقش مع اثنين من طلابه، الخميس الماضي، أوجه التشابه بين الاحتجاجات على حرب فيتنام والاحتجاجات الحالية المؤيدة للفلسطينيين في ندوة بعنوان (1968: مواصلة القتال). وفي حين عقدت المناقشة بجوار المخيم المنصوب في حرم الجامعة الواقعة بمدينة نيويورك، كان المشاركون يستمعون لدرس التاريخ وهم يفترشون الأرض العشبية أمام خيامهم بينما يتناولون وجبات مجانية خفيفة، دفع بعضهم إلى القول إنهم يطبقون ما تعلموه ودرسوه في الجامعة في ما يتعلق بمعارضة الحرب الإسرائيلية على غزة.
يقول طالب التاريخ في السنة الثانية بالجامعة، بو تانغ، إنه ضمن مجموعة بحثية للطلبة المحتجين تنظر في استراتيجيات حركات العدالة الاجتماعية الماضية والحالية وتكتيكاتها "لمحاولة تعلم الدروس منها"، مضيفاً أن المجموعة أجرت مقابلات مع خريجين شاركوا في احتجاجات عام 1968 وأنهم توصلوا إلى بعضهم من خلال المادة التي يقوم غوريدي بتدريسها، مما جعلهم ينشرون دروساً حول بناء الدعم لحركات الاحتجاج. ويشير تانغ وطلاب آخرون أن زملاء الدراسة والأساتذة الذين كانوا لا يعرفون شيئاً عن احتجاجات جامعة كولومبيا ظهروا في موقع المخيم بعد استدعاء الشرطة، ومنهم أعضاء في هيئة التدريس ارتدوا سترات صفراء للمساعدة في الأمن والسلامة.
كيف غضب طلاب جامعة كولومبيا في 1968؟
وخلال الندوة أبلغ غوريدي والطالبان معه المحتجين كيف غضب أسلافهم في عام 1968 من إجراءات تأديبية اتخذتها جامعة كولومبيا بحق ستة طلاب احتجوا على علاقات الجامعة بأبحاث الأسلحة وخططها لبناء صالة ألعاب رياضية ترسِّخ الفصل العنصري، موضحاً أن المحتجين احتلوا في عام 1968 عدداً من المباني في الحرم الجامعي واحتجزوا القائم بأعمال العميد رهينة لمدة يوم. وأنهت الشرطة هذا الاحتجاج بعنف بعد أسبوع، وألقت القبض على نحو 700 طالب.
لكن المحتجين في عام 2024 قرروا احتلال حديقة واحدة في الحرم الرئيسي لجامعة كولومبيا، مع الإشارة إلى أن مديري الجامعة خصصوا هذه المساحة لتنظيم الاحتجاجات لكن بموافقة مسبقة، والتي تصفها مريم علوان، وهي طالبة أميركية من أصل فلسطيني في السنة الثالثة كانت من بين الذين ألقت الشرطة القبض عليهم ومُنعت من دخول الجامعة الأسبوع الماضي، إن الحديقة المحاطة بالسياج التي يسهل تخطيها تم اختيارها بحيث لا يتهمهم المسؤولون بتعطيل الفصول الدراسية، مضيفة "اطلعنا على بعض صور احتجاجات عام 68". هناك صورة شهيرة لاحتجاجات عام 1968 يظهر فيها الطلبة وهم يحملون لافتة كبيرة كتب عليها "منطقة محررة". ويرفع المحتجون حالياً لافتة مماثلة فوق مخيمهم، وعبرت مريم علوان عن سعادتها بانتشار هذه اللافتة في جامعات أخرى.
وقال غوريدي في مقابلة بعد الندوة "هذا ليس مخيماً تدريبياً للثورة... هذه دراسة للتاريخ"، واصفاً تانغ بأنه أحد "أنبه طلابه"، وفي حين تستمر الاحتجاجات، لا يزال يتعين على تانغ إتمام بحثه الأخير في مادة (كولومبيا 1968) التي يدرسها غوريدي، والتي يصفها تانغ قائلاً "من الصعب الحصول على تقدير ممتاز في مواد العلوم الإنسانية... لكنني سأبذل قصارى جهدي من أجل تحقيق ذلك".
اعتقالات تشعل الغضب في جامعات أميركية
يذكر أن إدارة جامعة كولومبيا أوقفت عشرات الطلبة المحتجين وسمحت بإلقاء القبض عليهم الأسبوع الماضي، وظهرت خيام احتجاجية في جامعات بأنحاء الولايات المتحدة وخارجها تضامناً مع طلبة جامعة كولومبيا، مما أثار انتقادات من البيت الأبيض والعديد من أعضاء الكونغرس الجمهوريين ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذين اتهموا المحتجين بمعاداة السامية وترهيب أقرانهم اليهود.
غير أن العديد من الطلاب اليهود، وبعضهم من المنظمين للاحتجاج، عبروا عن غضبهم من مزاعم معاداة السامية. وعلى مدى ساعات طويلة أمضوها في المخيم هذا الأسبوع، شاهد صحافيو رويترز الطلاب وهم يتحدثون سلمياً وودياً ويقرؤون ويأكلون ويقيمون الصلوات اليهودية والإسلامية.
كما نُظمت عروض لموسيقى الجاز ومحاضرات ودورات في الإسعافات الأولية وعروض لأناشيد ثورية مؤيدة للفلسطينيين وورش عمل في الكتابة. وفي بعض الأحيان تدور مناقشات ساخنة لكنها تخلو من العنف بين يهود مناهضين للصهيونية وطلبة مؤيدين لإسرائيل يزورون المخيم، كما رُفعت في المكان لافتة تنبه الموجودين في المخيم إلى توخي الحذر في تعاملاتهم مع المعارضين للاحتجاج بعبارة "نحن لا نتعامل مع المحرضين".
"منطقة محررة" في جامعة كولومبيا
شهدت احتجاجات جامعة كولومبيا، إنشاء المخيم الاحتجاجي للطلاب فجر يوم 17 إبريل نيسان من دون الحصول على إذن من إدارة الجامعة، مطالبين إياها بسحب استثماراتها من شركات تصنيع الأسلحة وغيرها من الشركات التي تدعم الحكومة وجيش الاحتلال الإسرائيليين، وقاد احتجاجات جامعة كولومبيا فرعا مجموعتي (طلاب من أجل العدالة في فلسطين) و(الصوت اليهودي من أجل السلام) في جامعة كولومبيا. حيث نظمت الاحتجاجات بالتحالف مع العشرات من المجموعات الطلابية الأخرى، وسبق أن أوقفت الجامعة حضور الطلبة المنتمين لكلتا المجموعتين في نوفمبر/ تشرين الثاني بسبب احتجاج سابق غير مصرح به مؤيد للفلسطينيين.
وفي اليوم التالي لنصب المخيم استدعت رئيسة الجامعة نعمت مينوش شفيق الشرطة التي اعتقلت 108 من الطلاب بتهمة التعدي على ممتلكات الغير، مما أثار غضب بعض أعضاء هيئة التدريس. ومنذ ذلك الحين، أعاد الطلبة بناء المخيم الذي صار أكثر نشاطاً من ذي قبل.
وتقول رئيسة الجامعة، التي رفضت طلبات إجراء مقابلة معها عبر متحدث باسمها، إنها اتصلت بالشرطة إجراءً أخيراً في مواجهة خرق القواعد وإن المخيم أثار "الضغينة" داخل الحرم الجامعي، وإن سياسة الجامعة لا يمكن أن تمليها مجموعة طلابية أو بعض أعضاء هيئة التدريس. وتجري إدارتها مفاوضات متقطعة مع الطلبة المحتجين، وكتبت في رسالة داخلية بالبريد الإلكتروني "لدينا مطالبنا، وهم لديهم مطالبهم".
(رويترز، العربي الجديد)
أخبار ذات صلة
الأحد, 21 أبريل, 2024
اتساع احتجاجات دعم غزة بجامعات أمريكا بعد اعتقال عشرات الطلاب