بعد 38 سنة في سجون إسرائيل، توفي الأسير الفلسطيني وليد دقة (62 عاما)، مساء الأحد، متأثرا بإصابته بنوع نادر من السرطان.
و"دقة" من بلدة باقة الغربية في الأراضي المحتلة عام 1948 (الداخل الفلسطيني)، ولفظ أنفاسه الأخيرة في مستشفى "آساف هروفيه" بالقرب من تل أبيب.
وحسب صحيفة "إسرائيل اليوم" (خاصة)، فإنه كان مصابا بمرض سرطان نادر، ويعد أحد أقدم الأسرى الفلسطينيين في سجون إسرائيل.
وولد "دقة" في 18 يوليو/ تموز 1961، والتحق بالمقاومة للاحتلال الإسرائيلي، تحت لواء منظمة التحرير الفلسطينية في 1983.
وفي 1996، انضم إلى التجمع الوطني الديمقراطي، وصار عضوا في لجنته المركزية.
وجرى اعتقاله في 25 مارس/ آذار 1986، وقضت المحكمة العسكرية في مدينة اللد بحقه، في الشهر نفسه من العام التالي، بالسجن المؤبد؛ بتهمة خطف وقتل جندي إسرائيلي.
وفي 2012، حددت إسرائيل سنوات المؤبد بـ37 عاما، وكان من المفترض الإفراج عنه في 24 مارس/ آذار 2023.
لكن في 28 مايو/ أيار 2018، أصدرت المحكمة العسكرية في مدينة بئر السبع حكما بزيادة مدة سجنه سنتين، بادعاء ضلوعه في إدخال هواتف نقالة إلى السجن ليتواصل الأسرى مع عائلاتهم.
وبناء على الحكم الأخير صار تاريخ الإفراج عنه هو 24 مارس 2025.
تعنت القضاء
رفض القضاء الإسرائيلي عشرات الالتماسات للإفراج عنه مبكرا بعد انقضاء ثلث مدة محكوميته، وإزالة تصنيف "أسير عالي خطر الهرب"، والزواج، والإنجاب، ووداع أفراد العائلة، إذ توفي والده نمر دقة في 1998.
كما حُرم من زيارة الأهل لأغراض إنسانية، إذ أصيبت والدته فريدة دقة بمرض الزهايمر منذ 2013، وكذلك من الإفراج المبكر للعلاج من المرض بعد أن كُشف عن إصابته بسرطان الدم في 2015.
لكن في 2022، أظهرت فحوصات إصابته بمرض التليف النقوي (Myelofibrosis)، وهو سرطان نادر يصيب نخاع العظم.
ورغم تشخيص إصابته بهذا المرض، رفضت إسرائيل الإفراج عنه، وبقي تحت حراسة مشددة في مستشفى برزيلاي بمدينة عسقلان.
وظل في هذا المستشفى على أجهزة التنفس الاصطناعي، بعد تدهور عمل أجهزته الحيوية، وخاصة الكلى والرئتين ونقص نسبة الدم.
واستثنت إسرائيل "دقة" من صفقات الإفراج عن وتبادل الأسرى في أعوام 1994 و2008 و2011 و2014.
وهو في الأسر تزوج من الإعلامية والمترجمة سناء سلامة من مدينة اللد في 10 أغسطس/ آب 1999 في سجن عسقلان.
ولم تتح لهما القوانين الإسرائيلية فرصة الإنجاب، رغم التماسات عديدة، إلى أن وُلدت لهما ابنتهما "ميلاد" في مدينة الناصرة يوم 3 فبراير/ شباط 2020 من "نطفة محرَّرة" (مُهربة من داخل السجن).
"رجل الكهف"
ورغم انقطاع مسيرته الأكاديمية جراء الأسر، حصل "دقة" على شهادتي البكالوريوس في دراسات الديمقراطية من الجامعة المفتوحة (إسرائيلية) في 2010.
مارس الكتابة داخل السجن وصدرت له مؤلفات عديدة توثق تجربة النضال والأسر، كما حصل على درجة الماجستير في الدراسات الإقليمية من جامعة القدس الفلسطينية في 2016.
لكنه لم يتمكن من إكمال دراسته للدكتوراه في الفلسفة من جامعة تل أبيب؛ بسبب قيود القوانين الإسرائيلية.
ومن خلف القضبان، ألف "دقة" العديد من الكتب والدراسات والمقالات، منها: "الزمن الموازي"، "ويوميات المقاومة في مخيم جنين"، "وصهر الوعي"، و"حكاية سرّ الزيت" التي نالت جوائز محلية وعربية.
وقد رافق إطلاق رواية "حكاية سر الزيت" إعلان الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين عن تشكيل "لجنة الأسرى"، وتعيين الأسير وليد دقّة سكرتيرا لها عام 2018.
كما كتب عدة مقالات بالعبرية نشر معظمها في "صحيفة هآرتس" الإسرائيلية، وكتب أيضا مراسلات ومقالات فكرية وسياسية وردودا في إطار المنتدى الفكري-السياسي الذي أسسه مع الأكاديمية عنات مطر من جامعة تل أبيب، وناشطين سياسيين ومثقفين آخرين.
أتقن دقة اللغة العربية، إلى جانب العبرية التي يصفها بأنها "لغة زوجة الأب"، التي كادت أن تتغلب على لغته الأم. وكان يمضي وقته في الدراسة والقراءة والرسم، ويحافظ على وتيرة معينة في الكتابة داخل سجنه، قبل أن يتدهور وضعه الصحي.
لجأ دقة للرسم عندما أفقدته أدويته التركيز على القراءة والكتابة، وقال إن "الرسم وسيلة ممتازة لإشغال العقل بعيدا عن المرض حتى لا تنهار الروح". كما اعتقد أن رسم حياة الأسرى يسهل تهريبها خارج السجن على عكس المواد المكتوبة.
مارس الكتابة والرسم داخل السجن، وله العديد من اللوحات الفنية، والكتابات تنشر في الصحافة الفلسطينية، وبشكل خاص في جريدة "فصل المقال"، وموقعَي "عرب 48″، و"التجمع الوطني الديمقراطي".
سمى دقة نفسه "رجل الكهف" الذي ينتمي إلى عصر انتهى، لأنه قضى معظم سنوات حياته في السجن، ورفضت إسرائيل الإفراج عنه أكثر من مرة.
في مخطوطة سيرة ذاتية، قال وليد إن أمه فريدة لم تكمل رضاعته لأسباب صحية، فأرضعته امرأة من أصول إفريقية مع طفلها.
قتله المرض والإهمال
تدهور وضعه الصحي منذ مارس 2023، إثر إصابته بالتهاب رئوي حاد وقصور كلوي شديد، إلى جانب إصابته بالسرطان.
وفي 12 أبريل/ نيسان 2023، سُمح لزوجته وطفلته بزيارته في مستشفى برزلاي.
وآنذاك قالت زوجته سناء للأناضول إن "وليد واهن جدا غير أنه مدرك وواع.. ورغم وصله بالأجهزة الطبية، حاول قدر المستطاع مداعبة طفلته ميلاد".
وتسببت في وفاته "سياسة الإهمال الطبي المتعمد (القتل البطيء)، التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى"، وفق هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية (رسمية) ونادي الأسير (أهلي) في بيان مشترك.
وبوفاة "دقة"، ترتفع "حصيلة شهداء الحركة الأسيرة (في سجون إسرائيل) منذ عام 1967 إلى 251 شهيدا"، حسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية الفلسطينية.
وتحتجز إسرائيل في سجونها ما لا يقل عن 9 آلاف و100 أسير فلسطيني، وزادت أوضاعهم سوءا منذ أن بدأت حربا مدمرة على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وفق هذه المنظمات.
وخلفت الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ ستة أشهر أكثر من مئة ألف قتيل وجريح، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا ومجاعة أودت بحياة أطفال ومسنين، حسب بيانات فلسطينية وأممية.
وتواصل إسرائيل الحرب رغم صدور قرار من مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فورا، وكذلك رغم مثولها لأول مرة أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب "إبادة جماعية".
المصدر: الأناضول