أفادت صحيفة واشنطن بوست الأميركية، اليوم الخميس، بأنّ إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تسعى مع خمس دول عربية إلى إعداد خطة شاملة تتضمن قيام دولة فلسطينية لتحقيق "سلام طويل الأمد بين إسرائيل والفلسطينيين" تبدأ بالإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة لمدة ستة أسابيع وتبادل للأسرى. وتأمل الدول التي تعمل على الخطة عرضها في مؤتمر ميونخ الأمني السنوي، الذي يبدأ يوم الجمعة المقبل.
تفاصيل الخطة لإقامة دولة فلسطينية
وتتضمن الخطة، وفق ما أوردته الصحيفة، جدولاً زمنياً لإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية وإخلاء مستوطنات في الضفة الغربية، لكن كل ذلك مرهون بإتمام اتفاق لوقف إطلاق النار يتضمن صفقة عاجلة لإطلاق المحتجزين في قطاع غزة، يتم التفاوض بشأنه بين الولايات المتحدة وقطر ومصر. وتقول الصحيفة إنه من المطلوب أن يتم وقف إطلاق النار قبل شهر رمضان.
وسيكون اتفاق وقف إطلاق النار مناسبة لإعلان الخطة وتجنيد دعم إضافي واتخاذ الخطوات الأولية نحو تنفيذها، بما في ذلك تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة، وفقاً لمسؤولين أميركيين وعرب. وقال مسؤول أميركي مشارك بالنقاشات للصحيفة الأميركية، طلب عدم الكشف عن هويته لتجنب عرقلة الخطة قبل اكتمالها، إنّ "المفتاح هو صفقة الرهائن".
وتنقل الصحيفة عن مسؤولين أميركيين قولهم إنّ الخطة تشمل اعترافاً أميركياً مبكراً بالدولة الفلسطينية، مع تنفيذ عناصر الإصلاح السياسي والضمانات الأمنية لكل من إسرائيل والفلسطينيين والتطبيع وإعادة الإعمار.
وتعمل الإدراة الأميركية مع كل من مصر والأردن وقطر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وممثلين فلسطينيين على التوصل إلى اتفاق فيما بينهم حول الخطة، في ظل مخاوف من هجوم الاحتلال الإسرائيلي على رفح وما يعنيه من تصعيد خطير قد يؤدي إلى دفن صفقة الرهائن وجهود السلام طويلة الأمد.
وتتضمن الخطة، بحسب "واشنطن بوست":
*إخلاء العديد من المستوطنات في الضفة الغربية
*إعلان القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية
*إعادة إعمار غزة
*وضع ترتيبات للأمن والحكم في الضفة الغربية وقطاع غزة معاً
*وفي المقابل تحصل إسرائيل على ضمانات أمنية محددة
*بالإضافة للتطبيع مع المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى.
وكان وزير الخارجية الأميركية، أنتوني بلينكن، قد قال، في معرض تعليقه على رحلاته الأخيرة إلى دول المنطقة، والزيارات التي قام بها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والعاهل الأردني عبد الله الثاني إلى واشنطن، أثناء توقفه في الدوحة الأسبوع الماضي، إنّ "تسلسل جميع الخطوات بحاجة إلى تحديد مسار عملي ومحدد زمنياً ولا رجعة فيه لإقامة دولة فلسطينية تعيش جنباً إلى جنب في سلام مع إسرائيل"، مضيفاً أنّ "التركيز على ذلك الآن هو أكثر من أي وقت مضى".
وتلقى مساعي الإدارة الأميركية دعماً من خارج المجموعة التي تعمل عليها بشكل مباشر، حيث أعرب وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، نهاية الشهر الماضي، عن استعداد بلاده للاعتراف المبكر بالدولة الفلسطينية.
وقال ممثل الاتحاد الأوروبي لعملية السلام في الشرق الأوسط سفين كوبمانز، بحسب الصحيفة، "هذه عملية سلام فعلية تريد الوصول إلى دولة فلسطينية مستقلة ومعترف بها بالكامل ودولة إسرائيلية آمنة مندمجة بالكامل في المنطقة".
إطار زمني
ورغم الطرح الذي يبدو جريئاً إلا أنها ليست المرة الأولى التي تتناول الولايات المتحدة فيها خططاً للوصول إلى السلام وإقامة دولة فلسطينية، وفق الصحيفة.
ويقول عمرو موسى، الذي شغل منصب وزير الخارجية المصري من عام 1991 إلى عام 2001 والأمين العام لجامعة الدول العربية من عام 2001 إلى عام 2011، لـ"واشنطن بوست"، إنّ "لغة عملية السلام كانت معنا لمدة 10 سنوات في التسعينيات ولم تنتج شيئًا"، مضيفاً "كانت مجرد خدعة"، مشدداً على أنّ حل المشكلة بشكل عملي مرتبط بـ"إطار زمني".
ويعتقد كثيرون أنّ اعتراف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية في بداية العملية، هو وحده القادر على إقناع العالم العربي بأنّ هذه المرة ستكون مختلفة، بحسب ما تكتب الصحيفة. وبينما يقول المسؤولون الأميركيون إنّ الاعتراف "بشكل ما موجود ضمن قائمة الاحتمالات"، فإنّ المشككين لا يتوقعون حدوث ذلك في أي وقت قريب.
وقال آرون ديفيد ميلر، المستشار السابق في وزارة الخارجية ومنسق المفاوضات العربية الإسرائيلية ومفاوضات السلام، "سأشعر بالذهول إذا قدموا الاعتراف القانوني أو الفعلي بدولة فلسطينية" كجزء مبكر من خطة اليوم التالي.
ويتفق ميلر مع الرأي القائل إنّ أي تعهد بإقامة دولة فلسطينية سيكون عديم الفائدة دون اتخاذ خطوات ملموسة على طول جدول زمني محدد. لكنه تساءل عما إذا كانت القيادة الحالية لإسرائيل أو للفلسطينيين قادرة أو مهتمة بذلك، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس "مهتمان أكثر بالحفاظ على مقعديهما"، وفق قوله.
ويقول ممثلو الدول في مجموعة التخطيط إنهم يدركون الصعوبات التي تواجه التوصل إلى اتفاق على أي من الجانبين، وقد قسموا العمل بشأن ذلك، حيث تتفاوض الولايات المتحدة مع إسرائيل، والعرب مع الفلسطينيين.
وتنقل الصحيفة عن توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، رفضه التدخل الأميركي في شؤون القيادة الفلسطينية، مؤكداً أن السلطة هي التي تحكم الضفة الغربية، مضيفاً "إذا أردنا تجديد قيادتنا، فهذا قرارنا البحت".
ومع ذلك، يصرّ المسؤولون العرب، وفق الصحيفة، على أنهم متفائلون بشأن إمكانية إقناع الفصائل الفلسطينية بالاتفاق وتشكيل حكومة تكنوقراط، بدلاً من السياسيين، تركز على تحسين الاقتصاد الفلسطيني والسيطرة على الأمن، بالإضافة لإعادة إعمار غزة قبل إجراء الانتخابات.
وقال العديد من المسؤولين العرب، بحسب الصحيفة، إنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، وافق من حيث المبدأ وربما يحتفظ بمنصبه كرئيس للدولة في دور مماثل لدور الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتسوغ.
وبالنسبة لحركة حماس، يقول مسؤول عربي لـ"واشنطن بوست"، إنه ينبغي إشراك الجناح السياسي لحماس في المحادثات، مضيفاً "نحن بحاجة إلى شخص يمثلهم للتأكد من أنهم في هذا الأمر"، مشيراً إلى أنّ عدم موافقة حماس على الخطة يعني "العودة للمواجهات بين حماس وفتح"، ولكن إذا تمكنوا من تحقيق عامين من الاستقرار والازدهار في ظل حكومة متجددة، كما قال المسؤول، "فلن يختار أحد حماس" في صناديق الاقتراع.
نتنياهو: "بالطبع لا"
ويبقى موقف حكومة الاحتلال ورئيسها، بنيامين نتنياهو، محورياً في كل ما يتم العمل عليه، لا سيما أن نتنياهو يصرّ على رفضه وجود دولة فلسطينية، وكان قد قال، يوم الأحد الماضي، لقناة "إي بي سي نيوز" الأميركية، إنّ "أهم قوة يجب أن تبقى في يد إسرائيل هي السيطرة الأمنية في المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن" في تعليقه على حلّ الدولتين، مضيفاً "هل سيكون للفلسطينيين جيش؟ هل يستمرون في تربية أبنائهم على الإرهاب والدمار؟ بالطبع أقول لا".
من جهته، عقّب وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، على تقرير "واشنطن بوست" بالقول "لن نوافق بأي حال من الأحوال على هذه الخطة التي تقول في الواقع إن الفلسطينيين يستحقون مكافأة على المذبحة الرهيبة التي ارتكبوها بحقنا. إن الدولة الفلسطينية تشكل تهديداً وجودياً لدولة إسرائيل".
وأضاف سموتريتش أنه سيطالب في اجتماع المجلس الوزاري للشؤون السياسية والأمنية (الكابنيت)، "باتخاذ قرار واضح يفيد بأنّ إسرائيل تعارض إقامة دولة فلسطينية وفرض عقوبات على أكثر من نصف مليون مستوطن".
أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، فجاء موقفه، كما هو متوقع، مشابهاً لسموتريتش، ووصف الطرح بـ"السخيف"، قائلاً إنّ "نية الولايات المتحدة إلى جانب دول عربية إقامة دولة إرهاب بجانب دولة إسرائيل هي سخيفة، وجزء من المفهوم الخاطئ بأنه يوجد شريك للسلام على الطرف الآخر".
وأضاف عبر حسابه على منصة إكس أنه "بعد 7 أكتوبر، بات واضحاً أكثر من أي وقت مضى أنه ممنوع منحهم دولة. طالما نحن في الحكومة لن تقوم دولة فلسطينية".
من جهته قال وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، في حديث لموقع "واينت" العبري "نحن منشغلون فقط بتحقيق النصر. أنا لست جزءاً من أي حديث عن منح جائزة للقتلة"، على حد تعبيره.
المصدر: واشنطن بوست