فور صدور الحكم الأولي الذي أصدرته محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل، أعلنت العديد من الدول الغربية قرارها بتعليق مساعداتها للأونروا، وذلك على خلفية مزاعم إسرائيلية تتهم موظفي الأونروا بالمشاركة في هجمات 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي المقابل أطلقت الأونروا تحقيقًا فوريًا للوقوف على صحة تلك المزاعم، إلا أن تعليق المساعدات الغربية أدى إلى نشوء أزمة مالية خطيرة تنذر بانهيار الوكالة.
أهمية الأونروا
الأونروا هي وكالة تابعة للأمم المتحدة تم إنشاؤها من أجل دعم وتشغيل الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم أثناء قيام إسرائيل، وتعتبر مسؤولة عن تقديم المساعدات والخدمات المختلفة للاجئين الفلسطينيين.
تقدم الوكالة منذ 75 عامًا خدمات متنوعة لصالح الفلسطينيين تشمل جوانب من المساعدات الإنسانية، إضافة إلى خدمات في مجالات التعليم والصحة والمأوى والتوظيف والتنمية. لذلك، فإن للأونروا دور مهم للغاية في كافة جوانب الحياة المدنية في غزة.
وتنشط الوكالة في خمس مناطق أساسية هي غزة والضفة الغربية والأردن ولبنان وسوريا. وتضم قوائم الوكالة حوالي 5 ملايين لاجئ فلسطيني مسجلين لديها في جميع هذه المناطق.
وخلافا لجميع المناطق الأخرى، تكتسب أنشطة الأونروا أهمية خاصة في قطاع غزة الذي يأوي نحو 1.7 مليون مهجّر فلسطيني (من مناطق 1948) من أصل 2.2 مليون فلسطيني يعيشون في غزة.
لذا، فإن أكثر من 75 بالمئة من سكان غزة يعتمدون على أنشطة هذه الوكالة منذ أكثر من نصف قرن.
إن تعليق المساعدات المالية من شأنه أن يؤدي إلى انهيار هذه الوكالة وبالتالي تدمير كافة أشكال الحياة المدنية في غزة، حيث أصبحت تلبية حتى أبسط الاحتياجات الأساسية شبه مستحيلة، في ظل انتشار الجوع والأوبئة.
وهذا يعني أن قرار التعليق الذي اتخذته الدول الغربية يشكل انتهاكًا واضحًا للالتزامات الناشئة عن اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948.
التدابير الاحترازية الصادرة عن محكمة العدل الدولية ومسؤولية الدول
محكمة العدل الدولية كانت حدوث من وجود خطر حقيقي ووشيك بحدوث إبادة جماعية في غزة. ورغم أنها لم تأمر بتعليق جميع العمليات العسكرية، لكنها قضت بضرورة امتناع إسرائيل عن القيام بأنشطة ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية، ومعاقبة أولئك الذين يدعون إلى الإبادة.
كما طلبت المحكمة من إسرائيل اتخاذ التدابير التي ستمكن من توفير الاحتياجات الأساسية المطلوبة بشكل عاجل والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لتحسين الظروف المعيشية السيّئة التي يواجهها سكان غزة.
في خضم هذه التطورات، اتخذت مجموعة من الدول الغربية الفاعلة خطوة من شأنها أن تقوض قرارات المحكمة سابقة الذكر، وتقضي بتعليق الدعم المالي للأونروا.
ورغم قرار المحكمة الذي يشير إلى أن أكثر من مليونين من سكان غزة معرضون لخطر الإبادة الجماعية، إلا أن قرار الدول الغربية بتعليق المساعدات من شأنه أن يعرض حياة أكثر من مليوني فلسطيني في غزة للخطر، وذلك بالاستناد إلى مزاعم تقول بأن 12 من موظفي الأونروا شاركوا في هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، علمًا بأن أكثر من 150 من موظفي الأونروا لقوا مصرعهم في الهجمات الإسرائيلية على القطاع.
هذه الهجمات التي أدت أيضًا إلى تهجير 1.9 مليون من سكان غزة، جميعهم ينتظرون من الأونروا تلبية احتياجاتهم.
وهنا لا بد من التذكير بأن اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948 تفرض التزام جميع الدول الأطراف ليس فقط بعدم ارتكاب إبادة جماعية، ولكن أيضًا بمنع وقوعها.وفي هذا الإطار، فإن جميع الدول الأطراف تتحمل بالفعل مسؤولية تطبيق هذه الالتزامات.
لقد كان حريًا بالدول الغربية دفع التعاون مع الأونروا قدمًا نحو الأمام، خاصة أن الوكالة المذكورة تقع في قلب المساعدات الإنسانية ونظام الدعم الاجتماعي والصحي في غزة، فضلًا عن أن خطوة تعليق المساعدات، التي اتخذتها الدول المعنية، يشكل انتهاكا واضحا للالتزام بمنع وقوع الإبادة الجماعية بموجب الاتفاقية المذكورة.
وعلى الرغم من أن المساعدات التي تقدمها الدول للأونروا تكون على أساس طوعي، إلا أن قطع المساعدات المستمرة منذ 75 عاما في هذه اللحظة الحرجة والأكثر أهمية، لا يتسق من روح الأنشطة الهادفة إلى منع الإبادة الجماعية، بل على العكس تمامًا يحض عليها ويسهلها.
ووفقاً لقانون مسؤولية الدولة، فإن انتهاك إسرائيل لقرار المحكمة بتوفير المساعدات والخدمات الإنسانية الكافية لغزة، يشكل خرقًا واضحًا وصارخًا للقانون الدولي، إضافة إلى أن قيام بعض الدول بدعم دولة ترتكب مثل هذه الممارسات، يعني تقاسمها للمسؤولية عن الأحداث والانتهاكات الجارية في القطاع.
إن المبادرة التي أطلقتها الدول الغربية، عن علم وإرادة، والتي تهدف إلى جعل الأونروا غير قادرة على أداء واجباتها، يجعلها متواطئة مع إسرائيل في الممارسات غير القانونية والخروقات الجاري ارتكابها لقرارات محكمة العدل الدولية.
لماذا يتم استهداف الأونروا؟
لقد دأبت إسرائيل على استهداف الأونروا منذ سنوات عديدة. كما لم تتردد تل أبيب لوهلة عن وصف الأونروا، وبشكل متكرر، بأنها ذراع حماس في الأمم المتحدة.
إن هذا الاستهداف يرجع للدور المحوري والمهم الذي تضطلع به الأونروا، فهي توفر البنية اللازمة للربط بين كافة اللاجئين الفلسطينيين أينما كانوا، سواء في غزة أو سوريا أو الضفة الغربية.
كما أن الوكالة تجمع الفلسطينيين على أرضية مشتركة، وتلعب دورا هاما في خلق وعيهم الوطني، إضافة إلى أن أغلبية موظفي الأونروا البالغ عددهم حوالي 30 ألف موظف هم من الفلسطينيين.
ومن ناحية أخرى، تمتلك الوكالة وضعا قانونيا مهما للغاية، خاصة في تسجيل أسماء وأعداد اللاجئين الفلسطينيين وأطفالهم، وهذا يعني استمرارا لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وحقهم في العودة إلى وطنهم باعتراف القانون الدولي.
إن عدد اللاجئين الفلسطينيين، الذي كان نحو 900 ألف عام 1948، أصبح اليوم أكثر من 5 ملايين. وبطبيعة الحال، فإن المطالبة بالعودة يظل دائمًا يشكل هاجسًا بالنسبة لإسرائيل.
إنهاء عمل وكالة الأونروا من ناحية قانونية ودور الدول الأوروبية
تستثني المادة 1 من اتفاقية اللاجئين لعام 1951 اللاجئين الفلسطينيين من نطاق الاتفاقية. وذلك لأن اللاجئين الفلسطينيين وفق الاتفاقية قد تلقوا بالفعل المساعدة أو الحماية من وكالة تابعة للأمم المتحدة وهي الأونروا. إلا أن البند الثاني من نفس الفقرة ينص على إمكانية أن تشمل الاتفاقية اللاجئين الفلسطينيين في ظل ظروف معينة.
وبناءً على ذلك، فإن إنهاء عمل وأنشطة الأونروا لأي سبب من الأسباب، يعني أن بإمكان اللاجئين الفلسطينيين الاستفادة تلقائيًا من الحماية التي توفرها اتفاقية اللاجئين للعام 1951.
بمعنى آخر، إذا طلب لاجئ فلسطيني اللجوء في مكان خارج منطقة الأونروا، وكان هذا الطلب قسريا بسبب أحداث خارجة عن إرادته، وقتئذ يتحتم على الدول قبول طلب لجوئه تلقائيا وهذا ينطبق أيضًا على الدول الغربية التي علقت التمويل.
هذا الوضع سوف يمكن إسرائيل من تحويل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين من مشكلة تخص إسرائيل إلى مشكلة عالمية، سوف تتسبب بالضرر للدول الغربية في المقام الأول.
واتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، هي اتفاقية متعددة الأطراف برعاية الأمم المتحدة تُعرّف لفظة "لاجئ"، وتحدّد حقوق الأفراد الذين يُمنحون حق اللجوء، بالإضافة إلى مسؤوليات الدول التي تستقبل اللاجئين.
*مقال رأي لعضو الهيئة التدريسية في كلية الحقوق بجامعة البوسفور التركية، الدكتور حسن بصري بلبل
*المصدر: الأناضول