يقول تقرير لموقع "ميدل إيست آي" البريطاني إن إسرائيل تتوقع أن تتواصل حربها المدمرة على غزة لعدة أشهر، وهو ما يعني أن الأزمة سوف تتفاقم، مع ما قد يترتب على ذلك من عواقب إقليمية كارثية محتملة.
بهذا الملخص، قدم الموقع لنقاش معمق بين 6 محللين وباحثين، يحاولون تحليل الجغرافيا السياسية المضطربة لهذه الحرب التي لا نهاية لها في الأفق، واستخلاص الدروس من الـ100 يوم الأولى من هذا الصراع، وما قد تؤول إليه الأمور في النهاية.
دروس من الـ100 يوم الأولى
استعرض الموقع آراء المحللين الستة منفصلة، بادئا برأي معين رباني، المحرر في موقع "جدلية"، الذي انطلق من أن الأيام الـ100 الأولى من حرب إسرائيل على غزة غيرت وجه الشرق الأوسط، بعد أن تحطمت بشكل لا رجعة فيه، ادعاءات إسرائيل بالقدرة المطلقة والمعرفة المطلقة وأن جيشها لا يقهر.
وهكذا -يقول معين رباني- اضطر الجيش الإسرائيلي، للمرة الأولى منذ 75 عاما، إلى شن حرب داخل حدوده، وشنّت إسرائيل الحملة الأكثر كثافة في تاريخها، وسوّت قسما كبيرا من قطاع غزة الصغير بالأرض، وقتلت المدنيين الفلسطينيين على نطاق واسع وبسرعة أجبرتها، في غضون 3 أشهر، للمثول أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية التي ارتبطت بها منذ تأسيسها كضحية، وإلى باقي الدهر كجان في غزة.
وكشفت هذه الحرب -حسب معين رباني- عن اعتماد إسرائيل المطلق على الولايات المتحدة للحصول على الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي، كما حطمت صورة إسرائيل التي تشكل المعقل القوي للمصالح والنفوذ الغربيين في الشرق الأوسط.
ورغم أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) لا تشكل قوة عسكرية كبيرة، فإن القادة الإسرائيليين أشاروا مرارا وتكرارا إلى هذا الصراع باعتباره الصراع الذي سيحدد إمكانية استمرار وجود إسرائيل من عدمه.
ومن المستحيل في هذه المرحلة التنبؤ بموعد أو كيف أو حتى احتمال أن تصمت الأسلحة، وإلى أن يفعلوا ذلك، فإن الحديث المتجدد في العواصم الغربية عن "حل الدولتين" يظل مجرد تمثيلية لتشتيت الانتباه، لأنه من غير الممكن تحقيق السلام والتعايش السلمي في الشرق الأوسط في ظل وجود دولة غير عقلانية تمارس الإبادة الجماعية وتسعى باستمرار إلى حل التحديات السياسية من جانب واحد من خلال استعراض القوة الساحقة.
الصمت خيانة
بدوره، ركز غسان الكحلوت، وهو مدير "مركز دراسات الصراع والإنسانية" وأستاذ مشارك في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، على الأزمة الإنسانية المستمرة في قطاع غزة، ورأى أنها تركت علامة لا تمحى على المنطقة، وأثارت المخاوف بشأن الدعم الضئيل الذي تقدمه الدول العربية للفلسطينيين، وأظهرت الغياب الصارخ للدعم الملموس لسكان غزة المحاصرين.
ورغم أن الموقف العربي الرسمي غير مفاجئ -كما يرى الكاتب- فإنه اتخذ منعطفا مثيرا للقلق، إذ تجاوز عدم كفاية الدعم للقضية الفلسطينية، وتحول الآن إلى رفض قطع العلاقات مع دولة الاحتلال، حتى إن بعض التقارير أشارت إلى ممر تجاري توفره الدول العربية لإسرائيل لتخفيف آثار الحصار البحري الذي يفرضه الحوثيون في اليمن عليها.
ومع اقتراب الحرب من بداية شهرها الخامس، هناك حاجة ملحة -كما يقول الكحلوت- لاستمرار الضغط الشعبي، في الوقت الذي تحاول فيه الأنظمة العربية "الصمود في وجه العاصفة" بدون اتخاذ أي إجراء مؤثر يخفف بشكل حقيقي من معاناة سكان غزة، وهو ما يعني أن على الشارع العربي ألا يحول انتباهه عن فلسطين.
كيف فشل النظام الدولي؟
وتناول تامر قرموط، الأستاذ المساعد في السياسة العامة في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، إخفاقات النظام الدولي، مركزا على تقاعس هذا المجتمع إلى حد التواطؤ مع إسرائيل، عن نجدة غزة في المأساة المستمرة والواقع الوحشي الذي يواجهه الفلسطينيون فيها، وهو الوضع الذي وصفه الكثيرون بأنه إبادة جماعية.
ومن المؤسف أن القانون الدولي، الذي يشكل منارة الأمل في تحقيق العدالة والإنصاف، وقع في مرمى السياسة العالمية، وهو ما أدى إلى تقويض فعاليته، وترك أولئك الذين هم في أمس الحاجة إلى حمايته بدون ملاذ.
وأشار قرموط إلى أن هناك تغيرا طفيفا وتحسنا في مواقف الغرب تجاه غزة بسبب الضغط الشعبي الداخلي، وهو ما قد يساعد في التخفيف على سكان غزة، مشيرا إلى أن هناك جهات فاعلة أخرى مثل تركيا ومصر ودول الخليج والعالم الإسلامي، يمكنها أن تساهم بدور فعال.
ولكن من الأهمية بمكان -حسب قرموط- أن نفهم أن أي مناقشات وقرارات بشأن واقع الحكم "في اليوم التالي" في غزة لا بد أن يتولاها الفلسطينيون حصريا، بغض النظر عن نوع الحكومة التي قد تسفر عنها، لأن الوقت حان لإدراك أخطاء اتفاقات أوسلو والتأكد من عدم تكرارها.
وخلص قرموط إلى أن الطريق إلى السلام والعدالة قد يكون محفوفا بالعقبات، لكن الإرادة الجماعية للشعب، إلى جانب المشاركة الإستراتيجية من اللاعبين الإقليميين والدوليين الرئيسيين، يمكن أن تمهد الطريق لحل دائم.
الأزمة في الضفة الغربية المحتلة
وفي سياق هذا النقاش، أثارت أمينة الأشقر، وهي مساعدة باحث في "مركز دراسات الصراع والإنسانية"، ما يدور في الضفة الغربية من صراع عنيف مسكوت عنه، حيث انخرط الجيش الإسرائيلي في مواجهات، ليست فقط مع المنظمات القائمة مثل حماس وحركة الجهاد الإسلامي، ولكن أيضا مع الجماعات المسلحة المحلية التي تم تشكيلها حديثا.
وقد تميزت فترة ما بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بتصعيد مثير للقلق في أعمال العنف في الضفة الغربية المحتلة، حيث قُتل أكثر من 300 فلسطيني بينهم أكثر من 60 طفلا، وأصيب آلاف آخرون، بدون الإشارة إل إلى حصيلة عام 2023، التي بلغت 480 شهيدا ونحو 12 ألف مصاب.
ومع الهدوء الظاهري في الضفة، فإن هناك تحولا عميقا في المشاعر الفلسطينية، كما ظهر في استطلاع للرأي أجري مؤخرا، أظهر الدعم المتزايد لحماس واعتبار النضال المسلح وسيلة لإنهاء الصراع.
غزة في الشوارع الأردنية
وفي تحليله، ركز محمد الحموي، وهو مساعد باحث في "مركز دراسات الصراع والإنسانية"، على أصداء الحرب على غزة في جميع أنحاء المنطقة، وما أدت إليه من غضب، لا سيما في الأردن، حيث أظهرت شوارع عمان والمدن الأخرى أن حرب الإبادة الجماعية هذه تذكير بأن مصير شعبي الأردن وفلسطين لا ينفصلان.
وقد تجسد هذا الشعور في أقوال الناس وأفعالهم، فاندلعت الاحتجاجات في شوارع عمان بشكل منتظم، ودعت هتافات شعبية إلى فتح "الجبهة الأردنية"، وهو أمر غير مرجح في الوقت الحالي، لكنه ليس بعيد المنال نظرا للعداء الإسرائيلي المتزايد للأردن، خاصة أن المتظاهرين حاولوا مرارا وتكرارا السير نحو الحدود.
وقد دفع هذا الشعور الناس إلى الالتزام الصارم، وفي بعض الأحيان العدواني، بمقاطعة بعض الشركات التي تعتبر داعمة لدولة الاحتلال، انطلاقا من فكرة أن التردد على أي شركة داعمة لإسرائيل هو بمثابة التواطؤ في الإبادة الجماعية في فلسطين.
إلى أين نذهب؟
أما سانسوم ميلتون، وهو زميل أبحاث أول في "مركز دراسات الصراع والدراسات الإنسانية" وأستاذ مساعد في "معهد الدوحة للدراسات العليا"، فقد تناول السؤال الملح حول الخطوة التالية في غزة رغم أن المستقبل لا يزال غامضا، مشيرا إلى أن أول نتيجة مهمة هي أن الحرب غيرت بشكل عميق الديناميكيات السياسية وديناميكيات الصراع في المنطقة.
ومن غير المرجح على المستوى العالمي -كما يرى سانسوم ميلتون- أن يتم التوصل إلى حل للوضع في غزة، خاصة أن محكمة العدل الدولية حكمت بأن هناك أسبابا "معقولة" لاعتبار تصرفات إسرائيل في قطاع غزة حالة إبادة جماعية، لكنها لم تصل إلى حد الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
وفي حين ستواصل إندونيسيا وسلوفينيا اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد إسرائيل من خلال القانون الدولي، فإن السكان المحاصرين في غزة لن يكون لديهم أمل كبير في الإنصاف القانوني لإنهاء الحرب ورفع الحصار عندما يواجهون معتديا ينتهك القانون الدولي باستمرار على مدى عقود من الزمن.
علاوة على ذلك، فإن القرار الأخير الذي اتخذته العديد من الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بتعليق التمويل للأونروا في خضم أسوأ أزمة إنسانية في العالم؛ يسلط الضوء على كون حلفاء إسرائيل قادرين بشكل فعال على تفكيك الأداة الدولية الأكثر فعالية لتحقيق السلام.
وخلص سانسوم ميلتون إلى أنه حتى لو انتهت الحرب اليوم، لا أحد يستطيع أن يجزم بأن إسرائيل لن تنهار غدا أو بعد غد، لأنه لا يوجد مجال كبير لليقين بشأن المسار الذي ستسلكه المنطقة، لكن الأمر المؤكد هو أنها لن تعود إلى الوضع الذي كان قائما قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
المصدر : ميدل إيست آي