ما زال الفلسطينيون الذين رفضوا النزوح من مدينة غزة إلى جنوب القطاع مع بداية العدوان الذي يشنه الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، يقبعون تحت "صدمة" الدمار والقتل الذي خلّفه الجيش الإسرائيلي في أحياء سكنية واسعة من المدينة.
ورغم مرور يومين على انسحاب إسرائيل من بعض الأحياء السكنية التي وصل إلى عمقها، إلا أن "الكارثة الإنسانية" التي خلفها الجيش ما زالت تتكشف رويدا رويدا.
ويقول فلسطينيون، في حوارات منفصلة مع وكالة الأناضول، إن جثث الشهداء الملقاة في الشوارع بعضها متحلل والبعض الآخر نهشته الكلاب الضالة، مبينين أن تلك المشاهد تروي قصصا عن ارتكاب مجازر وإعدامات ميدانية للسكان.
وأضافوا أن الجيش حوّل مناطق سكنية كاملة إلى أكوام من الركام، فغدت بلا منازل أو بنى تحتية أو شبكات للمياه والكهرباء والصرف الصحي، وبلا شوارع معبدة.
ولم تسلم المحال التجارية ومركبات المواطنين المدنية من التدمير والإحراق المتعمد من قوات الجيش، وفق شهاداتهم.
والثلاثاء، استكمل الجيش الإسرائيلي انسحابه من ميناء مدينة غزة ومخيم الشاطئ (غرب) والشيخ رضوان (شمال)، والدرج والشجاعية والتفاح والزيتون (شرق).
فيما أعاد تموضعه على الأطراف الشرقية من "الشيخ رضوان والشجاعية والزيتون والتفاح"، بحسب مراسل الأناضول نقلا عن مصادر محلية.
وجاء هذا التراجع عقب تسريح الجيش الإسرائيلي عددا من ألويته التي تشارك بالهجوم البري الذي بدأ في 27 أكتوبر على قطاع غزة.
ومنذ 7 أكتوبر يشن جيش الاحتلال الإسرائيلي حربا مدمرة على غزة، خلّفت حتى الخميس "22 ألفا و438 شهيدا و57 ألفا و614 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ودمارا هائلا في البنية التحتية وكارثة إنسانية غير مسبوقة"، وفقا لسلطات القطاع والأمم المتحدة.
صدمة لا توصف
الشاب الفلسطيني محمود الخضري (30 عاما) يعجز عن وصف الصدمة التي أصابت سكان حي المنارة، جنوب بركة حي الشيخ رضوان، بعد "معاينتهم لحجم الدمار الهائل في المباني السكنية والبنى التحتية".
ويقول الخضري للأناضول: "الجيش دمر كل شيء في المنطقة، حتى المركبات الموجودة على قارعة الطريق، داسها بجرافاته ودباباته".
وتابع: "الجيش جرف الطرقات وحولها إلى شوارع ترابية، والجثث ملقاة على الأرض، والكثير منها بدأت بالتحلل وأخرى نهشتها الكلاب الضالة".
ويضيف الشاب النازح إلى أحد مراكز الإيواء في مدارس حي الرمال (غرب غزة): "إن الجيش أجبر سكان غزة على النزوح من شمال وشرق المدينة، باتجاه المناطق الغربية من المدينة".
دمار وركام
وفي محيط "دوار أبو مازن" غرب حي الرمال، خلف الجيش الإسرائيلي دمارا غير مسبوق بالمنطقة، فالقصف والتوغل حول الحي إلى أكوام من الركام وخراب، وفق شهادة الشاب محمد عبد اللطيف.
ويقول عبد اللطيف للأناضول: "ما لوحظ في المنطقة أن الجيش استهدف الأبراج والمباني السكنية والمنشآت التجارية بشكل متعمد، ما خلف دمارا وخرابا واسعين".
وتابع: "المنطقة مليئة بالركام والمباني المدمرة، كما أصابت الأضرار الجزئية عددا كبيرا من المباني، فتجدها ما زالت واقفة مكانها رغم استهداف وإحراق عدد من شققها السكنية".
كما أخفت الآليات والدبابات الإسرائيلية معالم الطرق والشوارع والميادين التي كانت حيوية قبل بدء الحرب، حيث تم تجريفها بشكل كامل.
وعلى هذه الطرقات المدمرة، انتشرت جثث الشهداء المتحللة، حيث يقول عبد اللطيف، إن "القناصة التي كانت منتشرة فوق الأبراج السكنية المرتفعة كانت تستهدف المواطنين أثناء تنقلهم في المنطقة، ما أدى إلى مقتل عدد منهم وبقائهم في وسط الشارع لتعذر وصول طواقم الإنقاذ لإسعافهم أو انتشالهم".
ولم يقتصر التدمير على المباني السكنية، بل امتد إلى شبكات المياه والصرف الصحي وخطوط الاتصالات والكهرباء، ما تسبب بتسرب المياه العادمة إلى الشوارع وشاطئ البحر.
وأعلنت بلدية غزة في 23 ديسمبر/ كانون الثاني الماضي، انهيار منظومة الخدمات الأساسية في مدينة غزة وتعمق الكوارث الإنسانية والبيئية والصحية مع "استمرار العدوان الإسرائيلي المدمر، ونفاد الوقود اللازم للعمل، وتدمير معظم مرافق البلدية وآلياتها ومركباتها".
مدن أشباح
وفي حي النصر (شمال غزة) وبالتحديد قرب "مفترق اللبابيدي"، لم يكن وقع الدمار أقل صدمة على الشاب رأفت أبو النور (34 عاما).
يقول أبو النور للأناضول، إن غالبية المباني السكنية إن لم تتعرض للاستهداف المباشر فإنها أصيب بأضرار بالغة أو متوسطة.
ويضيف: "الكثير من المباني قد تكون آيلة للسقوط، جراء تعمد الطائرات الإسرائيلية تنفيذ أحزمة نارية في هذه المنطقة".
ويفيد بأن تجريف الشوارع المعبدة أخفى معالم الأحياء السكنية، لدرجة أن يفقد الإنسان القدرة على التركيز إن كان هذا المبنى هو الذي يسكن به أم لا، على حد وصفه.
ويختم قائلا: "مثل مدن الأشباح، هكذا أحالت الحرب معظم أحياء مدينة غزة، بلا سكان ولا صوت، رغم أنها كانت من أكثرها حيوية فشوارعها رئيسية وأسواقها مركزية".
المصدر: الأناضول