مهندس طيران ومخترع تونسي درس الهندسة وعمل طيارا وعاش سنوات طويلة منفيا بين عدة دول عربية، ثم عاد إلى وطنه إثر ثورة 2011. انضم في المهجر إلى كتائب عز الدين القسام التي ساعدها في صناعة الطائرات دون طيار، وعُثر عليه مقتولا بالرصاص في بلده عام 2016، فنعتْه القسام متهمة إسرائيل بقتله.
المولد والنشأة
وُلد محمد الزواري في أواخر شهر يناير/كانون الثاني عام 1967، لأسرة محافِظة في صفاقس جنوبي تونس.
تلقى الزواري تعليما دينيا إلى جانب التعليم النظامي، وأكمل دراسته الثانوية ثم التحق بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس.
وبعد عودته من منفاه إلى تونس عام 2011، سجل للدكتوراه في المدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس، وعمل على رسالة تخرجه التي كانت حول اختراع غواصة تعمل بنظام التحكم عن بُعد، كما كانت رسالة تخرجه في مرحلة ما قبل الدكتوراه عن صناعة الطائرات دون طيار.
الوظائف والمسؤوليات
عمل الزواري في المنفى مهندسا بإحدى الدول العربية، وبعد رجوعه إلى بلاده اشتغل مديرا فنيا في إحدى شركات الهندسة الميكانيكية، وأستاذا جامعيا في المدرسة الوطنية للمهندسين.
وتفيد مصادر بأنه كان طيارا في شركة الخطوط الجوية التونسية، وأسس الزواري وترأس "نادي طيران الجنوب النموذجي بصفاقس"، وكان يدرب فيه الشباب التونسي على تصنيع الطائرات من دون طيار، وفيه صنع مسيّرة جوية عام 2015.
وجرّب مسيّرته بمنطقة سيدي منصور التابعة لبلدية صفاقس، كما كان عضوا في "نادي علوم وقيادة".
وكان تمويل النادي والتدريب يتولاه الزواري، الذي علّم الطلاب طرق تصنيع الطائرات بأبسط المواد.
وبعد تمكنه في مجال المسيّرات الجوية، قرر الزواري العمل على تصميم غواصة تعمل بالتحكم عن بُعد لتكون سلاحا للمقاومة الفلسطينية، وتطوير المسيّرات البحرية كذلك.
رحلة التخفي
انضم الزواري في شبابه لصفوف حركة الاتجاه الإسلامي التونسية، التي غيّرت اسمها فيما بعد فأصبحت "حركة النهضة"، وكان أحد نشطاء "الاتحاد العام التونسي للطلبة" المحسوب على الحركة، وكان نشاطه السياسي سببا في الملاحقة الأمنية من قِبَل نظام الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي.
اعتقِل الزواري بعد الأحداث الدامية التي ارتكبتها السلطات الأمنية يوم 8 مايو/أيار عام 1991 في عدة جامعات تونسية، وكانت تتويجا لحملة أمنية على "الاتحاد العام التونسي للطلبة"، بدأت بصدور قرار تجميد أنشطته يوم 29 مارس/آذار 1991.
وبعد الإفراج عنه غادر تونس فتنقل بين ليبيا -التي أقام فيها مدة قصيرة- والسودان وسوريا، وتزوج بسيدة سورية اسمها ماجدة عام 2008.
وعمل في منفاه قرابة 20 عاما قبل أن يعود إلى تونس إثر اندلاع ثورتها وإسقاط نظام بن علي في 14 يناير/كانون الثاني 2011.
وبعد عودته وتخرجه، عمل الزواري أستاذا جامعيا بالمدرسة الوطنية للمهندسين، وفي تلك المرحلة أسس مع بعض طلبته وجماعة من الطيارين المتقاعدين نادي الطيران النموذجي بالجنوب.
ويقول عنه صديق طفولته محمد الصامت "الزواري كان أيقونة، وكان متفوقا في كل المجالات، ويحظى بمحبة كل الناس أينما حل"، كما قال إنه لوحق أمنيا عام 1991 واضطر للاختفاء.
وحينها اتخذ لنفسه اسم "مراد"، واشترى جواز سفر بهذا الاسم، وكانت عائلته وزوجته ينادونه به، وبه خرج من تونس، وعاش به في الغربة حتى سقوط النظام التونسي عام 2011.
تقول زوجة الراحل في وثائقي مع الجزيرة إنه لم يخبرها باسمه الحقيقي إلا بعد عام ونصف العام من زواجهما، لكنها لم تدعه باسم محمد أبدا حتى بعد وفاته.
ولم تكن زوجته ماجدة تعلم بعمله مع المقاومة الفلسطينية، إذ كان يقول إن سفره كان ليراقب شركته المختصة بالطيران، ولم تعلم بذلك إلا بعد استشهاده.
وفي السودان التحق بمنشأة للتصنيع، وعمل مع مدير المصنع رضا التونسي، الذي يقول إن الزواري ساعده في التصميم والتصنيع، وبعد خروجهما من السودان اشترت المصنع جهة حربية.
واشترطت تلك الجهة أن يعمل "الزواري" معها في التصنيع الحربي، وعمل معها حتى انتقاله إلى سوريا عام 2006.
انضمام الزَّوَاري لحماس
أثناء إقامته في سوريا؛ ربطت الزواري علاقات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) فكان مقربا منها، وتعاون فيما بعد مع جناحها العسكري كتائب عز الدين القسام، فاستفادت الكتائب من مهاراته العلمية في تنفيذ بعض مشاريعها.
وكان انضمامه لكتائب القسام عام 2006، وبدأ حينذاك بالعمل على صنع طائرة ذاتية القيادة ضمن مشروع لحماس كان ما يزال حينذاك في بداياته، بالتعاون مع أحد ضباط الجيش العراقي.
وبحلول العدوان على غزة عام 2008، كان الزواري وفريق متخصص من الجناح العسكري لحماس؛ قد صنعوا 30 طائرة مسيّرة.
وقضى بين عامي 2012 و2013 تسعة أشهر في قطاع غزة، استكمل فيها مشروعه، وأشرف على صنع طائرة "أبابيل"، التي استخدمت في الحرب مع الاحتلال عام 2014.
وكان الزواري قد زار إيران قائدا لفريق متخصص من مهندسي كتائب عز الدين القسام، حيث التقوا خبراء مختصين في صناعة المسيّرات الجوية.
وتفاجأ الإيرانيون حينها من المستوى العالي لفريق المقاومة، إذ كان قادرا حينها على تصنيع الطائرة وإطلاقها يدويا.
وصمم الإيرانيون برنامجا تدريبيا استغرق 6 أشهر، وكان على مراحل (الطيران والاتصال والتحكم والتصنيع).
وعمل الزواري في فلسطين على مشروع "غراب"، الذي واجهته بعض التحديات المتعلقة بالحجم والإمكانات، وتكوّن فريق بقيادته في غزة وأنجز المشروع.
وزار غزة بعد تلك الزيارة الأولى لوحدة تصنيع طائرات المقاومة التي أنتجت طائرات الأبابيل مرتين، مرة في عام 2012 وعام 2013، وفي كلتا الزيارتين كان يستكمل العمل في مشروع "غراب".
لم يعرف إلا بعد اغتياله
إثر إعلان اغتيال الزواري في 17 ديسمبر/كانون الأول 2016، أصدرت كتائب القسام بيان نعي، أكدت فيه أن الزواري التحق بصفوفها وعمل فيها قبل 10 سنوات.
وقال بيان كتائب القسام إن الزواري كان "أحد القادة الذين أشرفوا على مشروع طائرات الأبابيل القسامية"، التي كان لها دور في حرب "العصف المأكول" مع إسرائيل عام 2014.
واتهمت القسامُ إسرائيلَ بالوقوف وراء اغتيال الزواري، ولمّحت إلى إمكانية الرد على هذه العملية لأنها "اعتداء على المقاومة الفلسطينية".
وتعد هذه المرة الأولى التي يصدر فيها بيان من القسام يتبنى موهبة وخبرة عربية من غير الجنسية الفلسطينية.
وبدورها، أكدت وسائل إعلام إسرائيلية دور الزواري في تطوير القدرات العسكرية لحماس؛ فقد ذكرت القناة الثانية الإسرائيلية وموقع "والا" العبري أنه شارك في معسكرات الحركة بكل من سوريا ولبنان وكان كثير التردد على تركيا.
وأضافت أنه زار قطاع غزة 3 مرات عبر الأنفاق، فقدم للمقاومة الفلسطينية معلومات مهمة، وأشرف على تطوير برنامج القسام العسكري، ولا سيما مشروع "طائرات أبابيل" حيث برزت قدراته الهندسية ونبوغه التكنولوجي.
الوفاة
اغتيل محمد الزواري يوم 15 ديسمبر/كانون الأول عام 2016، بإطلاق شخصين مجهولين 20 رصاصة عليه وهو في سيارته أمام منزله بمنطقة العين في محافظة صفاقس بتونس.
وقد أطلِق الرصاص من مسدسيْن كاتميْن للصوت، فاستقرت 8 رصاصات في جسده خمس منها في جمجمته.
وأعلنت السلطات التونسية توقيف 5 أشخاص يشتبه بتورطهم في عملية الاغتيال ومصادرة تجهيزات.
وفي حين طالب حزب حركة النهضة السلطات الأمنية بكشف المنفذين قائلا إن "عملية الاغتيال تهدد أمن التونسيين واستقرار تونس"؛ وجهت حماس ومقربون من الزواري فورا أصابع الاتهام باغتياله إلى إسرائيل وجهاز مخابراتها (الموساد)، نظرا لدور الشهيد الزواري في تحسين القدرات التكنولوجية للمقاومة الفلسطينية.
وقال موآف فرادي مراسل إحدى القنوات الإسرائيلية إن الزواري كان يمتلك معلومات تكنولوجية قيّمة لم تكن موجودة في قطاع غزة، وهو ما جعل انضمامه لحماس مهما.
وقال رونين بريغمان، المحلل الأمني الإسرائيلي المعروف بعلاقاته الوثيقة بالاستخبارات الإسرائيلية إن الاتهامات الموجهة إلى جهاز الموساد بالمسؤولية عن اغتيال الزواري "لا تخلو من الصحة"، مؤكدا أن منفذي الاغتيال "تمكّنوا بالفعل من مغادرة تونس".
أما أورن هيلر -معلق الشؤون العسكرية في القناة العاشرة الإسرائيلية- فأشار إلى أن إسرائيل كانت تخشى "مما كان يمكن أن يفعله الزواري في المستقبل".
وقال إن حماس سعت للاستعانة به في "إنتاج طائرات دون طيار انتحارية وقادرة على ضرب أهداف في عمق إسرائيل بأقل قدر من المخاطرة على مقاتليها".
حي بعد اغتياله
أحيت ذكر الزواري مرة أخرى عملية "طوفان الأقصى"، التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام فجر يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكان ذلك الإحياء بتسمية الكتائب لمسيرة بحرية وأخرى جوية باسم "الزواري". وأكدت بعض المصادر أن 30 طائرة من الطائرات المستخدمة في "طوفان الأقصى" من صنعه.
وقالت حماس إن مسيّرات "الزواري" مهّدت لعبور مقاتلي كتائب القسام إلى الأراضي المحتلة، كما أشادت بجهود الشهيد في القدرة على ضرب قوات الاحتلال دون الحاجة للمخاطرة بأرواح جنود المقاومة.
موقف تونس من اغتيال الزواري
قالت وزارة الداخلية التونسية إنها تعرف هويات مغتالي محمد الزواري، وأشارت إلى أن عملية اغتياله قد كلّفت الموساد أموالا طائلة.
وكان منفذو الاغتيال قد قدّموا أنفسهم للجامعة التي يطوّر فيها الزواري أبحاثه، على أنهم مهتمون بالطائرات المسيّرة، كما كشفت التحقيقات التي أجرتها تونس أن هاتفه قد اخترق ما سمح للقتلة بتتبّع موقعه ومراقبته.
وكان أحد المتقدمين للجامعة يسمى كريس سميث، وقد التقى الزواري مرة، وكان من المجموعة التي خططت لاغتياله، والتي كان مقرها الرئيسي في العاصمة المجرية بودابست.
وطالبت تونس عدة دول بتسليم المتهمين، في مذكرات قضائية أرسلتها إلى كل من السلطات البوسنية والسويدية والبلجيكية والتركية والكوبية والمصرية ودول أخرى.
المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية