وصف المدير العام لـ"المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" الدكتور عزمي بشارة، أداء المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، بعد مرور أكثر من شهرين على العدوان الإسرائيلي، بأنه "يرفع رأس أي عربي".
وفي حين شدد على أن خروج الشعوب العربية إلى الشوارع هو الغائب الأكبر رغم أهميته وقدرته على المساهمة في وقف العدوان، فإنه لم يستبعد أن تتحول الحرب إلى معركة استنزاف لأشهر أو أكثر، واضعاً سبب الفيتو الأميركي الأخير في خانة رغبة واشنطن باستمرار الحرب.
أداء المقاومة
وقال المفكر العربي في حوار مع "تلفزيون العربي" من مدينة لوسيل في دولة قطر، إن سلوك المقاومة ومفاجأة إسرائيل به يوحي بأن الفصائل الفلسطينية استعدت جيداً لنية الاحتلال اجتياح غزة بدليل أعداد المصابين والقتلى الذين تعترف بهم إسرائيل بين صفوف جيشها، مذكراً بأن الإعلان الرسمي يتحدث عن ألفَي جريح بينما تكشف صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنهم خمسة آلاف.
وبالنسبة لبشارة، فإن أداء المقاومة "يرفع رأس أي عربي" ويحرج خصوم الشعب الفلسطيني، وفضّل استخدام مصطلح "إفشال العدوان" في وصف ما يحصل حالياً، على تعبير "الانتصار". وتساءل بشارة في هذا السياق: إذا كانت إسرائيل مُفاجأة من قدرات حماس الهجومية، فلماذا تدعي معرفة قدراتها الدفاعية؟ وأشار إلى أنه مثلما ارتبكت إسرائيل في الرد على عملية 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإنها في الهجوم البري أيضاً لم تكن مستعدة، ذلك أنها أخفقت في بلورة ماذا يعني الهدف العام للاجتياح البري، أي "القضاء على حماس".
وعن هذا الموضوع، لاحظ بشارة أن المنطق الاستعماري الاستيطاني لإسرائيل في تعاطيها مع الفلسطينيين بفوقية وبجهل وباحتقار، يؤدي إلى نتائج عكسية على صاحبه، لأن هذه العقلية تمنع الاحتلال من فهم عدوه ومعرفة قدراته، وبالتالي المفاجأة بعملياته، وهذا ما يحصل اليوم في مواجهة المقاومة.
وعن توقعاته لمآلات الحرب، اعتبر المفكر العربي أنّ "علينا أن نعرف تماماً حجم ما أُلحق بقطاع غزة وبالشعب الفلسطيني، مع عدم معرفتنا بمآل الأمور، وقد ينتهي الأمر بحرب استنزاف لأشهر أو أكثر".
وعن اعتقال المدنيين في شمال غزة قبل أيام وتصويرهم شبه عراة، رأى بشارة أن الهدف من ذلك بشكل أساسي هو معاقبة صمود هؤلاء في مناطقهم شمالي القطاع. وجزم بأن صور هؤلاء الشباب "لا تقلل من كرامتهم أمامنا، بل تقلل من كرامة الجنود الإسرائيليين".
وفي سياق متصل، لفت بشارة إلى أن القول إن الشعب الفلسطيني "يعشق الموت" كلام مهين للفلسطينيين، لذلك ليست صحيحة نظرية أن علينا الاستخفاف بصور مأساة الشعب الفلسطيني والتركيز فقط على صور المواجهات والمقاومة.
خروج الشعوب العربية إلى الشوارع
وتوقف الدكتور بشارة عند ما يعتبر أنه ينقص المشهد، وهو خروج الشعوب العربية إلى الشوارع. وقال عن هذا الموضوع إنه "ما دام احتمال تحرك الأنظمة العربية الرئيسية مستبعداً، فإنّ خروج الشعوب العربية إلى الشوارع هو ما ينقص المشهد ومن شأنه أن يساهم في وقف الحرب، ذلك لأن أميركا عندها قد تشعر فعلاً بأنّ ما تقوم به إسرائيل يشكل خطراً على الاستقرار في المنطقة وفي البلدان العربية الرئيسية".
في المجمل، فإن الموقف العربي برأي المفكر العربي هو "موقف متفرج"، وتخوّف من أننا في صدد إعطاء إسرائيل الفرصة حتى نهاية العام الحالي لتدمير قطاع غزة تماماً، فيصبح غير قابل للحياة، والتمركز بعدها داخل القطاع والبدء بتنفيذ عمليات خاصة واغتيالات. وخلص إلى اعتبار أن "معيار تأييد الشعب الفلسطيني اليوم ليس الاستعراض على السوشال ميديا بل الخروج إلى الشارع".
وفي ما يتعلق بجولة الوفد المنبثق من القمة العربية ــ الإسلامية المشتركة في عدد من عواصم العالم، لاحظ بشارة أنه "لا توجد إرادة مشتركة لفعل أكثر مما تقوم به" مجموعة الدول العربية والإسلامية، ذلك أن الجولة "علاقات عامة جيدة" ولكنها ليست أكثر من ذلك.
وعلى حد تعبيره، فإنّ بعض الدول العربية التي كانت متحمسة لأن تقضي إسرائيل على حركة حماس، بدأت الآن تشعر بأن إسرائيل صارت تشكل خطراً في مغامرة غير محسوبة قد تؤدي إلى عدم استقرار. وقد أفسدت عملية السابع من أكتوبر، وفق المدير العام لـ"المركز العربي"، مشروعاً أميركياً كبيراً يقوم على مواجهة الصين وبناء محور إسرائيلي ــ عربي يحفظ الاستقرار في الشرق الأوسط.
ورداً على سؤال حول عمل الحوثيين على تهديد حركة السفن الإسرائيلية أو المتجهة إلى إسرائيل في مضيق باب المندب والبحر الأحمر، أجاب بشارة بأن ذلك بدأ يؤثر اقتصادياً فعلاً على إسرائيل "وذلك بخطاب عقلاني" يرسم معادلة أن حصار غزة يقابَل بحصار إسرائيل بحرياً.
وذكّر بأنه لو نفذت الدول العربية قرار كسر الحصار على غزة، لما كان أُفسح مجال أمام غير العرب كإيران لتكون سنداً لـ"حماس" التي تفضّل لو تدعمها بلدان عربية مثل السعودية مثلاً. وكرر بشارة رأيه الذي يفيد بأنه ليس مطلوباً من البلدان العربية إعلان الحرب على إسرائيل بل اتخاذ خطوات تعود عليها بالفائدة في النفوذ السياسي وفي مفاوضات "اليوم التالي" وفي معادلات القوة الإقليمية عموماً. ووضع السلوك العربي الحالي في إطار "المضرّ للأمن الوطني لكل دولة عربية على حدة".
الفيتو الأميركي والخسارة الأخلاقية
وعن الفيتو الأميركي في مجلس الأمن الدولي رفضاً لمشروع القرار الداعي إلى وقف إطلاق النار، ذكّر بشارة بأن الجلسة عُقدت بناء على تفعيل الأمين العام للأمم المتحدة المادة 99 من ميثاق المنظومة الدولية. ولاحظ أن أنطونيو غوتيريس تأخر في خطوته، ولكنه أقدم عليها في النهاية. واستدرك بشارة بأن مشروع القرار المرفوض فيه بنود ضد حركة حماس ورغم ذلك رفضته أميركا.
وأوضح أن سبب الفيتو الأميركي هو أن واشنطن تريد استمرار الحرب وهو ما يجاهر المسؤولون الأميركيون به صراحةً بهدف جعل قطاع غزة مكاناً غير صالح للحياة. ووصف بشارة ما حصل في نيويورك قبل يومين، بأنه خسارة أخلاقية غير مسبوقة لأميركا ربما منذ ما قبل حرب العراق.
واسترسل بشارة حول مسألة الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن باعتبارها إرثاً استعمارياً (باستثناء عضوية الصين وروسيا فيه)، من هنا تنبع ضرورة إصلاح نظام مجلس الأمن غير القابل للاستمرار بهذه الشاكلة. وتابع أن الدول دائمة العضوية هي من تقاوم وستقاوم أي تغيير وأي إصلاح لنظام مجلس الأمن.
وعاب على المجموعة العربية في الأمم المتحدة أن دورها يقتصر على مشروع قرار يتم رفضه بصوت واحد (أميركا). واختصار المشهد في ما يتعلق بقضية فلسطين بأنه على الشكل التالي: إسرائيل تفرض إرادتها على أميركا وأميركا تفرض إرادتها على العالم.
وعن بقية سلوكيات الدول الغربية الرئيسية، استبعد المفكر العربي أي تغيير في الموقف الرسمي لبريطانيا حيال القضية الفلسطينية، أما فرنسا فهي برأيه "تبحث عن دور ومحاولة تمايز في السياسة الخارجية"، مع تأكيده أن سلوك باريس عموماً لا يزال يشوبه تحريض وقمع لأي صوت يتضامن مع الفلسطينيين في غزة، مع تصدر فرنسا "موضة" معاداة السامية، وهو ما يترجِم نزعة "تأمرُك" في فرنسا تمأسست منذ عهد الرئيس نيكولا ساركوزي وتتعمق أكثر اليوم.
وأوضح بشارة أن الوعي العالمي بعدالة القضية الفلسطينية بات يضعها في خانة بقية القضايا العالمية، معرباً عن ثقته بأن ما تمارسه دول ودوائر أساسية في الغرب من اضطهاد وإرهاب فكري ضد مؤيدي عدالة القضية الفلسطينية في الجامعات والمؤسسات والفنون والثقافة، يصعب أن يدوم، "وما ينقص المشهد مجدداً هو غياب فاعل عربي صاحب وزن في العالم".
المصدر: العربي الجديد