أدانت العديد من الدول ومنظمات دولية استخدام الولايات المتحدة حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن الدولي، ضد مشروع قرار طالب بـ"الوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية" في قطاع غزة الفلسطيني.
وجاءت الإدانات بعد يوم واحد من استخدام الولايات المتحدة الفيتو، خلال جلسة طارئة للتصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الذي قدمته الإمارات، وشاركت فيه نحو 100 دولة.
ولم يتمكن مجلس الأمن الدولي من اعتماد مشروع القرار، بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض، وأيد 13 عضوا من أعضاء المجلس الـ15 المشروع، مع امتناع المملكة المتحدة عن التصويت.
"وصمة عار"
الخارجية الفلسطينية، قالت في بيان، إنها "تنظر بخطورة بالغة لفشل مجلس الأمن الدولي، باتخاذ قرار وقف إطلاق النار الإنساني في قطاع غزة للمرة الثانية منذ بدء العدوان بسبب الفيتو الأمريكي"، مؤكدة أن هذا "امتداد لازدواجية معايير دولية بائسة"، موجهة الشكر لمن تبنى القرار.
بدوره، قال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، في بيان، إن إخفاق مجلس الأمن في تمرير مشروع قرار لوقف العدوان في قطاع غزة بسبب استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) "وصمة عار ورخصة جديدة لدولة الاحتلال لمواصلة التقتيل والتدمير والتهجير".
وشدد رئيس الوزراء الفلسطيني على أن "استخدام الفيتو يكشف أكذوبة الحرص على أرواح المدنيين".
فيما أكد عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" عزت الرشق، في بيان أن عرقلة الولايات المتحدة لوقف الحرب بغزة "مشاركة مباشرة لإسرائيل في قتل أبناء الشعب الفلسطيني"، معربا عن إدانته للفيتو.
انتقادات متصاعدة
وقال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في تصريح للأناضول، السبت، إن "واشنطن ظلت وحيدة" بخصوص تأييد مواصلة الحرب على غزة، وذلك تعليقاً على مشروع قرار وقف إطلاق النار، الذي اعترضت عليه الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي.
وتعليقا على الفيتو ، قال وزير خارجية السعودية الأمير فيصل بن فرحان، في لقاء مع قناة PBS الأمريكية: "نختلف مع واشنطن بقرارها، و نشعر بخيبة أمل كبيرة لأن مجلس الأمن لم يتمكن من اتخاذ موقف حازم"، وفق ما نقلته قناة الإخبارية السعودية الرسمية.
من جانبه، انتقد وزير خارجية سلطنة عمان، بدر البوسعيدي، في تغريدة عبر حسابه بمنصة "إكس"، الموقف الأمريكي، قائلا: "استخدام حق النقض في مجلس الأمن يشكل إهانة مخزية للمعايير الإنسانية"، معربا عن أسفه لتضحية واشنطن بحياة المدنيين الأبرياء.
فيتو قبيح
وفي معرض إدانته الشديدة واحتجاجه على الفيتو الأمريكي، قال رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم: "باسم الحكومة الماليزية، أدين بشدة وأحتج على استخدام الولايات المتحدة الفيتو على مشروع قرار لوقف إطلاق نار إنساني عاجل في غزة".
وشدد رئيس الوزراء الماليزي، في تصريحات أدلى بها للصحفيين، على ضرورة "وضع حد لجرائم قتل المدنيين والأطفال الرضع والنساء في غزة"، معبرا عن أسفه الشديد جراء الفيتو "القبيح"، لتغاضيه عن رؤية صرخات ومناشدات المجتمع الدولي.
بدوره، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، "أثبتت الحكومة الأمريكية مرة أخرى أنها الفاعل والعامل الرئيسي في قتل المدنيين والمواطنين الفلسطينيين، وخاصة النساء والأطفال، وتدمير البنية التحتية الحيوية في غزة"، حسب وكالة "إرنا" المحلية الرسمية.
وأضاف كنعاني: "منذ بداية الغزو الوحشي للنظام الصهيوني، الذي يقتل الأطفال على غزة، أثبتت الولايات المتحدة مرارا وتكرارا تحالفها وتعاونها مع نظام الفصل العنصري الإسرائيلي في ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد الأمة الفلسطينية".
مخيب للآمال
فيما وصفت الصين الفيتو الأمريكي ضد قرار وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة بأنه أمر "مخيب للآمال ومؤسف".
وقال تشانغ جون، مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة: "من المخيب للآمال والمؤسف للغاية أن يتم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي يطالب بوقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية في غزة".
وقال تشانغ، إن مشروع القرار يضم نحو 100 دولة، وأن الصين واحدة منهم، موضحا "رغم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد القرار، إلا أن وجهة النظر الغالبة للمجتمع الدولي واضحة؛ وقف إطلاق النار الإنساني الفوري هو الأولوية القصوى".
وشدد "لن نتوقف، بل سنواصل بذل جهودنا لإنقاذ الأرواح، ودعم العدالة، والسعي لتحقيق السلام".
وفي بيان منفصل، قال تشانغ، إن "التغاضي عن استمرار القتال، مع الادعاء بالاهتمام بحياة وسلامة سكان غزة والاحتياجات الإنسانية هناك، أمر متناقض".
وأضاف "بعبارة أخرى فإن التغاضي عن استمرار القتال في غزة مع الدعوة إلى منع امتداد النزاع هو خداع للنفس، وكذلك التغاضي عن استمرار القتال مع الإشارة إلى حماية النساء والفتيات وحقوق الإنسان هو نفاق واضح".
وأشار إلى أن "كل ما سبق يوضح مجدداً مدى ازدواجية المعايير". كما حث إسرائيل على الاستجابة لنداء المجتمع الدولي ووقف "العقاب الجماعي" لشعب غزة، معربا عن تأييد بلاده "المزيد من الوساطة الدبلوماسية لتعزيز الإفراج المبكر عن جميع الأسرى".
واختتم مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة حديثه بالقول إننا "ندعو جميع الأطراف المعنية إلى بذل كل الجهود لتحقيق الهدف المشترك المتمثل في إنهاء القتال في غزة، والحفاظ على أمل البقاء للشعب الفلسطيني، وبالتالي الحفاظ على الأمل في السلام في منطقة الشرق الأوسط".
أما منظمة التعاون الإسلامي، التي تضم 57 عضوا، قالت في بيان إن " الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي حسين إبراهيم طه، أعرب عن خيبة أمله واستنكاره لفشل مجلس الأمن الدولي في التصويت لصالح قرار حاسم لوقف إطلاق النار في غزة".
وأضاف طه، أن "هذا الفشل ينعكس سلبا على دور مجلس الأمن الدولي في حفظ السلم والأمن الدوليين، وحماية المدنيين الأبرياء، ووضع حد للوضع الإنساني المتدهور نتيجة استمرار العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة".
وحذر من أن "فشل مجلس الأمن الدولي في تحمل مسؤولياته في هذه المرحلة الحرجة يمنح الاحتلال الإسرائيلي فرصة لمواصلة وتصعيد عدوانه ضد الشعب الفلسطيني"، مشيدا بـ"مواقف كافة الدول الداعمة لمشروع القرار في مجلس الأمن الدولي".
وشدد الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي على "ضرورة مواصلة الجهود لتحقيق وقف فوري لإطلاق النار، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وتوفير الحماية الدولية لقطاع غزة والشعب الفلسطيني".
واشنطن متواطئة في المذبحة
وفي إطار تنديدها بالفيتو الأمريكي، قالت "أفريل بينوا"، المديرة التنفيذية لمنظمة أطباء بلا حدود في الولايات المتحدة، إن استخدام واشنطن لحق النقض ضد وقف إطلاق النار في غزة يجعلها "متواطئة في المذبحة" بالقطاع.
وأفادت بينوا في بيان للمنظمة الدولية، بأنه "بينما تستمر القنابل في الهطول على المدنيين الفلسطينيين وتسبب دماراً واسع النطاق، استخدمت الولايات المتحدة مرة أخرى قوتها لعرقلة محاولة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة للمطالبة بوقف إطلاق النار في غزة".
وأضافت أنه "من خلال استخدام حق النقض ضد القرار، تقف الولايات المتحدة وحدها في الإدلاء بصوتها ضد الإنسانية، ويجعلها ذلك متواطئة في المذبحة في غزة"، مشيرة إلى أن "حق النقض الأمريكي يتناقض بشكل حاد مع القيم التي تدعي (واشنطن) أنها تتمسك بها".
وتعد هذه المرة الثانية التي تستخدم فيها واشنطن "الفيتو" ضد مشروع قرار بمجلس الأمن بشأن غزة، حيث استخدمته لأول مرة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ضد مشروع قرار بالمجلس قدمته البرازيل، ويطالب بهدنة إنسانية في قطاع غزة.
وحصل القرار حينها على 12 صوتا مؤيدا، مقابل صوت واحد رافض، وامتناع روسيا والمملكة المتحدة عن التصويت.
والجمعة، طالب مشروع القرار بالوقف الفوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، وكرر مطالبته جميع الأطراف بأن تمتثل لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني وخاصة فيما يتعلق بحماية المدنيين.
كما طالب بالإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع "الرهائن"، وبضمان وصول المساعدات الإنسانية.
ويشن الجيش الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، حربًا مدمرة على قطاع غزة، خلّفت حتى مساء الجمعة، 17 ألفا و487 شهيدا، 70 بالمئة منهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى 46 ألفا و480 جريحا، فضلا عن دمار هائل في البنية التحتية و"كارثة إنسانية غير مسبوقة"، بحسب مصادر رسمية فلسطينية وأممية.
المصدر: وكالات