خلص مقال بمجلة "فورين أفيرز" الأميركية إلى أن هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل في السابع من الشهر الماضي، تسبب فيما يمكن اعتباره التحدي الأشد خطورة على إستراتيجية الولايات المتحدة في المنطقة "منذ اندلاع ثورات الربيع العربي والحروب الأهلية" التي زلزلت بعض الدول العربية بدءا من عام 2011.
يقول كاتبا المقال وهما الباحثة جينيفر كافانا وزميلها في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي فريدريك ويري، إن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والخسائر الفادحة في الأرواح أثارت مشاعر العداء للولايات المتحدة على نطاق واسع في جميع أرجاء المنطقة، ودفع "وكلاء إيران" إلى شن هجمات على العسكريين الأميركيين في العراق وسوريا.
ويعتقد الكاتبان أن الطريقة التي سيروِّض بها الرئيس الأميركي جو بايدن وإدارته تصرفات إسرائيل إضافة إلى التداعيات الجيوسياسية الأوسع للحرب، سيكون لها عواقب بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي وكذلك على قدرة واشنطن على مواجهة الخصوم وردعهم في المنطقة وأماكن أخرى.
ولكن مع بقاء المخاطر عالية فإن ذلك يتجلى بوضوح، وفقا لرأي الكاتبين، في توافد قوات عسكرية أميركية إضافية إلى المنطقة خلال الشهر الماضي، بما في ذلك حاملات الطائرات والطائرات المقاتلة وأكثر من 1000 جندي، ونشر أنظمة دفاع جوي إضافية في دول عربية يصفها المقال بأنها من شركاء الولايات المتحدة.
والقصد من هذه التحركات -كما يقول الكاتبان- ينطوي على تصميم الولايات المتحدة لردع إيران عن محاولة تصعيد الأزمة باستغلال "شبكة عملائها"، مثل حزب الله اللبناني، لشن هجمات على إسرائيل من لبنان وسوريا ومناطق أخرى.
إذكاء جذوة الصراع
ولكن بتوسيع رقعة وجودها العسكري في المنطقة، فإن واشنطن قد تفاقم التوترات الإقليمية، وخطر سوء التقدير وما يترتب عليه من تكاليف، وبالتالي تذكي، عن غير قصد، جذوة الصراع ذاته الذي تسعى بشدة إلى تجنبه.
كما أن إدخال واشنطن معدات عسكرية وأفرادا قد يؤدي إلى أن ينتهي بها الأمر إلى التورط في التزامات أمنية "مفتوحة" تجاه منطقة كانت تحاول حتى وقت قريب "انتشال نفسها منها".
وقد أثبت نهج الولايات المتحدة المتمثل في شعار "الأمن أولا" في المنطقة -عقب انسحابها من أفغانستان وإنهاء عملياتها القتالية في العراق عام 2021- أنه مكلف، من حيث الأموال والأرواح، كما أنه مدمر للمنطقة، بعد أن ساهمت في سنوات من الحروب والتمرد والخراب الاقتصادي، على حد تعبير كافانا وويري في مقالهما المشترك.
ثغرات في أماكن أخرى
ومع تزايد وجود الولايات المتحدة مرة أخرى، فإن مشاركتها العسكرية الواسعة في المنطقة قد تستمر إلى ما بعد انتهاء الأزمة الحالية، وربما يسهم ذلك في تمددها، الأمر الذي من شأنه أن يُحدث ثغرات في أماكن أخرى على المدى الطويل، لا سيما في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
ونظرا إلى هذه المخاطر، فإن سياسة واشنطن حيال المنطقة بحاجة ماسة لتصحيح مسارها، كما يقترح الباحثان، "وقد صح هذا قبل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كما يصدق الآن أكثر من ذي قبل".
ويمضي الكاتبان إلى القول إن إدارة الرئيس جو بايدن لم تلمّح إلى أي تعديلات قصيرة أو طويلة المدى تهدف إلى معالجة إخفاقات ومخاطر الإستراتيجية الحالية. وبدلا من ذلك، أعادت التزامها بنهج أمني "شديد الوطأة" يعتمد على عمليات انتشار عسكرية أميركية غير مسبوقة، وتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية كأساس لكتلة أمنية جديدة في المنطقة بقيادة الولايات المتحدة.
الاستثمار في بناء قدرات الشركاء
وينصح المقال الإدارة الأميركية بالاستثمار في بناء قدرات ومرونة شركائها الإقليميين حتى يتمكنوا من العمل معا بشكل أكثر فعالية للحفاظ على الاستقرار وإدارة التحديات الأمنية بدعم أقل من الولايات المتحدة.
وحده هذا النهج ذو الشقين كفيل بدفع واشنطن نحو إرساء سياسة "متوازنة" في المنطقة تتجنب الإفراط في التمدد، لكن عليها طمأنة شركائها وتفادي الكوارث المستقبلية، وفق المقال.
وذكر الكاتبان 3 مخاطر ينبغي على إدارة بايدن الإقرار بها ومعالجتها، وتتلخص في التصعيد ورد الفعل والتمدد.
وقد اعتمدت واشنطن منذ فترة طويلة على توفير الضمانات الأمنية والمساعدة العسكرية باعتبارها جوهر مشاركتها في المنطقة.
لكن الأزمة الإنسانية المتفاقمة بغزة، وموجات العداء لأميركا التي تجتاح العالم العربي، والخلاف الحقيقي بين الحكومات العربية وواشنطن بشأن مقاضاة إسرائيل على عدوانها، كلها عوامل يعدها الباحثان في مقالهما خطرا يهدد بتآكل الأساس الذي يقوم عليه التعاون الأمني بين الولايات المتحدة والعالم العربي، خصوصا بعد أن أصبح الوجود العسكري الأميركي في المنطقة أكثر وضوحا وإثارة للجدل.
المصدر : فورين أفيرز