تشهد مناطق قطاع غزة الذي يواجه العدوان الإسرائيلي منذ أربع أسابيع أزمات معيشية وحياتية متعلقة بالاحتياجات الأساسية للسكان في ضوء نزوح مئات الآلاف من منازلهم، إما إلى المدارس أو مراكز الإيواء أو للمناطق الوسطى والجنوبية.
وبات الحصول على مياه الشرب أو المياه المستخدمة للاستهلاك المنزلي أمراً صعباً في ضوء توقف المحطات عن العمل وصعوبة حركة شاحنات بيع المياه بسبب القصف الإسرائيلي المختلف في مناطق عدة بالقطاع البالغة مساحته الإجمالية 365 كيلومتراً مربعاً.
وإلى جانب صعوبة الحصول على المياه، فإن هناك عقبات شديدة أمام الحصول على الخبز نتيجة توقف عشرات المخابز عن العمل بفعل شح السولار والوقود اللازم للعمل، فضلاً عن نزوح الكثيرين من المناطق الموجودين فيها منذ بداية الحرب الإسرائيلية.
ويتوافد الآلاف من الفلسطينيين إلى المخابز التي بقيت تعمل بشكلٍ يومي منذ ساعات الفجر الأولى حيث يصطفون أمامها على شكل "طوابير" تقسم إلى مجموعتين؛ رجال ونساء، ويبقى على هذا الحال حتى ساعات المغرب الأولى من شدة التزاحم عليها.
وتعتبر المياه والخبز سلعتين أساسيتين من الصعب توافر أية بدائل عنها في ضوء نقص السلع الشديد جراء الحصار المشدد الذي فرضته حكومة بنيامين نتنياهو الائتلافية مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة الذي حمل اسم "السيوف الحديدية" وأطلق عليه المقاومة "طوفان الأقصى".
وبات طموح الكثير من العوائل الحصول على كميات شحيحة من الخبز يومياً يساهم في توفير وجبات الطعام الخاصة بها مع تعرض الكثير من العائلات إلى نقص في التغذية وانعدام في الأمن الغذائي مع استمرار إغلاق المعابر الحدودية التي تربط القطاع بالأراضي المحتلة وقلة الشاحنات التي تدخل من خلال مصر.
أما فيما يتعلق بالمياه فإن المتوفر منها هي مياه آبار، بعضها معالج والبعض الآخر غير معالج، إلا أنه مغاير للمياه العذبة أو المحلاة التي اعتاد سكان القطاع على شرائها في السنوات الماضية، إذ باتت المياه من الأزمات اليومية التي يأمل الفلسطينيون الحصول عليها.
في الأثناء، يقول المواطن أسامة عبد الحي إنه نزح إلى مجمع الشفاء الطبي مع الأسبوع الثاني للحرب الإسرائيلية على غزة مع عائلته المكون من 14 فرداً بعد أن تعرضت منطقته لقصف إسرائيلي عنيف، إلا أنه يواجه صعوبة يومياً في الحصول على الخبز والمياه.
ويضيف عبد الحي لـ"العربي الجديد" أنه يضطر يومياً للوقوف في "طابور" الخبز من أحد المخابز القريبة من المستشفى للحصول على ما يوازي "ربطة" ثلاثة كيلوغرامات من الخبز، وهو أمر قد لا يحصل عليه في أحيان أخرى نتيجة الكميات المحدودة.
ووفق المواطن الفلسطيني، فإن مياه الشرب تشكل هي الأخرى أزمة شديدة للنازحين في مستشفى الشفاء نتيجة ملوحة المياه الموجودة في المجمع وتوقف الكثير من محطات المعالجة عن العمل وغياب شاحنات بيع المياه عن أداء دورها جراء القصف الإسرائيلي.
وشهدت الأيام الأخيرة ارتفاعاً في أسعار بيع زجاجات المياه، بعد أن كان "صندوق المياه" الواحد المكون من 9 زجاجات يباع بمبلغ 11 شيكلاً إسرائيلياً ليصل إلى 20 شيكلاً إسرائيلياً، وهو أمر مرهق لآلاف الأسر الفلسطينية التي لا يتوفر لها دخل مالي منذ قرابة شهر. (الدولار = 4.4 شيكلات إسرائيلية).
أما الفلسطيني حاتم عبد الكريم، فيواجه هو الآخر أزمة شديدة في الحصول على الخبز جراء إغلاق الكثير من المخابز أبوابها وبقاء عدد بسيط منها تعمل فقط بأوقات محدودة لساعات لا تتجاوز 9 ساعات يومياً، في حين تعتبر أزمة السولار مشكلة بالنسبة للمخابز والمواطنين.
ويقول عبد الكريم لـ"العربي الجديد" إن الجهات الحكومية أو وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مطالبتين بالقيام بدورهما في توفير الاحتياجات الأساسية للسكان وتعزيز صمودهم في ضوء نزوح أكثر من مليون مواطن فلسطيني من مناطق سكنهم.
ويشدد على صعوبة الحياة اليومية التي يعيشها الفلسطينيون منذ بداية الحرب الإسرائيلية الجارية على القطاع عند مقارنتها ببقية الحروب وجولات التصعيد الماضية، لا سيما أن هذا هو العدوان الإسرائيلي الثاني الذي يشن على غزة بعد جولة مايو/أيار الماضي.
ومؤخراً، اتفقت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" مع المخابز في غزة على توفير الدقيق مقابل خفض أسعار بيع الخبز إلى مبلغ 4 شيكلات إسرائيلية فقط هو سعر التكلفة، وهو ما تحقق خلال الفترة الأخيرة، إلا أن هذه الكميات لا تفي باحتياجات السكان اليومية.
ورغم فتح معبر رفح جزئياً لعشرات الشاحنات لم تف الكميات القليلة من الغذاء والدواء باحتياجات القطاع البالغ عدد سكانه 2.3 مليون نسمة. وحذّر مسؤول أممي، نهاية الشهر الماضي، من أن الترتيب الراهن لإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر معبر رفح الحدودي مع مصر "محكوم عليه بالفشل"، وأدان فرض إسرائيل "عقاباً جماعياً" على سكان القطاع.
وقال المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) فيليب لازاريني: "لنكن واضحين، العدد القليل لقوافل المساعدة التي سمح لها بالدخول عبر رفح لا يقارن بحاجات أكثر من مليوني شخص عالقين في غزة". ووفق تقديرات الأمم المتحدة، كانت نحو 500 شاحنة تدخل قطاع غزة يوميا قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
العربي الجديد