بين مدن الشرق الليبي كبنغازي والبيضاء والمرج وسوسة، تعرضت درنة لأكثر الأضرار وأسوأ الخسائر جراء العاصفة المتوسطية "دانيال" التي اجتاحت سواحل البلاد الأحد.
وتجاوزت حصيلة ضحايا الإعصار 3 آلاف قتيل وآلاف المفقودين وفق تقديرات الحكومة الليبية المكلفة من مجلس النواب، مشيرة إلى أن "جل الضحايا كانوا من مدينة درنة" التي أعلنتها سلطات الشرق الاثنين مدينة منكوبة، ووصف مسؤولون ليبيون الوضع فيها بـ"الكارثي".
درنة مدينة جبلية تقع على ساحل البحر المتوسط في شرق ليبيا يحدها من الشمال البحر الأبيض المتوسط ومن الجنوب سلسلة من تلال الجبل الأخضر ويشطرها لنصفين مجرى الوادي الذي يعد من أهم معالمها.
امتلأ الوادي بمياه الأمطار التي سببها إعصار "دانيال" وارتفع مستواها بشكل غير مسبوق لتشكل "طوفانا" وضغطا هائلا على أهم سدين يحجزان المياه في الوادي فانهارا، ما أدى إلى ارتفاع أعداد الضحايا والخسائر المادية.
وبسبب انهيار السدين في الوادي الذي يعد المكان الوحيد الذي تجتمع فيه المياه المنحدرة من كافة وديان الجبل الأخضر الليبي بشرق البلاد، سجلت درنة وحدها أكثر من ألفي قتيل، وفق ما أعلن أسامة حماد رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، ومصادر طبية تحدثت للأناضول.
انهيار السدين
قال المؤرخ الليبي فرج داود الدرناوي إن "جميع مناطق شرق ليبيا عدا بنغازي تقع بمحاذاة أو وسط الجبل الأخضر الضخم، إلا أن وقوع نصف درنة تحت مجرى الوادي هو السبب في ارتفاع حجم الأضرار المادية والبشرية في المدينة".
وذكر الدرناوي للأناضول، أن "وادي درنة هو مصب لكل السيول القادمة من جنوب درنة من مناطق المخيلي والقيقب والظهر الحمر والقبة والعزيات".
بعد امتلاء وادي درنة بفعل إعصار "دانيال"، قال المؤرخ الليبي: "انهار اثنان من السدود التي كانت الضامن الوحيد لاحتباس مياه السيول المنحدرة من أعالي مناطق الجبل فكانت الكارثة المحققة".
السدان المنهاران وفق الدرناوي: "هما سد البلاد وسيدي بومنصور اللذان يحبسان في العادة مياه السيول في الوادي".
خطر دائم
المؤرخ الليبي تحدث عما سماه "التاريخ الطويل من الخذلان لوادي درنة لسكان المدينة".
وقال إن "وادي درنة هو أشهر واد في ليبيا وأبرز معالم المدينة إلا أنه في ذات الوقت يشكل مصدر خطر دائم على السكان لكونه سبق أن تسبب في كوارث مشابهة لما يعيشه السكان اليوم جراء إعصار دانيال".
ففي عام 1941، قال المؤرخ الليبي: "حدث فيضان كبير في وادي درنة وضرب المدينة وجرف من قوته دبابات وآليات حربية ألمانية إلى البحر".
كان ذلك وفق الدرناوي "أثناء الحرب العالمية الثانية، لذلك لم يتحدث أحد عن الأضرار البشرية التي وقعت آنذاك مع الجزم أنها كانت كبيرة".
أما عام 1959، فأوضح الدرناوي أن "فيضانا كبيرا آخر حدث بسبب ارتفاع مستوى المياه في الوادي أوقع قتلى ومصابين بالمئات ودمر العديد من المنازل ومن شدة قوته حركت المياه المندفعة الصخرة الكبيرة في درنة، المعروفة بصنب الزيت، إلى مسافة كبيرة من منطقة عين البلاد حتى منطقة وسط المدينة".
ويسجل المؤرخ الليبي فيضانات أخرى بسبب وادي درنة عامي 1968-1969 "لكنها لم تسجل أضرارا كبيرة وقتها" على حد قوله.
احتواء الوادي
وفي محاولة من السلطات المحلية لوضع حد لـ"الوادي المخيف"، قال المؤرخ الليبي: "بنيت السدود الحالية التي انهارت أمس الاثنين وهما سدا البلاد وبومنصور عام 1986، وبعد إنشائهما ذلك الوقت حدث تسريب في أحد السدود عبر بالوعة التصريف ما أسفر عن حدوث فيضان آخر في وادي درنة خلّف أضرارا بشرية".
لم تنقطع الكوارث الطبيعية في وادي درنة حتى في التاريخ المعاصر وفق الدرناوي، حيث "فاض الوادي عام 2011 بعد أن حاولت السلطات المحلية فتح السدود لتصريف المياه التي تراكمت وقتها بفعل الأمطار الغزيرة وكادت المدينة أن تغرق".
خسائر انهيار سدي وادي درنة طالت الممتلكات المادية للمدينة، ففي وقت سابق الثلاثاء قال الحسين سويدان، رئيس مصلحة الطرق والجسور بحكومة الوحدة الوطنية إن "شبكة الطرق والجسور في مدينة درنة شرقي البلاد انهارت بشكل كامل جراء الإعصار"، موضحا أن "تكلفة إعادة إعمارها تبلغ حوالي 300 مليون دينار" (نحو 67 مليون دولار).
(الأناضول)