شهدت دول غرب ووسط أفريقيا عشر محاولات انقلاب عسكرية، خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ما يثير التساؤلات حول أسباب انتشار "العدوى"، والقواسم المشتركة بين هذه الدول.
كان آخر هذه الانقلابات إعلان مجموعة من كبار ضباط الجيش في الغابون على شاشة التلفزيون الرسمي، خلال ليل الأربعاء الاستيلاء على السلطة وإلغاء نتائج الانتخابات بعد دقائق فحسب من إعلان فوز الرئيس علي بونغو (64 عاما) بفترة رئاسية ثالثة.
وإذا نجح هذا التحرك فسيكون ثامن انقلاب منذ 2020 تشهده منطقة غرب ووسط أفريقيا، وهي منطقة قطعت شوطا خلال العقد الماضي للتخلص من سمعتها "كحزام للانقلابات".
ثمانية انقلابات في ثلاث سنوات
يؤكد الخبير المصري في الأمن الأفريقي، اللواء، محمد عبد الواحد، في حديثه مع موقع "الحرة" أن "الانقلابات في أفريقيا زادت بوتيرة كبيرة وسريعة، فنحن رأينا حوالي عشر محاولات انقلاب ما بين فاشل وناجح خلال السنوات الثلاث الماضية، وهو ما يهدم التقدم الهش الذي تحقق".
يوضح أن الانقلاب هو محاولة غير قانونية من قبل قادة في الجيش أو المسؤولين لعزل قادة البلد من مناصبهم.
قبل محاولة الانقلاب الجارية في الغابون، كان أحدث انقلاب قد وقع في النيجر شهر يوليو الماضي، كما استولى ضباط من الجيش على السلطة في مالي وغينيا وبوركينا فاسو وتشاد مبددين بذلك جميع المكاسب الديمقراطية التي تحققت منذ حقبة التسعينيات.
ويقول عبد الواحد: "ما يجمع هذه الدول، هو الهشاشة الكبيرة من حيث مؤسساتها الضعيفة، ومؤشراتها السياسية المتدنية مثل حقوق الإنسان، كما أن سيادة الدولة غير مكتملة وغير مسيطرة على كافة المناطق، فضلا عن أن معظمها دول تعاني من فقر مدقع وظروف اجتماعية سيئة وبطالة وضغوط ديموغرافية، كما أن أزمات المناخ زادت من الفقر".
وفي النيجر، احتجز أفراد من الحرس الرئاسي، في يوليو الماضي، الرئيس محمد بازوم في قصره، وظهروا على شاشة التلفزيون الرسمي وقالوا إنهم استولوا على السلطة لإنهاء "الوضع الأمني المتدهور وسوء الحوكمة".
وبعدها بأيام أعلن المجلس العسكري قائد قوات الحرس الرئاسي عبد الرحمن تشياني رئيسا جديدا للبلاد، مما أثار مخاوف بخصوص الأمن في منطقة تعتبر النيجر فيها حليفا رئيسا للقوى الغربية التي تسعى للسيطرة على تمرد جماعات مرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
وتحاول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) التفاوض مع قادة الانقلاب العسكري، لكنها قالت إنها مستعدة لإرسال قوات إلى النيجر لاستعادة النظام الدستوري إذا أخفقت الجهود الدبلوماسية.
وسمح انقلابيو النيجر للقوات المسلحة لمالي وبوركينا فاسو بالتدخل إذا تعرضت أراضيها لهجوم.
أما في بوركينا فاسو، فقد أطاح الجيش بالرئيس روك كابوري، في يناير 2022، واتهمه بالإخفاق في التصدي لعنف متشددين إسلاميين.
وتعهد قائد الانقلاب اللفتنانت كولونيل بول هنري داميبا باستعادة الأمن، لكن الهجمات تزايدت وأثرت سلبا على معنويات القوات المسلحة مما أدى إلى انقلاب ثان، في سبتمبر 2022 واستولى قائد المجلس العسكري الحالي الكابتن إبراهيم تراوري على السلطة.
وفي سبتمبر 2021 أطاح قائد القوات الخاصة في غينيا، الكولونيل، مامادي دومبويا بالرئيس ألفا كوندي. وقبلها بعام عدل كوندي الدستور لتغيير القواعد التي تمنعه من الترشح لفترة ثالثة، الأمر الذي أدى لأعمال شغب واسعة النطاق.
وأصبح دومبويا رئيسا مؤقتا وتعهد بإجراء انتخابات ديمقراطية في غضون ثلاثة أعوام.
ورفضت إيكواس الجدول الزمني وفرضت عقوبات على أعضاء المجلس العسكري وأقاربهم شملت تجميد حساباتهم المصرفية.
وفي وقت لاحق اقترح النظام العسكري بدء الفترة الانتقالية ومدتها 24 شهرا في يناير 2023، لكن أحزاب المعارضة تقول إنه لم يفعل شيئا يذكر لوضع خارطة طريق للعودة إلى النظام الدستوري.
أما في تشاد، فقد استولى الجيش على السلطة، في أبريل 2021، بعد مقتل الرئيس إدريس ديبي في أرض المعركة أثناء تفقد قوات تحارب المتمردين في الشمال.
وينص القانون في تشاد علي أن يتولى رئيس البرلمان منصب الرئاسة في هذه الحالة لكن مجلسا عسكريا تدخل وحل البرلمان بدعوى توفير الاستقرار.
واختير الجنرال محمد إدريس نجل الرئيس ديبي رئيسا مؤقتا وأسندت إليه مهمة الإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 تمهيدا لإجراء انتخابات.
وفجر الانتقال غير الدستوري للسلطة أعمال شغب في العاصمة نجامينا أخمدها الجيش.
وفي مالي، أطاحت مجموعة من القادة العسكريين بزعامة أسيمي جويتا في أغسطس 2020، بالرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا. وجاء الانقلاب بعد احتجاجات مناهضة للحكومة بسبب تردي الأوضاع الأمنية وانتخابات تشريعية متنازع عليها ومزاعم بالفساد.
وفي ظل ضغط من جيران مالي الواقعة في غرب أفريقيا وافق المجلس العسكري على التنازل عن السلطة لحكومة مؤقتة بقيادة مدنية مكلفة بالإشراف على فترة انتقالية مدتها 18 شهرا تمهيدا لانتخابات ديمقراطية تجرى في فبراير شباط 2022.
لكن قادة الانقلاب اختلفوا مع الرئيس المؤقت الجنرال المتقاعد باه نداو ورتبوا انقلابا ثانيا في مايو 2021. وصعد جويتا الذي كان يشغل منصب نائب الرئيس المؤقت إلى سدة الحكم.
ورفعت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعض العقوبات المفروضة على مالي بعد أن اقترح الحكام العسكريون فترة انتقالية لعامين ونشروا قانونا جديدا للانتخابات. ومن المقرر أن تشهد البلاد انتخابات رئاسية في فبراير 2024 للعودة إلى الحكم الدستوري.
توتر العلاقات المدنية العسكرية
تعاني الدول التي حدثت فيها انقلابات في أفريقيا من توتر العلاقات بين المدنيين والعسكريين، أو اعتادت على الانقلابات لنقل السلطة، بحسب عبد الواحد، رغم أن هذه الإشكالية لم تكن موجودة في الغابون لأن نظام الحكم مدني، منذ التحرر في 1960.
وفي نفس الوقت يذكر عبد الواحد بمحاولة انقلاب ضد الرئيس الغابوني الأول بعد التحرر من فرنسا، ليون إمبا في 1964، "لكن فرنسا تدخلت وأرسلت قوات من السنغال، ما أدى إلى الإفراج عن الرئيس بعد 48 ساعة فقط".
ويضيف أن الانقلابات تؤدي إلى انتشار العدوى من مكان إلى آخر، خاصة إذا نجح، ما يشجع الآخرين على مثل هذا الفعل، ولذلك نرى تجاورا جغرافيا في هذه الدول".
فشل سياسي واقتصادي
يشير عبد الواحد في حديثه مع موقع "الحرة" إلى أن هذه الانقلابات ناتجة عن فشل سياسي وفشل الحكومات في تحقيق التنمية، في الغابون، على سبيل المثال، أسرة تحكم منذ 56 عام في دولة غنية بثرواتها النفطية وعضوة في منظمة أوبك، وهي من أغنى 5 دول في أفريقيا من حيث النفط وهناك اكتشافات كبيرة، لكن الأموال تذهب للنخب السياسية فقط".
وينتقد معارضون حكم عائلة بونغو إذ يقولون إنها أخفقت في توجيه ثروات البلاد النفطية والثروات الأخرى للتنمية بينما يعيش نحو ثلث السكان في فقر.
والغابون هو إحدى الدول الأفريقية الأكثر ثراءً لناحية الناتج الإجمالي المحلي للفرد الواحد (8,820 دولارًا عام 2022)، بفضل خصوصًا النفط والخشب والمنغنيز، وعدد سكانه المنخفض (2,3 مليون نسمة).
وهو من أول منتجي الذهب الأسود في إفريقيا جنوب الصحراء. عام 2020، شكّل النفط 38,5% من ناتجه المحلي الإجمالي و70,5% من مجموع صادراته، بحسب البنك الدولي.
إلا أنّ الاقتصاد الذي تعجز السلطات عن تنويعه بشكل كافٍ، لا يزال يعتمد إلى حدّ بعيد على المحروقات ويعيش فرد واحد من أصل كل ثلاثة تحت خط الفقر بحسب أرقام أُعلنت أواخر عام 2022، وفق البنك الدولي.
ويقول عبد الواحد: "إن التدهور الاقتصادي والاجتماعي، عامل مشترك في كل الدول التي حدث فيها انقلابات نتيجة الفساد والمحسوبية وغياب العدالة وانعدام الشفافية وضعف الكفاءة من قبل من يتم تعيينهم في المناصب المختلفة".
ويوضح أن عائلة الرئيس الغابوني التي تسيطر على الحكم منذ أكثر من نصف قرن على سبيل المثال، تابعة لقبيلة باتيكي، وهي إحدى القبائل الصغيرة جدا الموجودة على الحدود مع الكونغو".
وقال: "بالرغم من أنها جماعة عرقية صغيرة، فإنها تسيطر على البلاد، وهو ما أدى إلى وجود حالة من الغليان خاصة وأن هناك جماعات أكبر ولها الأغلبية كانت محرومة من المناصب الكبيرة، مثل قبيل فانغ مثلا، وهي من أكبر الجماعات العرقية".
حكم ثلاثة رؤساء فقط الغابون منذ استقلاله عن فرنسا عام 1960. وقاده عمر بونغو أونجيمبا لأكثر من 41 عامًا، حتى انتخاب ابنه علي بعد وفاته عام 2009.
كان عمر بونغو، الذي يحظى باحترام لوساطاته في أزمات إفريقية عديدة، العمود الفقري لما يسمّى بـ"إفريقيا الفرنسية" وهو نظام العلاقات السياسية والتجارية القائمة بين باريس ومستعمراتها السابقة في القارة السمراء.
وفور وصوله إلى الحكم، نأى ابنه علي بنفسه ظاهريًا عن القوة الاستعمارية السابقة.
إلا أنّ تسعة من أبنائه الآخرين متّهمون في تحقيق يجريه القضاء الفرنسي منذ 2010 بشأن "مكاسب غير مشروعة"، وهي عقارات تمّ شراؤها في فرنسا بأموال عامة مختلسة من الغابون.
وكانت باسكالين، إحدى بنات عمر بونغو، تقيم علاقة بأسطورة الريغي بوب مارلي الذي دعته ليؤدي عرضًا في الغابون بمناسبة عيد ميلاد والدها. وكان ذلك من أوائل العروض التي أداها المغنّي الجامايكي في إفريقيا في يناير 1980.
مهددات أمنية
يشير عبد الواحد، في حديثه مع موقع "الحرة" أن من ضمن القواسم المشتركة للدول التي حدث فيها انقلابات، وجود مهددات أمنية مضطربة تزعج الشارع، مثل الإرهاب أو الجريمة المنظمة أو الفوضى والعنف.
وتقاتل النيجر ودول أخرى في منطقة الساحل الأفريقي حركات تمرد إسلامية نالت من الثقة في الحكومات الديمقراطية. والغابون الذي يقع إلى الجنوب منها على ساحل الأطلسي لا يواجه ذات التحديات لكن انقلابا هناك قد يشير إلى وجود المزيد من المؤشرات على تراجع عن المسار الديمقراطي في منطقة مضطربة.
ويتنامى منذ فترة الاستياء من حكم عائلة بونغو القائم منذ 56 عاما في الغابون العضو في منظمة أوبك. ونشبت اضطرابات شابها العنف بعد فوز بونغو في انتخابات 2016 كما تم إحباط محاولة انقلاب في 2019 بعد أشهر من إصابة الرئيس بجلطة وهو في الخارج مما أثار الشكوك حول قدرته على القيام بمهام الحكم.
"تنافس دولي"
يشير عبد الواحد إلى وقوع معظم هذه الدول ضمن تنافس دولي ما بين الولايات المتحدة والغرب وخاصة فرنسا، من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى.
وقال: "من يحرض على هذه الانقلابات له مصالح في الثروات أو شركات البترول أو الكشف عن معادن مثل الذهب أو الألماس".
ويضفي هذا الانقلاب مزيدا من الغموض حول مستقبل وجود فرنسا في المنطقة، حيث أن لديها نحو 350 جنديا في الغابون.
وبعد انقلابي مالي وبوركينا فاسو طردت السلطات هناك القوات الفرنسية وسط موجة من الشعور المناهض لبلادهم كما ألغى قادة الانقلاب في النيجر أيضا التفاهمات العسكرية مع فرنسا.
(الحرة)