اشتدت، اليوم الاثنين، حدة المعارك على محاور عدة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان، استخدمت فيها الأسلحة الثقيلة، رغم الاجتماعات والدعوات المتواصلة لوقف إطلاق النار.
وارتفعت مساء اليوم حصيلة القتلى إلى 11 قتيلاً، فيما أصيب نحو 40 آخرين، كما تضررت مدرستان، واضطر أكثر من 2000 شخص إلى النزوح، بحسب بيان لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا).
وتجدّدت الاشتباكات لليوم الثالث في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين جنوبيّ لبنان، بعد مقتل ستّة فلسطينيين، بينهم قائد عسكري في "حركة فتح"، خلال معارك بين عناصر من "فتح" وآخرين من مجموعات إسلامية، في حصيلة أولية.
ومساء اليوم الاثنين، قال القيادي في "فتح" العقيد أبو إياد شعلان لـ"العربي الجديد" إن هدوءاً شاملاً يسود أغلب محاور مخيم عين الحلوة باستثناء محور حيّ الطوارئ.
وأضاف شعلان: "كحركة فتح التزمنا بوقف إطلاق النار في كل المحاور منذ أن تلقينا التعليمات بذلك، لكن محور حيّ الطوارئ يخترق وقف إطلاق النار".
وأغلق الجيش اللبناني، صباح اليوم الاثنين، الأوتوستراد المحاذي للمخيم بفعل رصاص القنص والقذائف التي تتطاير إلى خارج المخيم، ونفذ إجراءات أمنية مشددة على كلّ مداخل المخيم ومخارجه، الذي يشهد حركة نزوح ملحوظة، وذلك على وقع ارتفاع وتيرة المعارك، وعدم نجاح المساعي التي بُذِلت من جهات فلسطينية ولبنانية للتهدئة ووقف إطلاق النار.
وفي وقت سابق، من اليوم، قال مصدرٌ في الجيش اللبناني، لـ"العربي الجديد"، إن "المعارك لا تزال مندلعة في الشوارع والأحياء داخل المخيم، ولكن الوتيرة تختلف، بين ارتفاع وتراجع، وهناك حركة نزوح تسجّل، ونحاول مساعدة الأشخاص الذين يريدون الخروج قدر الإمكان مع سيارات الإسعاف، كذلك هناك إجراءات مشددة على كلّ المداخل، وندعو المواطنين إلى البقاء بعيداً عن محيط الأحداث الأمنية".
وأشار المصدر إلى أن "لا أرقام رسمية بعد حول عدد المصابين من جراء الاشتباكات، سواء من اللبنانيين أو الفلسطينيين، والإجراءات التي نتخذها اليوم استثنائية، على المداخل الأربعة، ولا نسمح بدخول أحد إلا فرق سيارات الإسعاف"، لافتاً إلى أن عدد القتلى حتى الساعة بلغ 6، فيما تشير التقديرات إلى حوالي 45 إصابة.
واتسعت رقعة الاشتباكات اليوم على محاور عدة، منها البركسات – الطوارئ، الصفصاف، الراس الأحمر – حطين، وغيرها، وقد خلّفت دماراً كبيراً على صعيد الأضرار المادية، من دون إحصاء عدد رسمي للإصابات البشرية.
مساعٍ لوقف إطلاق النار
إلى ذلك، عُقد اجتماع بين مسؤولين لبنانيين وفلسطينيين في مكتب النائب اللبناني عن مدينة صيدا أسامة سعد اليوم، لبحث سبل تثبيت الهدنة داخل المخيم.
وفي السياق، قال رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني باسل الحسن إن "التنسيق مستمرّ بين لجنة الحوار والسفارة الفلسطينية وهيئة العمل الفلسطيني المشترك، وهناك إجماع فلسطيني على ضرورة وقف إطلاق النار، وهو أمرٌ منتظرٌ أن يتم خلال الساعات المقبلة، علماً أن هناك حلولاً طويلة الأمد ستخضع للنقاش بين القيادات الفلسطينية".
ولفت الحسن لـ"العربي الجديد"، إلى أن "البحث الآن يتركز على حصر المجموعات التي تعمل على خرق قرار وقف إطلاق النار، والمجموعات المتشددة صاحبة الأجندات الخاصة داخل المخيم، والمجموعات المتشددة، أو المخترَقة، وخلال ساعات نتوقع عودة الهدوء إلى المخيم"، مشدداً على ضرورة "تجاوز هذه المرحلة الخطيرة وإعادة الاستقرار الأمني إلى المخيمات".
وأشار الحسن إلى أن "لا إحصاء رسمياً حول عدد الإصابات بين قتلى وجرحى، لكن على صعيد مستشفى الهمشري، هناك حوالي 8 قتلى بعد وفاة حالتين كانتا حرجتين، وأكثر من 36 جريحاً".
من جهته، أكد النائب عن مدينة صيدا عبد الرحمن البزري، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك محاولات حثيثة لوقف إطلاق النار على أساس تشكيل لجنة تحقيق لمعرفة من اغتال اللواء أبو شرف العرموشي، لكن هناك مشكلة بعدم مشاركة كلّ القوى الفلسطينية في كلّ اللقاءات التي تحصل في المدينة، وذلك لأسباب أمنية، وعليه نجري الاتصالات والمشاورات مع كل الاتجاهات لتثبيت وقف إطلاق النار".
ولفت البزري إلى أن "هناك محاولة جديدة تبذل لتثبيت وقف إطلاق النار، بعد فشل أكثر من محاولة على هذا الصعيد، وغداً سيكون هناك اجتماع موسّع لنائبي المدينة، أنا وأسامة سعد، ورجال دين وقوى سياسية، لأخذ موقف واضح من الأحداث".
وأشار البزري إلى أن الاشتباكات الأمنية لا تزال دائرة في المخيم، وأحياناً بوتيرة مرتفعة ومن ثم تتراجع، لكنها محصورة في عددٍ من المحاور، على أمل التوصل إلى وقف نهائي لإطلاق النار.
من جهته، لفت عضو المكتب السياسي لحركة "الجهاد الإسلامي" في فلسطين وممثلها في لبنان إحسان عطايا، لـ"العربي الجديد"، إلى أن "الجهود تبذل على كل المستويات من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في مخيم عين الحلوة، وعدم تدهور الوضع إلى الأسوأ".
وأضاف: "توصلت هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى الاتفاق على وقف فوري لإطلاق النار وسحب المسلحين، وتشكيل لجنة تحقيق تكشف المتورّطين في كل ما حصل، وتسلمهم للسلطات الرسمية المختصّة، وذلك بالتعاون مع القوى والجهات اللبنانية الحريصة على المصلحة المشتركة في الاستقرار والسلم الأهلي".
من جهته، نبّه النائب عن صيدا، أسامة سعد، بعد مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، من مخاطر ما يجري، وبأنه "قد يكون مدخلاً لمشاريع خطيرة تستهدف القضية الفلسطينية في العمل وتستهدف الأمن الوطني اللبناني وأمن الشعب الفلسطيني".
وطالب، في بيان، المسؤولين الفلسطينيين بـ"وضع حدٍّ سريع وفوري لهذه الأوضاع المتفجرة في مخيم عين الحلوة، وتسليم جميع المسؤولين عن عمليات الاغتيال للسلطات اللبنانية".
وصدر عن "القوى الإسلامية" في مخيم عين الحلوة بيان دان "الاستمرار في إطلاق النار على الآمنين، والمنازل، ودور العبادة، من أي طرف كائناً من كان"، مؤكداً حرص القوى الإسلامية على "أمن واستقرار المخيم والجوار". وأكد البيان السعي للتهدئة، و"وقف إطلاق النار، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه، بالتعاون مع الحرصاء من القوى والفعاليات الفلسطينية واللبنانية".
ومساء الأحد، عقد سفير فلسطين لدى لبنان أشرف دبور لقاءً في مستشفى الهمشري بصيدا (تابع للهلال الأحمر الفلسطيني) مع أمين سر فصائل منظمة التحرير فتحي أبو العردات، ورئيس لجنة الحوار الفلسطيني اللبناني باسل الحسن.
وقال أبو العردات، وفق بيان صدر عن السفارة الفلسطينية تعقيباً على زيارة السفير لصيدا: "هناك قرار حازم بوقف إطلاق النار جرى اتخاذه في اجتماع هيئة العمل الفلسطيني المشترك، وجرى التوافق على تشكيل لجنة تحقيق فلسطينية من أجل تسليم القتلة للعدالة اللبنانية".
تصفية لحسابات خارجية
من جهته، تطرق رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، في مستهل جلسة مجلس الوزراء اليوم الاثنين، إلى موضوع الاشتباكات الدائرة في مخيم عين الحلوة، وقال: "نحن نتابع مع الجيش والقوى الأمنية هذا الملف/ ونسعى لوقف هذه الاشتباكات"، مشدداً: "لا نقبل استخدام الساحة اللبنانية لتصفية الحسابات الخارجية على حساب لبنان واللبنانيين، وبشكل خاص أبناء صيدا".
وأشار ميقاتي إلى أن "الجيش يقوم بواجبه لمعالجة هذه المسألة، وما يحصل مرفوض بالمطلق، لكونه يكرّس المخيم بؤرة خارجة عن سيطرة الدولة، وعلى كل مقيم على الأراضي اللبنانية أن يحترم السيادة اللبنانية والقوانين ذات الصلة وأصول الضيافة".
ولفت إلى أنه اتصل بالأمنيين، وخصوصاً مخابرات الجيش، واستوضح منهم الوضع، حيث تبين "أن هناك وقفاً جدياً لإطلاق النار، لكن هناك جهات خارج هذا الاتفاق تقوم بخرقه بصورة مستمرة".
إلى ذلك، قال مدير مستشفى الهمشري في صيدا، الدكتور رياض أبو العينين، في اتصال مع وكالة الأنباء الرسمية في لبنان "الوطنية للإعلام"، اليوم، إنه تم إدخال 11 إصابة من مخيم عين الحلوة منذ الصباح، بينها إصابة حرجة، علماً أن المستشفى استقبل أمس 25 إصابة، ليرتفع عدد اجمالي الجرحى إلى 36.
وأشار أبو العينين إلى أن المستشفى في جهوزية كاملة للقيام بدوره الطبي والإنساني، وتم إخلاء الحالات الباردة إفساحاً في المجال أمام الحالات الطارئة من جراء الوضع الأمني المستجد في عين الحلوة، لافتاً إلى أن المستشفى كان قد تعرض يوم أمس لسقوط قذيفتين نتيجة الاشتباكات.
ونعت حركة "فتح" في بيان لها أمس الأحد، "القائد اللواء أبو أشرف العرموشي ورفاقه الشهداء، مهند قاسم، طارق خلف، موسى فندي، وبلال عبيد، الذين اغتالتهم أيادي الغدر والإجرام والإرهاب بعملية آثمة جبانة".
وأعلنت قيادة حركة "فتح" و"الأمن الوطني الفلسطيني" - لبنان، اليوم الاثنين، تعيين العقيد أبو إياد شعلان قائداً للأمن الوطني في منطقة صيدا، خلفاً للعرموشي.
وأعلن الجيش اللبناني، في بيان الأحد، وقوع إصابات في قواته نتيجة الاشتباكات التي يشهدها المخيم، إذ سقطت قذيفة على أحد المراكز العسكرية، وتعرّضت مراكز ونقاط مراقبة تابعة للجيش لإطلاق نار، ما أدى إلى إصابة عدد من العسكريين بجروح.
وحذر الجيش من مغبة تعريض المراكز العسكرية وعناصرها للخطر مهما كانت الأسباب، مؤكداً أنه سيرد على مصادر النيران بالمثل.
واندلعت الاشتباكات، أول من أمس السبت، عقب عملية إطلاق نار استهدفت الناشط الإسلامي محمود أبو قتادة، ما أدّى إلى جرحه، اندلعت على أثرها اشتباكات بين جماعات إسلامية وقوات الأمن الوطني التابعة لحركة "فتح".
وعقب تصاعد الاشتباكات، أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، أمس الأحد، تعليق جميع خدماتها في المخيم.
(العربي الجديد)