انتهت جولة التصعيد بين المقاومة الفلسطينية في غزة وإسرائيل، التي اشتعلت بعد "جريمة اغتيال" الأسير المضرب عن الطعام خضر عدنان، وفق ما أكده شقيقه الذي قال في وقت سابق لـ"عربي بوست" إن لدى عائلته ما يدين الاحتلال بتعمد تركه للموت.
أبرز ما جرى تسجيله في جولة التصعيد هذه، أن المقاومة الفلسطينية لجأت إلى تكتيكات عسكرية دفعت بالأوساط الإسرائيلية لإعادة النظر في مسألة توسيع رقعة العملية العسكرية ضد غزة، وإنهائها دون أن تملي شروطها كما دأبت عليه السياسات الإسرائيلية في جولات التصعيد السابقة.
تعرضت حكومة نتنياهو لسيل حاد من الانتقادات الداخلية، نظراً للأداء الباهت الذي أظهره جيش الاحتلال في التعامل مع هذه الجولة من القتال؛ إذ تمكنت المقاومة من التحكم في قواعد الاشتباك، واستنزاف الجبهة الداخلية من خلال الوصول لأنظمة الطوارئ، سواء المدنية أم العسكرية، بحسب ما أكدته تقارير الصحف العبرية.
كان ذلك من خلال سلاح السايبر، الذي استطاعت المقاومة من خلاله تعطيل أنظمة تشغيل القبة الحديدية، ما أدى لسقوط الصواريخ بقلب المدن والبلدات الإسرائيلية دون اعتراضها، كما اعترفت إسرائيل بانقطاع الكهرباء عن مراكز المدن في الجنوب والوسط من خلال هجمات السايبر التي استهدفت قطاع الكهرباء.
استخدام مضادات الدفاع الجوي
كان عنوان المواجهة الأخيرة، وفقاً لصحيفة "معاريف" العبرية، استخدام المقاومة بشكل مكثف ولافت للمضادات الجوية، لاستهداف سلاح الجو الإسرائيلي، الذي لطالما حظي بأولوية بالنسبة للجيش الإسرائيلي في حسم المواجهات العسكرية، بعد أن بات خيار الهجوم البري مستبعداً في حالة غزة.
يعكس هذا التكتيك تطوراً في أداء المقاومة من ناحية تحييد أو تقليص دائرة خيارات الرد الإسرائيلي، عبر تحييد أو تقليص استخدام إسرائيل لسلاح الجو الذي يمتاز بقدرته على إحداث ضرر كبير لدى الخصم خلال وقت قصير وبأقل كلفة ممكنة.
وأكدت كتائب القسام، الذراع العسكرية لحركة حماس، في بيان لها، أن الدفاعات الجوية التابعة لها تصدت لسلاح الجو الإسرائيلي بصواريخ أرض-جو.
قال حازم قاسم الناطق باسم حماس إن "كتائب القسام في طريقها لتثبيت معادلة جديدة، أن سماء غزة ستكون محرمة على الطائرات الإسرائيلية".
نشرت سرايا القدس لأول مرة امتلاك أفرادها لصواريخ أرض-جو، تم استخدامها لأول مرة في جولة القتال والتصعيد الأخيرة.
أشار كذلك مصدر في الغرفة المشتركة للفصائل الفلسطينية لـ"عربي بوست" إلى أن "المقاومة تمتلك الآن ثلاثة أجيال من المضادات الجوية، وهي صواريخ الجيل الأول والثاني من صواريخ ستريلا روسية الصنع".
وفقاً للمتحدث تمتلك المقاومة "قاذفات أرض-جو" تم تصنيعها وتطويرها في الورش الداخلية للفصائل والأجنحة العسكرية، وهي عبارة عن صواريخ تُحمل على الكتف تُستخدم في حالة استهداف الطائرات على علو منخفض، ومن الجيل نفسه تم تطوير راجمات يتم إطلاقها على دفعات متتالية لاستهداف الطائرات على مستويات عالية الارتفاع.
بالإضافة للرشاشات الثقيلة من طراز (14.5 ملم) والتي ينحصر استخدامها لإسقاط الطائرات المسيرة والعمودية بكافة أنواعها، والتي عادة ما تكون قريبة من الأرض.
سيل حاد من الانتقادات لحكومة نتنياهو
واجه نتنياهو سيلاً حاداً من الانتقادات الداخلية، لم تقتصر على المعارضة فقط، بل طالت أيضاً السياسيين المقربين منه، إذ أقر الوزير داني دانون من حزب الليكود الذي يتزعمه نتنياهو، أن الردع الإسرائيلي تآكل في هذه الجولة، وكان يجب على الحكومة أن تجني ثمناً أكبر من المقاومة عبر اغتيال قادتها العسكريين.
ذكرت إذاعة الجنوب أن ما يعرف بمجلس مستوطنات غلاف غزة يستعد لتنظيم مظاهرة حاشدة، الأربعاء 3 من مايو/أيار 2023، على المدخل الرئيسي لمدينة سديروت (تقاطع نيرعم)، تعبيراً عن رفضه للكيفية التي تعامل بها الجيش في رده على غزة، رغم سقوط عشرات الصواريخ على البلدات والمستوطنات المتاخمة لغزة.
قرر أعضاء حزب عوتسما يهوديت بزعامة بن غفير المشارك في الحكومة، مقاطعة جلسة الكنيست، تضامناً مع سكان الجنوب، ورفضاً لسياسة الاحتواء التي تعامل بها الجيش في المواجهة الأخيرة.
كما قال رئيس مجلس مستوطنة سديروت نيغيف عيدان إن الحكومة الحالية حولت المستوطنين في غلاف غزة لمواطنين من الدرجة الثانية.
التكتيكات الجديدة للمقاومة الفلسطينية
رغم أن جولة التصعيد لم تدم سوى ساعات قليلة، إلا أنها أظهرت تفوقاً تكتيكياً لدى المقاومة الفلسطينية، من خلال تنويع أدوات الرد الذي لم يقتصر فقط على استخدام الصواريخ، بل شمل تنفيذ هجمات سايبر مركزة أدى لتعطيل أنظمة تشغيل القبة الحديدية، وفك الشيفرة الخاصة بها، وهو ما مكّنها من إيصال الصواريخ والقذائف لقلب المدن والبلدات الإسرائيلية.
هذا التكتيك الجديد للمقاومة، تحول تدريجياً لاستراتيجية تعمل عليها المقاومة، والهدف منه إيقاع أكبر قدر من الضرر المادي والعسكري المباشر والمعنوي في المواجهات العسكرية مع إسرائيل، كونه منخفض التكلفة على المستوى البشري والمادي، بالتالي تحافظ المقاومة على عناصر القوة التي تمتلكها وتمنحها مرونة أكبر في تسيير المعركة والتحكم في رتمها.
أشار اللواء المتقاعد والخبير العسكري يوسف الشرقاوي لـ"عربي بوست"، إلى أن "المقاومة في غزة باتت تتعامل مع إسرائيل بشكل نِدِّي، حيث تستخدم الأدوات ذاتها التي تتباهى بها إسرائيل في مجال الاستخبارات والسايبر، وهذا ما يتسبب في ارتباك الأداء العملياتي للجيش أثناء المواجهة، فالدولة في الظرف الحالي لا تستطيع إدخال الجبهة الداخلية في معركة استنزاف بينما تركز جهودها على ضرب مقدرات المقاومة في غزة".
وأضاف: "هذا ما يفسر تجنب الجيش في المواجهات الأخيرة مع غزة الذهاب نحو عمليات واسعة، بل باتت السياسة هي احتواء الموقف تجنباً لخسائر أكبر قد تطيح بالحكومة الحالية كما في سابقتها".
ووجّه مسؤولون ومحللون إسرائيليون، الأربعاء 3 مايو/أيار 2023، انتقادات للحكومة الإسرائيلية إثر الهجمات التي وجهها الجيش على قطاع غزة خلال الليلة التي سبقتها، ووصفوها بأنها "لم تكن قوية".
وعلى مدى ساعات، شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجمات واسعة على أهداف في قطاع غزة، أسفرت عن استشهاد فلسطيني وإصابة 5 آخرين.
المصدر: عربي بوست