وسط كارثة الزلزال التي حلت بجنوب تركيا وشمال سوريا برزت منظمة "الخوذ البيضاء" ضمن الجهات التي تقوم بجهد واضح في شمالي سوريا للمساعدة في مواجهة آثار هذه الكارثة التي راح ضحيتها حتى الآن آلاف القتلى والجرحى.
وبعدما اكتسبت خبرة خلال سنوات الحرب الطويلة -حسب ما يقول تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية- فإن المنظمة تقود جهود الدفاع المدني في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا، وتشارك في عمليات الإنقاذ بلا كلل منذ الزلزال الذي ضرب البلاد ومركزه تركيا المجاورة.
وقد بدأ متطوعو القبعات أو الخوذ البيضاء عملهم في عام 2013 بعدما تصاعدت الثورة السورية إلى نزاع مسلح تسبب حتى اليوم بمقتل قرابة نصف مليون سوري ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها.
ومنذ 2014 باتوا يعرفون باسم "الخوذ البيضاء" نسبة إلى الخوذ التي يضعونها على رؤوسهم، وتعرّف العالم عليهم بعدما تصدرت صورهم وسائل الإعلام وهم يبحثون بين الأنقاض عن أشخاص عالقين تحت ركام الأبنية أو يحملون أطفالا تغطيهم الدماء إلى المشافي خلال المعارك والهجمات العسكرية التي طالت مناطق سيطرة الفصائل المعارضة.
وتلقى عدد منهم تدريبات في الخارج، قبل أن يعودوا إلى سوريا لتدريب زملائهم على تقنيات البحث والإنقاذ.
وتضم منظمة الخوذ البيضاء الناشطة في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة بشمال وشمال غربي سوريا حاليا 3300 متطوع، معظمهم من الرجال، لكن بينهم أيضا نساء يشاركن في عمليات الإنقاذ.
وخسرت المنظمة منذ انطلاقتها 300 متطوع قتلوا خلال سنوات الحرب، 4 منهم قتلوا خلال الزلزال، وفق ما أفاد محمد الشبلي (أحد المتحدثين باسم المنظمة) لوكالة الصحافة الفرنسية.
"أحيا الناس جميعا"
وحسب تقرير وكالة الصحافة الفرنسية، فقد تلقت المنظمة خلال سنوات عملها تمويلا من عدد من الحكومات، بينها بريطانيا وهولندا والدانمارك وألمانيا واليابان والولايات المتحدة، كما تصلها تبرعات فردية لشراء المعدات والتجهيزات.
وأنقذ متطوعو الدفاع المدني منذ العام 2013 الآلاف من المدنيين من تحت ركام منازلهم التي دمرتها الغارات أو من على خطوط التماس.
وتتخذ المنظمة شعارا لها "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" المقتبسة من الآية القرآنية {من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} (المائدة: 32).
وتشدد في الوقت ذاته على أن متطوعيها يخاطرون بحياتهم "لمساعدة أي شخص بحاجة للمساعدة بغض النظر عن انتمائه الديني أو السياسي".
وأكد رئيس "الخوذ البيضاء" رائد صالح لوكالة الصحافة الفرنسية في وقت سابق حيادية المنظمة، وقال "نحن مستقلون، حياديون وغير منحازين، لسنا مرتبطين بأي جهة سياسية أو مجموعة مسلحة".
الاستجابة للزلزال
منذ حدوث الزلزال فجر أول أمس الاثنين تنشر المنظمة متطوعيها في مناطق الشمال السوري، خصوصا المناطق الحدودية مع تركيا، يعمل هؤلاء بلا توقف وبما توفر لديهم من معدات وبمؤازرة سكان يستخدمون المعاول وحتى الأواني المنزلية.
ولا تتوافر في المنطقة -التي تعتمد بشكل أساسي على المساعدات- إمكانيات للاستجابة السريعة لأضرار الزلزال، مما يؤخر عمليات البحث عن ناجين.
دمر الزلزال وفق حصيلة أولية أكثر من 400 مبنى بشكل كلي وأكثر من 1300 بشكل جزئي، كما تسبب بمقتل أكثر من 1400 شخص في مناطق سيطرة المعارضة من أصل أكثر من 2600 في سوريا، وفق آخر حصيلة غير نهائية.
وشاهد مراسلو وكالة الصحافة الفرنسية خلال اليومين الأخيرين مئات المتطوعين يبحثون في محافظتي إدلب (شمال غرب) وحلب (شمال) عن ناجين تحت أنقاض أبنية انهارت كليا أو جزئيا، ويسعفون الجرحى وينقلون حتى الموتى من المستشفيات إلى المقابر.
انتقادات من النظام
رغم جهودها فإن منظمة الخوذ البيضاء تعرضت لانتقادات قاسية من النظام السوري وأنصاره الذين يتهمونها بأنها "أداة" في أيدي المانحين الدوليين والحكومات الداعمة للمعارضة السورية، وصولا إلى القول إن مقاتلين وجهاديين منضوون في صفوفها.
واتهم الرئيس السوري بشار الأسد المنظمة بأنها جزء من تنظيم القاعدة، لكن في المقابل تمت الإشادة على المستوى الدولي بشجاعة عناصرها.
وفي عام 2016 تم ترشيح منظمة الخوذ البيضاء لنيل جائزة "نوبل" للسلام، وإن لم تحصل عليها فقد حصلت في العام ذاته على جائزة المنظمة السويدية الخاصة "رايت لايفليهود" (Right Livelihood) السنوية لحقوق الإنسان التي تعد بمثابة "نوبل بديلة"، وقد أشادت "بشجاعة متطوعي المنظمة الاستثنائية وتعاطفهم والتزامهم الإنساني لإنقاذ المدنيين من الدمار الذي تسببه الحرب".
وفي فبراير/شباط 2017 نال فيلم وثائقي يتحدث عن عملهم وعرضته شبكة نتفليكس جائزة "الأوسكار" عن أفضل وثائقي قصير.
المصدر : الفرنسية