عاد "الخان الأحمر" إلى بؤرة الأحداث، مع سعي إيتمار بن غفير لهدمه وتهجير أهله، فما قصة الحي الفلسطيني الذي تريد حكومة إسرائيل هدمه لإكمال عملية تهويد القدس المحتلة؟
كانت وسائل إعلام إسرائيلية قد قالت إن بن غفير، وزير الأمن الداخلي في حكومة بنيامين نتنياهو، طالب أمام جلسة الحكومة الأسبوعية، الأحد 22 يناير/كانون الثاني، بإخلاء وهدم ما وصفها بالمباني غير المرخصة للفلسطينيين بالمناطق المصنفة "ج" في 5 مواقع، من بينها الخان الأحمر، وتهجير أهلها.
هذه التحركات تشير إلى أن الخان الأحمر، في القدس الشرقية المحتلة، أصبح بؤرة المواجهة الجديدة بالأراضي المحتلة، في ظل حكومة "السوابق" الإسرائيلية التي تضم أبرز زعماء المستوطنين المتطرفين ومواقفهم المعلنة من السعي لهدم المسجد الأقصى وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال.
ما قصة الخان الأحمر الفلسطيني؟
تعود أصول أهالي قرية الخان الأحمر الفلسطينيين إلى قبيلة الجهالين البدوية، التي تعرضت للطرد من أراضيها في النقب الفلسطيني عام 1952، ثم تعرضت القرية نفسها للاحتلال الإسرائيلي عام 1967، وكانت واحدة من 46 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا في الضفة الغربية المحتلة، وعلى أراضيها أقيمت، في عام 1977، مستوطنة "معاليه أدوميم"، وهي ثاني أكبر مستوطنة في الضفة الغربية، والتي شكلت أول محطة في التضييق على سكان القدس المحتلة.
وتضاعفت المضايقات منذ عام 2000، من خلال قيام الاحتلال بتقييد حركة عرب الجهالين، وعدم السماح لمن لا يسكن في منطقة الخان الأحمر بدخولها وإن كان من العشيرة ذاتها، بعد رسم خرائط وتحديد مساحات ضيقة للسكان للتحرك فيها.
وفي مارس/آذار 2010، صدر أول قرار عما توصف بأنها "الإدارة المدنية" الإسرائيلية، بهدم كافة المنشآت في الخان الأحمر، ولجأ الأهالي الفلسطينيون إلى محاكم دولة الاحتلال للالتماس ضد القرار على مدار سنوات، وكان يتم خلالها الحصول على قرارات تأجيل للهدم.
وفي مايو/أيار عام 2018، قررت سلطات الاحتلال هدم القرية وتهجير سكانها، ولكنها فشلت بسبب الصمود الأسطوري الذي أبداه أهالي الخان الأحمر، والذي أدى إلى تسليط الأضواء عالمياً على تلك المواجهة.
وهكذا انضم الخان الأحمر إلى حي الشيخ جراح وبطن الهوى وباب العامود وغيرها من الأحياء والقرى الفلسطينية في القدس المحتلة، حيث تسعى إسرائيل إلى "تهويد" القدس وإزالة المعالم الإسلامية والمسيحية فيها، بحسب تقارير دولية وليس فقط اتهامات الفلسطينيين، فالدولة العبرية تهدف إلى جعل القدس، بشطريها الغربي والشرقي، عاصمة موحدة وأبدية لها، بينما يتمسك الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المأمولة، استناداً إلى قرارات الشرعية الدولية، التي لا تعترف باحتلال إسرائيل للمدينة عام 1967، ولا بضمها إليها في 1981.
والأمر نفسه لا يختلف بالنسبة لآلاف الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، مثل منطقة مسافر يطا جنوب الضفة، حيث تريد إسرائيل أيضاً تهجيرهم من قراهم، رغم أنهم يعيشون حياةً مُعلّقةً لأكثر من أربعة عقود، منذ قرار الاحتلال الإسرائيلي تصنيف أراضيهم التي يزرعونها ويعيشون عليها، كمنطقة إطلاق نار وتدريبات عسكرية.
وبالعودة إلى الخان الأحمر، نجد أن محاكم الاحتلال نظرت خلال تسع سنوات، في عشرات الدعاوى والالتماسات التي قدمها أهالي القرية؛ رفضاً لإخلائهم وتهجيرهم. ومنذ مايو/أيار 2018، شكلت خيمة التضامن في الخان الأحمر مقراً لمئات الناشطين الفلسطينيين والمتضامنين الأجانب، الذين تصدّوا أكثر من مرة لمحاولات إخلاء القرية وهدمها.
وأحبط الوجود الدائم في الخيمة، التي أقامتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، عدة محاولات أقدم عليها جيش الاحتلال لاقتحام القرية، ما أدى إلى وقوع مواجهات وتصادمات واعتقالات.
إذ يقع الخان الأحمر ضمن الأراضي التي تستهدفها سلطات الاحتلال لتنفيذ مشروع "E1" الاستيطاني، الهادف إلى السيطرة على 12 ألف دونم ممتدة من أراضي القدس الشرقية المحتلة حتى البحر الميت، وتفريغ المنطقة من أي وجود فلسطيني، كجزء من مشروع فصل جنوب الضفة عن وسطها.
تمثل قرية الخان الأحمر البوابةَ الشرقية للقدس المحتلة، وإفشال المخطط الاستيطاني يعني إفشال تقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى كانتونات منفصلة، كما تفيد هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.
صمود وتدويل وتراجع إسرائيلي مؤقت
قرر مجلس الوزراء الفلسطيني، في يوليو/تموز 2018، المصادقة على توصية وزير الحكم المحلي بإحداث هيئة محلية باسم "قرية الخان الأحمر" تتبع محافظة القدس، وتكليف الوزير بتعيين لجنة لإدارة المجلس القروي، وتحديد حدود الهيئة المحلية.
جاء هذا القرار في إطار دعم السلطة الفلسطينية لأهالي الخان الأحمر، وتوفير كل ما يلزم لتعزيز صمودهم وثباتهم على أرض وطنهم، ورفض جريمة التطهير العرقي العنصرية التي تقودها حكومة الاحتلال في محاولة تهجير أهالي القرية، بهدف تنفيذ المخطط الاستيطاني الكبير والمعروف بـ"E1″.
وأعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الشهر ذاته، عن القلق البالغ بشأن توجُّه إسرائيل لهدم الخان الأحمر، وطالب السلطات الإسرائيلية بعدم المضي قدماً في خطط تدمير الخان الأحمر، واحترام حقوق سكانه في البقاء بأرضهم، والعمل على أن يكون وضعهم نظامياً.
وذكر المكتب في بيان، أن "أي أعمال هدم تتم في هذا السياق، من المرجح أن تصنَّف بأنها إجلاء قسري وانتهاك للحق في السكن. كما يحظر القانون الإنساني الدولي قيام قوة الاحتلال بتدمير أو الاستيلاء على الممتلكات الخاصة".
كما أعرب مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ أيضاً من أن يؤدي تدمير التجمُّع إلى النقل القسري لسكانه من قبل القوة المحتلة، بما يشكل انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي الذي يحظر النقل الإجباري لسكان أرض محتلة، بغض النظر عن الدافع.
وفي الإطار ذاته، دعا الاتحاد الأوروبي، في سبتمبر/أيلول 2018، سلطات الاحتلال الإسرائيلي إلى إعادة النظر في قرار هدم قرية الخان الأحمر، وصدر بيان صادر عن مفوضة الشؤون الخارجية في التكتل الأوروبي، فيدريكا موغريني، يحذّر من "عواقب وخيمة لقرار هدم الخان الأحمر، وتهجير العائلات المقيمة فيه، وأن هذا القرار سيؤثر بشكل كبير على حل الدولتين ويقوض آفاق السلام".
كما أدانت جامعة الدول العربية قرار هدم قرية الخان الأحمر شرق مدينة القدس المحتلة، واعتبرت القرار بمثابة جريمة حرب وانتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وجميع القوانين والأعراف الدولية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، وصفت منظمة العفو الدولية "Amnesty International" تهجير أهالي الخان الأحمر بأنه جريمة حرب، وطالبت منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بعدم إعطاء الضوء الأخضر لارتكاب جرائم، لأن العالم يشاهد، حسب تعبيرها.
وفي الشهر ذاته، اعتبرت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، أن عمليات إجلاء أهالي الخان الأحمر، وتدمير الممتلكات وإلحاق الضرر بها "دون ضرورة عسكرية"، تمثل جرائم حرب وفقاً لنظام روما الأساسي "المعاهدة المؤسِّسة للمحكمة الجنائية الدولية". وأكدت أنها لن تتردد في اتخاذ أي إجراء مناسب، في حدود ممارستها لولايتها، بموجب النظام وباستقلالية وتجرد.
وأمام صلابة موقف الدفاع عن الأرض الذي جسدته المقاومة الشعبية، وتحت وطأة التهديدات القانونية والمواقف الدبلوماسية العربية والدولية، أعلنت الحكومة الإسرائيلية إرجاء إخلاء وهدم قرية الخان الأحمر. وصوَّت المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينيت"، في أكتوبر/تشرين الأول 2018، على مقترح رئيس الحكومة وقتها، بنيامين نتنياهو، تأجيل هدم الخان الأحمر، بداعي إعطاء الفرصة لـ"مفاوضات تهدف إلى تنظيم قضية إخلاء التجمع السكني بالتوافق".
إلى أين تتجه الأمور هذه المرة؟
كان الخان الأحمر عبارة عن بناء عثماني من القرن الـ16، وكان مزاراً للتجار على هذا الطريق القديم الذي يربط ضفتي نهر الأردن، حيث كانوا يتوقفون للاستراحة وإطعام الخيول.
وتضمّ قرية الخان الأحمر حالياً مدرسة وحيدة، أقيمت عام 2009، بالتعاون مع منظمة مساعدات إيطالية "Vento Di Terra" من مواد الطين والإطارات؛ بسبب قيود الاحتلال على البناء الإسمنتي أو الكرفانات في المنطقة، وأصدر الاحتلال عدّة قرارات بهدمها، رغم أنّها تخدم 5 تجمّعات سكنية مجاورة.
وتحيط بالخان الأحمر مستوطنتا "معاليه أدوميم" و"كفار أدوميم"، وتسعى إسرائيل لتوسيعهما وتنفيذ المشروع الاستيطاني E1، الذي يقضي على خيار قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، كما سيبتلع أجزاء واسعة من مناطق "ج" الممتدة على أكثر من 60% من مساحة الضفة، بحسب وسائل إعلام محلية.
ووفقاً لبيانات أصدرها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (أوتشا) عام 2017، فإن 46 تجمعاً بدوياً ستكون معرّضة لخطر الترحيل القسري وسط الضفة الغربية. ويقع 26 تجمعاً منها في محافظة القدس، ويسكنها وفقاً لمكتب الأمم المتحدة، 4856 بدوياً يواجهون ظروفاً معيشية قاسية على صعيد الخدمات الأساسية كالمياه والكهرباء، إضافة إلى صعوبة الوصول للمراكز التعليمية والصحية.
وستكون تجمعات القدس البدوية التي تقع داخل نطاق ما يسمى مشروع "إي 1″ الاستيطاني وعددها 13 تجمعاً، على جدول الإخلاء، إضافة إلى 12 تجمعاً تقع بمحاذاة هذا المشروع الضخم الذي يعد جزءاً من مخطط إسرائيل المعروف بـ"القدس الكبرى".
الآن وقد دارت الأيام وعاد نتنياهو إلى رئاسة الوزارة الأكثر تطرفاً في تاريخ دولة الاحتلال، تعود قضية هدم الخان الأحمر وتهجير أهاليه إلى الواجهة، حيث توعد بن غفير بإخلاء الخان الأحمر، عقب إخلاء بؤرة استيطانية إسرائيلية أقامها مستوطنون، بينهم حفيد الحاخام دروكمان، على أراضي قرية "جوريش" جنوب شرقي نابلس.
وقدَّم عضو الكنيست عن حزب "الليكود"، داني دانون، الإثنين 17 يناير/كانون الثاني، طلباً بتفعيل قرار المحكمة الإسرائيلية العليا بهدم الخان الأحمر، وذلك خلال جلسة للحزب، فردَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالقول إن الرد على تأجيل إخلاء القرية سيتم بعد جلسة مشتركة لوزراء الحكومة بهذا الخصوص.
وقال نتنياهو إن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أزالت منذ بداية يناير/كانون الثاني الحالي، 38 "مبنى غير قانوني" شيَّدها الفلسطينيون بالضفة الغربية، حسب تعبيره، وأضاف في تغريدة، أن "الوضع السابق الذي حاول فيه الفلسطينيون فرض أمر واقع من خلال البناء غير المرخص في الضفة الغربية (المحتلة) قد انتهى".
ونظم أعضاء من حزب الليكود الإسرائيلي، الإثنين 23 يناير/كانون الثاني 2023، جولة على مشارف تجمُّع الخان الأحمر شرقي القدس المحتلة، في خطوة تهدف إلى الضغط على حكومة نتنياهو لهدم التجمع وتهجير سكانه.
على الجانب الآخر، يؤكد أهالي الخان الأحمر أنهم لن يغادروا منازلهم حتى لو تم تدميرها فوق رؤوسهم من قبل سلطات الاحتلال، وذلك في أول رد على تهديد بن غفير بإخلاء القرية وطرد سكانها منها، فإلى أين تتجه الأمور؟
(عربي بوست)