أعلن مسؤولان أمنيان في ألمانيا، اليوم الخميس، عن حملة اعتقالات ثانية متوقعة بعد مراجعة السلطات المزيد من الأدلة بشأن مخطط إسقاط الحكومة، بينما كشفت الاستخبارات أن المخطط كان يتضمن استخدام العنف، وكانت برلين أعلنت أمس عن إحباط المخطط الانقلابي الذي دبرته مجموعة من الشخصيات اليمينية المتطرفة ومن ضباط سابقين في الجيش الألماني.
وفي حديث لمحطة "دويتشلاند فونك" الحكومية اليوم الخميس، قال كبير المسؤولين الأمنيين في ولاية "تورينغن" جورج ماير إنه يتوقع موجة ثانية من الاعتقالات مع مراجعة السلطات للأدلة.
واتهم ماير حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف بتأجيج نظريات المؤامرة، والتي حفزت المتآمرين في أنحاء البلاد على التخطيط لإسقاط الحكومة.
ترسانة أسلحة
من جهتها، قالت الاستخبارات الداخلية الألمانية إن لدى حركة "مواطني الرايخ" المهارات المناسبة المكتسبة من الوحدات العسكرية الألمانية، مؤكدة أن بعض معتقلي التنظيم جاءوا من الجيش.
وأضافت أن عناصر التنظيم مغرمون بالأسلحة ولديهم ترسانة أسلحة قانونية وغير قانونية، وأنه ما يزال هناك ما يكفي من الأسلحة في حوزتهم وخصوصا من مخازن الجيش، معتبرة أن المشهد يمكن أن يكون "عنيفا للغاية".
وأكدت الاستخبارات الداخلية الألمانية أنه تم توجيه ضربة قوية للمجموعة المسلحة من حركة "مواطني الرايخ"، وأن الحركة كانت في طريقها لتنفيذ عمل يشكل خطرا حقيقيا.
وتتهم السلطات حركة "مواطني الرايخ" اليمينية المتطرفة بالضلوع في المخطط، وهي لا تعترف بالنظام السياسي الألماني القائم، ولا بالدولة الألمانية في صورتها الحالية، وتعترف -في المقابل- بالإمبراطورية الألمانية التي انهارت في الحرب العالمية الأولى، كما تنظر باحترام إلى النازية التي انتهت في الحرب العالمية الثانية.
وأعلنت السلطات الألمانية، أمس الأربعاء، إلقاء القبض على 25 من الشخصيات اليمينية المتطرفة، وبينهم ضباط سابقون في الجيش و3 أجانب، بتهمة التخطيط لتنفيذ "انقلاب".
ومن بين المعتقلين بيرجيت مالساك وينكمان النائبة السابقة في حزب "البديل"، وهي قاضية في برلين، وأيضا "هاينريش الثالث عشر"، وهو سليل أسرة نبيلة عمره 71 عاما وما زال يسمي نفسه أميرا، مع أن ألمانيا ألغت النظام الملكي منذ أكثر من قرن.
وفي وقت متأخر من مساء أمس الأربعاء، كشف رئيس الشرطة الجنائية الفدرالية هولغر موينش أن الأجهزة الأمنية فتشت حوالي 150 موقعا في جميع أنحاء البلاد، وأنه عُثر في حوالي 50 موقعا على أسلحة، متوقعا أيضا استمرار المداهمات والاعتقالات في الأيام المقبلة.
عدد المشتبه بهم
وأمس الأربعاء، قال مكتب المدعي العام الفدرالي -في بيان- إن "السلطات المختصة أحبطت مخطط انقلاب عبر شن هجمات تسعى لإحداث فوضى في البلاد، والاستيلاء على السلطة"، وأوضح البيان أنه شارك في المخطط 52 مشتبها فيهم، بينهم مجموعة تابعة لـحركة "مواطني الرايخ" (يمينية متطرفة) وضباط سابقون، وفق البيان نفسه.
وقالت وزيرة الداخلية نانسي فيسر إنه سيكون من الخطأ التقليل من شأن مثل هذه الجماعات، خاصة إذا كان من بين أعضائها أشخاص تم تدريبهم على استخدام الأسلحة النارية، مثل الجنود أو ضباط الشرطة.
وفي وقت سابق، قال رئيس الاستخبارات الداخلية الألمانية توماس هالدينوانغ إن مجموعة من الشخصيات اليمينية المتطرفة وضباطا سابقين في الجيش خططوا واشتروا أسلحة لتنفيذ محاولة "الانقلاب" التي أعلنت برلين أمس إحباط مخطط لها.
وأضاف أن "المجموعة لديها شبكة كبيرة في جميع أنحاء البلاد، وكانت لديهم خطط محددة، وكانوا مستعدين لاستخدام العنف، حتى لو كان ذلك يعني قتل الناس"، مؤكدا أن المجموعة "خضعت في الشهرين الماضيين لمراقبة أجهزة الأمن".
نازيون جدد ومنظّرو المؤامرة
وتضم حركة "مواطني الرايخ" النازيين الجدد ومنظري المؤامرة والمتحمسين للسلاح الذين يرفضون شرعية الجمهورية الألمانية الحديثة. ويؤمن أتباعها عموماً بالوجود المستمر للرايخ الألماني أو الإمبراطورية قبل الحرب العالمية الأولى في ظل نظام ملكي.
وتقدر المخابرات الألمانية الداخلية أن هذه المجموعة تتكون من حوالي 20 ألف شخص، ومن بين هؤلاء، يُعتبر أكثر من ألفين عنيفين. وهذه الحركة ترفض وجود جمهورية ألمانيا الاتحادية، وتصف الجمهورية الفيدرالية بأنها "مؤامرة صهيونية - ماسونية"، ويرى بعض أفرادها أن الحكومة الألمانية تخضع لسيطرة قوى صهيونية. وتصرّ على أن حدود الإمبراطورية الألمانية لعام 1937 أو 1871 لا تزال موجودة، وأن الدولة الحديثة بناء إداري لا يزال محتلاً من قبل قوات الحلفاء.
لا يعترف "مواطنو الرايخ" بمؤسسات الدولة الألمانية، ولا يطيعون الشرطة، ولا يدفع هؤلاء ضرائب ولا رسوم ضمان اجتماعي، وهم يصدرون بطاقات هوية لأنفسهم ويعيدون تصميم لوحات تسجيل سياراتهم.
يعتقد "مواطنو الرايخ" أن الحكومة، والبرلمان، والسلطتين القضائية والأمنية مجرد دمى تعيّنها وتديرها جهات خارجية. تنظر الحركة إلى دولة "الرايخ الألماني" (الاسم الرسمي لألمانيا بين عامي 1871 و1945) باعتبارها الدولة الألمانية الشرعية الوحيدة، وأنها محتلة من قبل قوات أجنبية منذ الحرب العالمية الثانية، ويعتقد أعضاؤها أنه نظراً لأنه لم تكن هناك معاهدة سلام رسمية، فإن الاحتلال مستمرّ حتى اليوم.
يتركز أعضاء الحركة في الجزء الجنوبي والشرقي من ألمانيا، وبدأت الاستخبارات الداخلية بتتبعهم بعد واقعة قتل شخص ينتمي إلى هذه الحركة لضابط ألماني تابع لوحدة شرطية خاصة، وذلك في التاسع عشر من أكتوبر/تشرين الأول عام 2016.
وذكرت منصة "عين أوروبية على التطرف" في تحليل لها عن الحركة نشرته في مايو/أيار 2019، أن أجهزة الأمن الألمانية ووكالات إنفاذ القانون، وكذلك النخبة السياسية، نظرت إلى الحركة باعتبارها جماعة صغيرة، لا تشكل تهديداً. غير أن هذه النظرة قد تغيّرت بعد حادثة 2016، التي أدت إلى تغيير الطريقة التي تنظر بها وكالات إنفاذ القانون إلى الحركة، وبدأت تراقب أعضاءها بشكل أكثر صرامة.
وبحسب تقرير لـ"المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، فإن السلطات الألمانية تشعر بالقلق من امتلاك حركة "مواطني الرايخ" الأسلحة، وفي حال كانت الأسلحة مصرح بها قانونياً، لذا حاولت السلطات سحب ملكية السلاح من "مواطني الرايخ" حيثما كان ذلك ممكناً قانونياً. لكن نظراً لأن هؤلاء الأشخاص يرفضون النظام القانوني، فعادة لا يوثقون امتلاكهم للسلاح.
وكانت السلطات في ألمانيا تُتهم بالتقليل من شأن التهديد الذي تمثله هذه الجماعات. ففي عام 2017 وثق جهاز المخابرات المحلية الألماني للمرة الأولى جرائم المتطرفين التي ارتكبها أحد أعضاء الحركة، ومنذ ذلك الحين، كانت هناك عدة مداهمات على أهداف "مواطني الرايخ".
وأظهرت إحصائيات للمكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية الألمانية، وفقاً لما أوردته صحيفة "زود دويتشه تسايتونغ"، في يونيو/حزيران 2021، زيادة زخم اليمين المتطرف، وأشارت التقديرات يومها إلى وجود نحو 33300 شخص في عداد الجناح اليميني المتطرف، بينهم نحو 13300 أكثر عنفاً.
لكن على الرغم من خطورة هذه الجهات، فإن الحكومة الألمانية لم تقم بما يكفي لمحاربة التطرف اليميني في البلاد، وفق منظمات حقوقية. وأصدرت مؤسسة "أماديو أنطونيو"، و"مؤتمر منظمات المهاجرين"، و"مجموعة حقوق الإنسان"، بياناً مشتركاً أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أكدت فيه أنّ اليمين المتطرف وجماعاته يشكلان "أكبر تهديد للديمقراطية والأمن في ألمانيا".
وأوضحت أنّ "الأخطار التي تشكلها الدعاية اليمينية المتطرفة والعنف لم تتناقص، بل على العكس من ذلك زادت"، مشيرة إلى هجمات في الفترة الأخيرة على ملاجئ اللاجئين كأبرز مثال على ذلك.
(الجزيرة + العربي الجديد)