في كلمته بمؤتمر ميونخ للأمن في فبراير/شباط الماضي، ألمح الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى إمكانية انسحاب بلاده من مذكرة بودابست المؤرخة عام 1994، والتي سلّمت كييف بموجبها ترسانتها النووية، ما لم تجرى دعوة قمة الدول الموقعة أو تقديم ضمانات أمنية لأوكرانيا.
أيام قليلة كانت تفصل العالم آنذاك عن حرب كبرى في أوروبا، كُتب لها أن تبدأ ليلة 24 فبراير/شباط، بينما استثمرت روسيا تلميح زيلينسكي، على المستويين السياسي والإعلامي، لتبرير حربها على أوكرانيا أمام الرأيين العامين الروسي والعالمي، فيما توعد الرئيس فلاديمير بوتين، في كلمته التي أعلن فيها عن بدء "العملية العسكرية الخاصة"، بعدم السماح بحيازة أوكرانيا سلاحاً نووياً.
وبعد مرور ثمانية أشهر على بدء الحرب، يتصدر الحديث عن المزاعم الروسية بأن أوكرانيا قد تلجأ لاستخدام قنبلة نووية قذرة عناوين الصحف والقنوات العالمية، بعد إجراء وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، أمس الأحد، اتصالات هاتفية مع بضعة من نظرائه الأجانب، حذر خلالها من مثل هذا التطور للأحداث.
ويشرح رئيس قسم العلوم السياسية والاجتماعية في "جامعة بليخانوف" الاقتصادية الروسية بموسكو، أندريه كوشكين، أن "القنبلة القذرة" هي سلاح نووي بدائي يصنع عن طريق حشو ذخيرة أو صاروخ بنفايات من محطات نووية مدنية، ثم رشها في المنطقة المستهدفة بواسطة ذخيرة أو صاروخ، ما يجعلها غير صالحة للزارعة والعيش وأية أنشطة مأهولة لفترة طويلة".
ومع ذلك، يقرّ كوشكين، الذي خدم في الجيش السوفييتي، فالروسي، أكثر من 30 عاماً، ويحمل رتبة عقيد في الاحتياط، في حديث لـ"العربي الجديد"، بوجود عقبات أمام أوكرانيا لإنتاج "قنبلة قذرة"، مضيفاً: "تخشى روسيا من أن كييف تريد إطلاق صاروخ معبأ بالنفايات النووية إلى أبعد مسافة ممكنة لاتهام موسكو بالوقوف وراءه، ووضع المسؤولية عن إزالة التلوث الإشعاعي على عاتقها.
لكن أوكرانيا لا تملك حالياً صواريخ ذات هذا المدى، بينما من المشكوك فيه أن تسمح الدول الغربية باستخدام صواريخها لمثل هذا العمل. إلا أن أوكرانيا توجد فيها معاهد ومصانع منتجة للصواريخ مثل "يوجماش"، ولا نعلم إلى أين قد تكون وصلت في تصاميمها".
من جهته، حذر نائب رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الصاروخية والمدفعية، قسطنطين سيفكوف، من أن تداعيات قيام كييف باستفزاز، باستخدام قنبلة نووية قذرة، قد تكون أكثر خطورة من حادثتي محطتي تشيرنوبيل في جمهورية أوكرانيا السوفييتية وفوكوشيما في اليابان، في عامي 1986 و2011 على التوالي.
وقال سيفكوف في حديث لوكالة "أورا.رو": "هذا الأمر خطر جداً. أمثلة لتداعيات (القنبلة القذرة) هي تشيرنوبيل وفوكوشيما، أي تلوث إشعاعي خطير من الصعب للغاية إزالته. مرّ أكثر من 35 عاماً على مأساة تشيرنوبيل، ولكن الوضع هناك ليس بآمن حتى الآن".
ورسم الخبير العسكري ثلاثة سيناريوهات محتملة لما اعتبره تخطيط كييف لتفجير قنبلة في أوكرانيا، وقال: "الخيار الأول هو النفايات المشعة عن طريق حشو ذخيرة فيها فإطلاقها. نتيجة للانفجار، تتشتت النفايات المشعة عبر الهواء فوق مساحة ما. النقطة المزعجة (بالنسبة إلى كييف) هي أنه من الصعب اتهام روسيا بذلك".
وستسعى أوكرانيا بالخيارين الآخرين لاتهام روسيا، وفق الأكاديمي الذي تابع قائلاً: "الأكثر خطراً أن تُشنّ ضربة بمنظومة صاروخية بعيدة المدى على محطة نووية، أو بالأحرى على نفاياتها. ستتسرب إلى المياه وستسمّم السكان. يمكن شنّ ضربة من مناطق شرقية خاضعة لسيطرة أوكرانيا على مناطق غربية، وستُتهم روسيا. سيشكل ذلك ذريعة للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) للتدخل".
ويقتضي السيناريو الأخير بتوريد قنبلة نووية إلى كييف، وهو ما يوضحه سيفكوف بالقول: "يجب ألا ننسى أنه يمكنهم تفجير قنبلة نووية حقيقية. هناك بيانات تفيد بأنها موجودة في محيط ميكولايف. على الأرجح، أحضرها بريطانيون أو أميركيون. بعد استخدامها، سيتدخل الناتو في النزاع". ولم يتسنَّ لـ"العربي الجديد" التأكد من صحة هذه المزاعم من عدمها، من مصادر محايدة.
وكانت وكالة "نوفوستي" الحكومية الروسية قد نشرت، صباح أمس الأحد، تقريراً ذكرت فيه، نقلاً عن "مصادر موثوق بها في دول مختلفة"، أن أوكرانيا تريد تفجير "قنبلة قذرة" واتهام روسيا بذلك. وتلت ذلك اتصالات شويغو مع نظرائه الفرنسي سيباستيان ليكورنيو، والبريطاني بن والاس، والتركي خلوصي أكار، والأميركي لويد أوستن، في ثاني اتصال هاتفي بين وزيري الدفاع الروسي والأميركي منذ يوم الجمعة الماضي.
من جانب آخر، نفى وزير الخارجية الأوكراني دميتري كوليبا امتلاك أوكرانيا "قنابل قذرة"، موضحاً أن بلاده لن تشتري هذا النوع من السلاح، انحيازاً منها للالتزامات بموجب معاهدة عدم انتشار السلاح النووي.
وكتب كوليبا على حسابه على "تويتر": "كذب روسيا حول الخطط الأوكرانية المزعومة لاستخدام (قنبلة قذرة) عبثي مثل ما هو خطر. أولاً، أوكرانيا هي طرف ملتزم بمعاهدة عدم انتشار السلاح النووي، ولا نملك أي (قنابل قذرة) ولا نعتزم امتلاكها. ثانياً، كثيراً ما يتهم الروس آخرين بما يخططون له هم أنفسهم".
وفي تغريدة ثانية، أعلن كوليبا أنه دعا رسمياً، في اتصال هاتفي مع المدير العام لوكالة الطاقة الدولية رافاييل غروسي، الوكالة لإرسال خبراء على وجه السرعة إلى المنشآت السلمية في أوكرانيا، والتي تدّعي روسيا بشكل مخادع أنها تطوّر قنبلة قذرة، وقد وافق على ذلك. وأضاف: "على عكس روسيا، أوكرانيا كانت دائماً، ولا تزال، شفافة. ليس لدينا ما نخفيه".
يذكر أن أوكرانيا أصبحت دولة غير نووية على أثر التوقيع على مذكرة بودابست في عام 1994، مقابل تقديم ضمانات أمنية لها. ووقع على المذكرة قادة أوكرانيا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة.
(العربي الجديد)