استدعت وزارة الخارجية الإيرانية السفير البريطاني سايمون شركليف للمرة الثالثة خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة، بسبب موقف لندن من الاحتجاجات في البلاد المندلعة منذ السابع عشر من الشهر الماضي على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني، فيما واصلت الولايات المتحدة الأميركية تهديداتها لطهران بمحاسبة "المسؤولين عن العنف" ضد المتظاهرين، مع اتهامها بالسعي لـ"إسكات أصواتهم".
وأفاد التلفزيون الإيراني بأن الخارجية الإيرانية استدعت السفير شركليف على خلفية فرض بريطانيا، أمس الاثنين، عقوبات على مسؤولين إيرانيين، مشيراً إلى أن الخارجية "أبلغت السفير احتجاجها الشديد على تدخل بريطانيا في الشؤون الداخلية للجمهورية الإسلامية"، مع تنديدها بـ"هذا التصرف التدخلي".
وكانت الخارجية البريطانية قد أعلنت، أمس، فرض عقوبات على خمسة مسؤولين إيرانيين، هم قائد شرطة الآداب محمد رستمي جشمه، ورئيس شرطة الآداب في العاصمة طهران أحمد ميرازيي، فضلاً عن قائد قوات الأمن الداخلي الإيرانية (الشرطة) العميد حسين أشتري، وقائد وحدة القوات الخاصة حسن كرمي، ورئيس منظمة "باسيج المستضعفين" (التابعة للحرس الثوري) غلام رضا سليماني.
وقال وزير الخارجية البريطاني جيمس كليفرلي، في بيان، إنّ "هذه العقوبات تبعث برسالة واضحة إلى السلطات الإيرانية، وهي: سنحاسبكم على قمعكم للنساء والفتيات، وأعمال العنف المروعة التي مارستموها ضد شعبكم".
إلى ذلك، وفي آخر المواقف التي صدرت عن الولايات المتحدة الأميركية بشأن الاحتجاجات، هاجم مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان السلطات الإيرانية، في تغريدات، قائلاً إن "العالم يراقب ما يحدث في إيران. خلال عطلة نهاية الأسبوع، قُتل متظاهرون أبرياء بينهم فتاة صغيرة بالرصاص"، مضيفاً أن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي شبّه المتظاهرين بـ"الذباب".
علماً أن وكالات الأنباء الإيرانية الرسمية أفادت بأن رئيسي لم يقصد المتظاهرين، بل "أعداء" إيران.
وتابع سوليفان قائلاً إن واشنطن تقف إلى جانب المتظاهرين، مهدداً: "سنحاسب أولئك الذين يستخدمون العنف"، متهماً إياهم بالسعي "العبثي لإسكات أصواتهم".
وكانت الإدارة الأميركية قد فرضت أيضاً خلال الأسابيع الأخيرة عقوبات على قادة عسكريين وأمنيين إيرانيين على خلفية الاحتجاجات المستمرة منذ ثلاثة أسابيع، على الرغم من تراجع زخمها في الأيام الأخيرة.
من جانبها، أجرت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، مساء اليوم الثلاثاء، اتصالاً هاتفياً مع نظيرها الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان.
وقال وزير خارجية إيران في تغريدة، إنه اتفق مع نظيرته الفرنسية خلال الاتصال الهاتفي على "أن يسود الاحترام والمصالح المتبادلة العلاقات" بين الطرفين.
وأضاف أمير عبد اللهيان "اشتركنا في الرأي حول ضرورة التصدي للعنف والإرهاب"، قائلاً إنه احتج على "تدخل أوروبا في الشؤون الداخلية الإيرانية". وأوضح الوزير الإيراني أنه أبلغ كولونا أن بلاده "ستتخذ إجراءات مماثلة إذا ما فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات" على إيران.
وكانت وزيرة الخارجية الفرنسية، قد قالت في وقت سابق من اليوم الثلاثاء، في مقابلة مع إذاعة "فرانس أنتر" إن خمسة فرنسيين معتقلون في إيران، قائلة إنها ستجري اتصالاً هاتفياً مع نظيرها الإيراني اليوم للمطالبة بالإفراج العاجل عنهم.
إلى ذلك، عبّرت منظمة العفو الدولية عن قلقها تجاه ما قالت إنه "قمع الاحتجاجات في مدينة سنندج"، عاصمة محافظة كردستان، غربيّ إيران، مشيرة إلى أنها تبلّغت تقارير عن "استخدام قوات الأمن الأسلحة النارية وإطلاق الغاز المسيل للدموع عشوائياً، وكذلك داخل منازل المواطنين".
كما قالت المنظمة إن السلطات الإيرانية تواصل "تعطيل شبكات الإنترنت والهاتف النقال لإخفاء جرائمها"، داعية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة إلى "طرح مخاوفها عاجلاً مع سفراء إيران في بلدانهم، وحثهم على إنهاء حملة القمع ودعم حرية التعبير والتجمعات السلمية".
وأضافت الاحتجاجات على وفاة الشابة مهسا أميني يوم السادس عشر من الشهر الماضي في مستشفى في طهران بعد أيام من إيقافها من قبل شرطة الآداب بتهمة عدم التقيد بالحجاب "المناسب"، توتراً جديداً إلى علاقات طهران مع الغرب، في ظل تعثر المفاوضات النووية، وسط موقف القوى الغربية من الاحتجاجات، واتهاماتها لإيران بقمع المحتجين وفرض عقوبات على قادة إيرانيين. واتهمت السلطات الإيرانية رسمياً الولايات المتحدة وإسرائيل وأطرافاً أوروبية بـ"تدبيرها" و"التخطيط لها" وتأجيجها.
وتبادلت طهران وعواصم غربية، خلال الأسابيع الأخيرة، في أثناء الاحتجاجات، استدعاء السفراء، والاحتجاج على مواقف الطرف الآخر، فضلاً عن إعلان السلطات الإيرانية اعتقال 9 رعايا أجانب من دول أوروبية خلال الاحتجاجات.
استمرار الاحتجاجات
وبعد أنباء غير رسمية عن احتجاجات عمالية في منطقة عسلوية الاقتصادية، جنوبي إيران، في محافظة بوشهر المطلة على الخليج، أمس الاثنين، أكدت السلطات المحلية الإيرانية، اليوم الثلاثاء، حدوث هذه الاحتجاجات، إذ قال حاكم مدينة عسلوية علي هاشمي، لوسائل الإعلام الإيرانية، إن "بعض عمال مصنع بتروكيميائيات عسلوية نظموا صباح أمس تجمعاً نقابياً"، متهماً أشخاصاً سمّاهم "الانتهازيين" بـ"الاندساس" في التجمع العمالي، وإطلاق هتافات "منتهكة للحرمات"، في إشارة إلى هتافات سياسية حادة ضد السلطات.
وأضاف هاشمي، وفق ما أوردته وكالة "فارس"، أن المحتجين "أضرموا النار في مفارز مستقرة في المنطقة ومستوعبات قمامة"، مشيراً إلى أن قوات الأمن فرقتهم واعتقلت عدداً منهم. وتابع المسؤول الإيراني قائلاً إن "أوضاع المنطقة عادت إلى طبيعتها"، موصياً العمال بـ"ألا يسمحوا بأن يستغل معارضو الثورة تجمعاتهم النقابية ورفع هتافات خارقة للمعايير".
من جهته، زار وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، اليوم، مدينة سنندج مركز محافظة كردستان، والتي شهدت خلال الأيام الأخيرة تجمعات احتجاجية، وهاجم في تصريحات أثناء لقاء مع علماء ونخب، الفصائل الكردية المعارضة، واتهمها بتحريض الشباب على "أعمال الشغب" وتهديد أصحاب المحال التجارية بإغلاقها.
وقال وزير الداخلية الإيراني إن "هؤلاء يتصورون أن الجمهورية الإسلامية ستسقط، لكن الجمهورية الإسلامية تعيش ذروة قوتها وترون أنها كيف تتفاوض باقتدار أربك جميع الدول"، مضيفاً أن "فكرة إسقاط النظام فكرة حمقاء ومن منطلق الجهل"، وفق ما أوردته وكالة "مهر" الإيرانية شبه الرسمية.
إلى ذلك، انتشرت مقاطع مصورة خلال الساعات الأخيرة على شبكات التواصل الاجتماعي، لم يتسن لـ"العربي الجديد" التأكد من صحتها، عن مواجهات وعمليات كر وفر بين شباب وقوات الشرطة والأمن في أحد حارات مدينة سنندج.
كذلك، انتشرت خلال اليوم الأخير، دعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، دعت الإيرانيين إلى التظاهر غداً الأربعاء.
وانتشرت مقاطع مصورة، أمس الاثنين، عن إغلاق المحتجين في عسلوية الطريق وحرقهم مفارز لعناصر الحماية والحراسة للمصنع.
في غضون ذلك، انتشرت، اليوم، أنباء غير رسمية عن بدء عمال بتروكيميائيات مدينة عبادان في محافظة خوزستان، إضراباً عن العمل وتنظيم تجمع احتجاجي.
وانتشرت خلال الأيام الأخيرة دعوات على شبكات التواصل للعمال العاملين في المشاريع المؤقتة في القطاع النفطي للانضمام إلى الاحتجاجات.
ونشرت مواقع تواصل اجتماعي مقاطع فيديو لما قالت إنه تجمعات احتجاجية، اليوم الثلاثاء، لطلبة بعض الجامعات والمدارس في مدن طهران ورشت ومهاباد.
إلى ذلك، في سياق حديثه عن الاحتجاجات الأخيرة، قال المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي بهادري جهرمي، اليوم الثلاثاء، إن المجلس الأعلى للثورة الثقافية في إيران أقرّ "آليات لتدشين البيت الوطني للحوار الحر"، مشيراً إلى أن "هذا البيت يشكل فضاءً حراً للمواطنين، وخصوصاً الشباب، للحوار".
واتهم بهادري جهرمي وسائل إعلام بأنها "تحولت إلى أبواق للعنف والجماعات الإرهابية"، داعياً إياها إلى "تحمّل مسؤولية تصرفاتها غير القانونية"، على حدّ تعبيره.
وفي قائمة تحدّثها يومياً، أفادت لجنة حماية الصحافيين، ومقرها نيويورك، بأن السلطات الإيرانية اعتقلت حتى الآن 40 صحافياً وإعلامياً ومصوراً خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة في الاحتجاجات على وفاة مهسا أميني.
واليوم، الثلاثاء، أعلن المتحدث باسم السلطة القضائية مسعود ستايشي، في مؤتمره الصحافي الأسبوعي، أن السلطات الإيرانية أفرجت خلال الأيام الأخيرة عن 1700 شخص اعتقلوا خلال الاحتجاجات الأخيرة، غير أنه أكد أن السلطة القضائية الإيرانية "ستتخذ قرارات رادعة بحق أولئك الذين كانوا محرضين رئيسيين، وسيُعامَلون بحزم".
وحول وضعية الناشطة فائزة هاشمي رفسنجاني، ابنة الرئيس الإيراني الأسبق الراحل هاشمي رفسنجاني، المعتقلة منذ أكثر من شهر قبل اندلاع الاحتجاجات، قال المتحدث باسم السلطة القضائية إنها تواجه تهماً بـ"النشاط الدعائي ضد النظام، والتواطؤ والإخلال بالنظام العام"، مع القول إنها ستبقى في السجن في اعتقال مؤقت، إلى أن تُبَت الاتهامات الموجهة إليها.
ولم تعلن السلطات الإيرانية بعد حصيلة المعتقلين خلال الاحتجاجات، فيما تقدّر أرقام غير رسمية عددهم بالآلاف، فضلاً عن عدم الإعلان الرسمي حتى الآن لأرقام القتلى. غير أن وكالة "فارس" الإيرانية المحافظة ذكرت، الأسبوع الماضي، أن العدد التقريبي للقتلى هو 79 شخصاً، بينهم 19 من عناصر الشرطة والأمن والحرس، لكنها أعلنت بعد ذلك وقوع قتلى جدد من هذه العناصر والمحتجين أيضاً.
(العربي الجديد)