دنّس مئات المستوطنين الحرم الإبراهيمي الشريف في مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية المحتلة، بمشاركتهم في حفلة موسيقية صاخبة أقيمت داخل المسجد، تخللها رقص وغناء استمر لأكثر من أربع ساعات متواصلة، من منتصف الليلة الماضية حتى ساعات الفجر الأولى من اليوم الإثنين.
الحفل الذي جاء بالتزامن مع احتفالات المستوطنين بالأعياد اليهودية، حرم المسلمين من الدخول للحرم الإبراهيمي والصلاة فيه طيلة يوم أمس الأحد، فيما فرضت قوات الاحتلال إجراءات عسكرية مشددة في محيط الحرم وكامل المنطقة الجنوبية من المدينة لتأمين الاحتفالات الاستيطانية.
وأظهرت مقاطع مصورة من داخل الحرم الإبراهيمي مجموعات من المستوطنين وهي تتراقص في انتهاك جديد لحرمته، فيما كان الآلاف منهم يقومون بشعائر تلمودية في محيطه.
وأكد المدير السابق للحرم الإبراهيمي حفظي أبو اسنينة، لـ"العربي الجديد"، أن ما جرى يعد غير مسبوق، وهو يضاف إلى سلسلة طويلة جدا ولا تنتهي من الانتهاكات الاحتلالية والاستيطانية للمسجد، بدأت تحديدا بعد ارتكاب المستوطن المتطرف باروخ غولدشتاين مذبحة الحرم فجر الخامس والعشرين من فبراير/شباط عام 1994 والتي راح ضحيتها العشرات من المصلين الفلسطينيين ما بين شهداء وجرحى.
وقال أبو اسنينة إن الاحتلال ادعى أنه حقق في المذبحة من خلال تشكيله ما عرف لاحقا بـ"لجنة شمغار"، التي قررت استباحة الحرم الإبراهيمي من خلال تقسيمه مكانيا وزمانيا بين المسلمين واليهود، ومن ذلك إغلاقه بشكل كامل أمام المسلمين عشرة أيام متفرقة بالسنة من أجل السماح للمستوطنين بالصلاة فيه، و"بالأمس كان الحرم مستباحاً بالكامل من المستوطنين، وأقاموا حفلات تلمودية داخل الحرم وخارجه، وأغلقوا مداخل الحرم لتفريغ المنطقة من أهلها".
وتابع أبو اسنينة: "ما جرى انتهاك فاضح لحرمة وقدسية بيوت الله. هذا رابع مسجد يحظى بمكانة لدى المسلمين في العالم، بعد الحرمين المكي والمدني والمسجد الأقصى، كما أنه مدرج في لائحة التراث العالمي، وفقاً لمنظمة (يونسكو) في عام 2017، لكن لم يعد أحد يحرك ساكنا. يشاهدون هذه الفظائع التي تتعاظم يوما بعد يوم في المسجد الإبراهيمي".
ويرى أبو اسنينة أن ما جرى هو محاولة لتهويد الحرم وفرض السيطرة على المقدسات الإسلامية في الخليل، والمستوطنون بفعلتهم هذه "يضربون عرض الحائط بكل القوانين الصادرة عن المنظمات الدولية بما فيها اليونسكو، التي اعتبرت الحرم الإبراهيمي والبلدة القديمة من الخليل مقدسات إسلامية وعلى قائمة الإرث الحضاري"، مشددا على أن "تقاعس العرب والمسلمين عن رد هذه الاعتداءات وفضحها هو الذي أوصل مقدساتنا لهذه الحال.. والاحتلال يسعى لتطبيق هذا الفصل الزماني والمكاني على المسجد الأقصى في القدس بعد نجاحه بذلك هنا في الخليل".
ورأى أبو اسنينة أن الاحتلال يريد من خلال عمليات التهويد المستمرة، ومنها بث صور المستوطنين يرقصون داخله وخارجه بكل راحة وطمأنينة، الوصول إلى مرحلة تهجير المواطنين الفلسطينيين من الأماكن التي يريد السيطرة عليها في الخليل العتيقة خاصة، وفق مخطط ممنهج تنفذه حكومة الاحتلال مع المستوطنين.
واستدرك ابو اسنينة بالقول: "لذلك لم يقتصر الأمر على داخل المسجد، فقد احتشد آلاف المستوطنين في باحاته الخارجية بحجة أداء طقوس تلمودية. هم يدعون أن هذه صلوات، لكنها في الحقيقة تندرج ضمن مخطط لتهجير الأهالي الفلسطينيين من كافة الأحياء المجاورة للمسجد. حيث منعوهم كليا من الخروج من بيوتهم، ومن كان خارج بيته لم يسمحوا له بالعودة إليه إلا بعد انتهاء الصلاة وانسحاب المستوطنين".
وبعد انتهاء الحفل الصاخب، سُمِح لمسؤولي الأوقاف في الخليل نحو الثالثة فجراً بالدخول للحرم، وقال أبو اسنينة: "عملنا على مسحه بالكامل تحسبا من وجود أي متفجرات وضعها المتطرفون فيه. كما عملنا على تنظيفه وترتيبه وإعادة فرش السجاد، وأدينا صلاة الفجر".
وأضاف أبو اسنينة: "نحن في إدارة الحرم نُعلِم وزارة الأوقاف بكل اعتداء وتدنيس للمسجد، وعليها تقع مسؤولية إعلام كافة المؤسسات الرسمية والدولية بما يجري".
يشار إلى أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي منعت منذ بداية سبتمبر/أيلول الماضي، إقامة الأذان في المسجد الإبراهيمي أكثر من 60 مرة، وفق دائرة أوقاف الخليل.
بدوره، أدان المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية محمد حسين، إغلاق المسجد الابراهيمي أمام المصلين المسلمين بحجة الأعياد اليهودية.
وبين حسين أن الشرائع السماوية تُحرم المس بالأماكن المقدسة المخصصة للعبادة وتؤكد حرمتها، غير أن سلطات الاحتلال تتنكر لذلك.
وشدد حسين على "ضرورة التوقف عن منع مساجد الله من أن يذكر اسم الله فيها والسعي في خرابها وتدنيسها".
ويقع الحرم الإبراهيمي في البلدة القديمة من الخليل التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية، ويستوطن فيها نحو 400 مستوطن يحرسهم نحو 1500 جندي إسرائيلي.
ومنذ عام 1994، قسمت إسرائيل المسجد بواقع 63% لليهود، و37% للمسلمين، عقب مذبحة الحرم، وفي الجزء الذي خصصته لليهود تقع غرفة الأذان.
وسبق أن أنهت سلطات الاحتلال أخيرا تركيب "مصعد كهربائي"، بعدما عمدت في نهاية مايو/ أيار المنصرم، على هدم وتجريف عدد من الدرجات الأثرية، وتركيب هيكل المصعد، الذي يتشكل من مقطعين، الأول طولي بارتفاع 10 أمتار تقريباً، وآخر عرضي، متصل بالباب الغربي للحرم الإبراهيمي، باستخدام معدات ثقيلة وشاحنات، جرى إدخالها خلسة تحت جنح الظلام، وهو ما رأى فيه الفلسطينيون خطوة جديدة تهدف إلى "تهويد الحرم الإبراهيمي وتغيير هويته الحضارية الإسلامية".
وتحتفل دولة الاحتلال الإسرائيلي بعدد من الأعياد اليهودية، من بينها عيد رأس السنة العبرية، وعيد الغفران، وعيد العرش، وعيد التوراة، وهي أعياد يفرض خلالها الجيش الإسرائيلي إغلاقا تاما على الضفة الغربية وقطاع غزة، بما في ذلك الحواجز والمعابر، كما يتم إغلاق الحرم الإبراهيمي عشرة أيام في السنة.
(العربي الجديد)