يواصل التونسيون التصويت على مشروع الدستور الجديد الذي يمنح صلاحيات واسعة للرئيس قيس سعيّد. وبينما بلغت نسبة المشاركة 12% من مجموع الناخبين بعد 7 ساعات من بدء التصويت بحسب هيئة الانتخابات، اتهمت أحزاب معارضة الرئيس بخرق القانون، كما واجهت عمليات التصويت انتقادات لمنع مراقبين من دخول مراكز الاقتراع.
فقد بدأت -صباح اليوم في تونس- عمليات التصويت في الاستفتاء على الدستور، فيما يدخل تصويت المغتربين التونسيين يومه الثالث والأخير.
وسيكون أكثر من 11 ألف مكتب اقتراع داخل البلاد مفتوحا لأكثر من 9 ملايين ناخب تونسي، بحسب رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر.
وقال بوعسكر إن نسبة الإقبال على التصويت بعد 7 ساعات من فتح مراكز الاقتراع بلغت 12% من الناخبين المسجلين.
وقبل ذلك، تحدث رئيس هيئة الانتخابات عن مشاركة مهمة ومشجعة مع إدلاء 560 ألفا بأصواتهم بعد 3 ساعات من فتح مراكز الاقتراع.
وبدأ التصويت في الساعة السادسة صباحا بالتوقيت المحلي وينتهي عند العاشرة مساء (من 5 صباحا وحتى 9 مساء بتوقيت غرينتش) وهو أطول يوم انتخابي تشهده تونس.
ولم يتضح متى سيتم إعلان النتائج بعد انتهاء التصويت، لكن محللين يتوقعون التصويت بالموافقة مع إقبال منخفض بسبب عدم وجود حماس يذكر على ما يبدو للتصويت.
واتهم الرئيسُ سعيّد -حين أدلى بصوته اليوم- جهات لم يسمّها بمحاولة إفشال الاستفتاء، مطالبا المصوّتين بعدم الاستجابة لمن يغرونهم بالمال، وقال إن هذه الأطراف تعمل على منع المواطنين التونسيين من المشاركة في الاستفتاء وعرقلة إرادتهم في بناء جمهورية جديدة.
اتهامات وانتقادات
وفي بيان مشترك أصدرته اليوم، اتهمت 5 أحزاب معارضة هي الجمهوري والتكتل والتيار الديمقراطي والعمال القطب الرئيس سعيد بانتهاك الصمت الانتخابي والتهجم على معارضيه.
وقالت الأحزاب الخمسة المنضوية ضمن "الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء" إن هذه التجاوزات تعبر عما وصفته بالطابع المزيف لهذا الاستفتاء.
وانتقدت توجه الرئيس اليوم بكلمة وصفتها بالدعائية لفائدة مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء.
واعتبرت الأحزاب المعارضة الخمسة أن صمت الهيئة على ما قام به الرئيس دليل على عدم استقلاليتها وعلى تزوير المسار الانتخابي والنتائج التي ستتمخض عنه.
وكان الأمين العام للحزب الجمهوري عصام الشابي اعتبر قبل ذلك أن الرئيس قيس سعيّد خرق الصمت الانتخابي أمام مكتب الاقتراع، في إشارة إلى التصريحات الإعلامية التي أدلى بها سعيّد عقب إدلائه بصوته، والتي اتهم فيها الأطراف الداعية إلى مقاطعة الاستفتاء بخيانة الشعب والخوف من إرادته.
وأضاف الشابي أن هيئة الانتخابات التي وصفها بالمنصّبة تلازم الصمت، مشددا على أنّ ما بُني على باطل فهو باطل، وفق تعبيره.
من جهة ثانية، قالت الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات (عتيد) إن عددا من المراقبين منعوا من القيام بمهمتهم في مراقبة سير عملية الاستفتاء.
وطالبت الجمعية بتدخل هيئة الانتخابات بشكل سريع وتعميم معلومة شهادات اعتماد المراقبين على أعوانها والسماح لهم بأداء دورهم الرقابي. وأكدت تسجيل تأخير في انطلاق عملية الاقتراع في أكثر من مركز، بالإضافة إلى التضييق على عدد من مراقبيها ومنعهم من التنقل بين المراكز.
وفي ذات السياق، قال مركز "شاهد" لمراقبة الانتخابات إنه تم منع مراقبين من الدخول لعدد من مكاتب الاقتراع والتنقل بينها، وسجلت خروقات من شأنها المس بجوهر العملية الانتخابية.
في المقابل، أشار المتحدث الرسمي باسم هيئة الانتخابات في تونس محمد التليلي المنصري إلى وقوع ما وصفها بإشكالية صغيرة بشأن المراقبين، قائلا إنه تم تجاوزها.
بدورها، قالت نقابة الصحفيين التونسيين إنه تم منع بعض الصحفيين من التغطية داخل مراكز اقتراع وحجب المعلومات عن آخرين، وتحدثت عن عوائق ومضايقات أمنية لصحفيين تونسيين وأجانب أثناء تغطية الاستفتاء.
ويجري التصويت في ذكرى مرور عام على إجراءات سعيّد، بعد أن حلّ البرلمان المنتخب وأطاح بالحكومة وفرض حالة الطوارئ وبدأ الحكم بمراسيم.
ويُعدّ الاستفتاء ثاني محطات خارطة الطريق التي أعلنها الرئيس سعيّد، والتي قال إنها تهدف إلى الخروج بالبلاد من أزماتها السياسية والاقتصادية، وستُستكمل بإجراء انتخابات برلمانية في 17 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
وبموجب قواعد سعيد للاستفتاء ليست هناك حاجة إلى حد أدنى من المشاركة لإقرار الدستور الجديد. وتشترط هذه القواعد فقط أن يدخل حيز التنفيذ بمجرد نشر النتائج النهائية ولا تذكر ما سيحدث إذا رفضه الناخبون.
وأشاد سعيد بخطواته باعتبارها أساسا لجمهورية تونسية جديدة لإعادة الثورة إلى مسارها وإنهاء سنوات من التصلب السياسي والركود الاقتصادي، بينما يتهمه خصومه بقيامه بانقلاب.
وعلى الرغم من إدانة معظم الأحزاب السياسية الرئيسية ومنظمات المجتمع المدني تقريبا نهجه الأحادي الجانب لإعادة كتابة الدستور وشرعية الاستفتاء، فقد فشلت في بناء جبهة موحدة.
وتجلى ذلك في الاحتجاجات ضد سعيد في الأيام الأخيرة، حيث شارك حزب النهضة الإسلامي، أكبر حزب في البرلمان، في احتجاج يوم السبت. ونظمت مؤسسات المجتمع المدني والأحزاب الصغيرة احتجاجا يوم الجمعة. في المقابل، نظم حزب يؤيد الحكم المطلق الذي كان قائما قبل الثورة احتجاجات في كلا اليومين.
ولم تشارك في الاحتجاجات سوى أعداد قليلة ولكن التجمعات التي نظمها أنصار سعيد لم تشهد أيضا سوى حضور متواضع. وما زال معظم التونسيين يركزون على الاقتصاد المتردي وارتفاع الأسعار.
ومن بين 3 انتخابات برلمانية وانتخابات رئاسية جرت مرتين منذ ثورة 2011 على الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي، بلغت أقل نسبة مشاركة 41% عام 2019 للمجلس الذي حله سعيد.
ويمكن أن تثير أي نسبة مشاركة أقل بكثير من هذا المعدل -اليوم الاثنين- المزيد من التساؤلات حول شرعية الدستور الجديد لسعيد ومشروعه لإعادة تشكيل السياسة التونسية.
الدستور الجديد ودستور 2014
ويشكّل الدستور الجديد المستفتى عليه قطيعة مع دستور الثورة الذي أقِرّ في 2014 وأسّس لنظام برلماني معدّل.
ويقر الدستور الجديد بشكل واضح النظام الرئاسي، ولم تعد فقط للرئيس فيه صلاحيات الدفاع والخارجية كما نص عليها دستور 2014، بل توسّعت لتشمل أبعد من ذلك اختصاصات تعيين الحكومة والقضاة وتقليص النفوذ السابق للبرلمان.
كما أصبح لرئيس الجمهورية حق تعيين رئيس الحكومة وبقية أعضائها باقتراح من رئيس الحكومة، كما يُخوّل له الدستور إقالتها دون أن يكون للبرلمان دور في ذلك.
كما أن للرئيس، القائد الأعلى للقوات المسلحة، صلاحيات ضبط السياسة العامة للدولة وتحديد اختياراتها الأساسية، ولمشاريعه القانونية "أولوية النظر" من جانب نواب البرلمان.
فضلاً عن ذلك، انقسمت الوظيفة التشريعية بين "مجلس نواب الشعب" الذي ينتخب نوابه باقتراع مباشر لمدة 5 سنوات و"المجلس الوطني للجهات" ويضم ممثلين منتخبين عن كل منطقة، على أن يصدر لاحقا قانون يحدد مهماته.
ويندرج إرساء هذا المجلس في إطار تصور الرئيس قيس سعيّد بلامركزية القرار وأن الحلول للمناطق المهمشة والتي تفتقد للتنمية يجب أن تُطرح من جانب الأهالي.
إضافة إلى ذلك، يقبل الرئيس استقالة الحكومة إثر تقديم لائحة لوم مُصادق عليها بغالبية الثلثين للمجلسين مجتمعين، وهذا من الصعب تحقيقه ويفسح له المجال ليكون المقرّر الأول لمصير أي حكومة.
ولم يتضمن الدستور بنودا لإقالة الرئيس، خلافا لما جاء في دستور عام 2014، وفي المقابل يمنح له الحق في حل البرلمان والمجلس الوطني للجهات.
ويعيّن الرئيس القضاة إثر تقديم ترشحاتهم من جانب المجلس الأعلى للقضاء، ما اعتبره قضاة "تدخلا في استقلال القضاء".
(الجزيرة)