عاشت مدينة نابلس، بمخيماتها الثلاثة وبلدتها القديمة، حالة عارمة من الغضب الشديد على جريمة اغتيال قوات الاحتلال الإسرائيلي، فجر اليوم الأحد، لشابين فلسطينيين محسوبين على تيار المقاومة الفلسطينية.
وكانت البلدة القديمة، التي تقع وسط مدينة نابلس، وتحديدا “حارة الياسمينة” التاريخي، عاشت أحداث مواجهات مسلحة عنيفة واشتباكات استمرت لأكثر من أربع ساعات، حيث أعلن عن استشهاد الشابين محمد بشار عزيزي (25 عاما) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عاما) بعد حصار واشتباك مع قوات معززة من جيش الاحتلال.
وعاشت البلدة القديمة أجواء عمليات عسكرية واجتياحات احتلالية، لم تشهدها المنطقة منذ أحداث الانتفاضة الثانية، في عملية عسكرية اعتبرها مراقبون الأكبر والأضخم التي تتعرض لها المدينة منذ سنوات.
وفور انتهاء العملية العسكرية مع بزوغ شمس صباح جديد تكشفت الأحداث عن استشهاد الشابين، حيث احتشد آلاف المواطنين في البلدة القديمة، وسادت أجواء الغضب على جريمة الاغتيال.
وإلى جانب الشهيدين، اللذين خاضا اشتباكا مسلحا وصف بالعنيف والضاري، أصيب الشاب محمد حرز الله إصابة خطرة، فيما أصيب 10 شبان آخرين، كما وثقت فيديوهات نشطاء ومقاومين نجاة المقاوم الفلسطيني المطلوب للاحتلال الإسرائيلي لحظة خروج المطارد إبراهيم النابلسي.
وخرج المطارد، الملقب بالنابلسي، من المنزل القديم المهدم، فيما سار مشهرا سلاحه دلالة على تحدي الاحتلال من بين جموع المسلحين والجماهير التي هتفت له وللشهداء ومجدت المقاومين.
وكشف ضوء الصباح عنف المواجهات وطبيعة الاستهداف الإسرائيلي للمنزل القديم والبسيط، الذي كان يعيش فيه المقاومون الثلاثة حيث هدم الاحتلال جانبا من المنزل ودمر أغلب محتوياته بالقذائف والمتفجرات.
ونشر ناشطون صوراً لساعات وعلب عطر ومجموعة من السكاكر كان يأكل منها الشهيدان، فيما كان يمكن رؤية ثلاثة أسرّة كان ينام عليها المطلوبون الثلاثة وسط حالة من الدمار.
ومن أعلى نقطة في المكان المستهدف كان يمكن للزائرين والفضوليين معاينة المكان الذي كان يقيم فيه المقاومون، حيث إطلالته على البلدة القديمة في المدينة، وقد علق أحد المواطنين متسائلا: “كيف وصلوا إلى هنا بكل هذه القوات!”.
وشيعت جماهير محافظة نابلس جثماني الشهيدين عزيزي، وصبح، إلى مثواهما الأخير في مدينة نابلس. وانطلق موكب الشهيدين من أمام مستشفى رفيديا، بمشاركة عدد من ممثلي الفعاليات الرسمية والشعبية والوطنية، باتجاه مثواهما الأخير في مقابر المدينة.
وحمل المطارد المعروف بـ “النابلسي” جثمان أحد رفاقه، فيما حمل بيده سلاحه الشخصي في إشارة إلى استمرار المقاومة. حيث قام أحد المواطنين الغاضبين بتقبيل يد النابلسي.
وهتف آلاف المواطنين ضد قوات الاحتلال وطالبوا المقاومة بالاستمرار وسرعة الرد. وبحسب مصادر إسرائيلية فإن الإعلام الإسرائيلي "جنّ جنونه" لعدم تمكن قوات الاحتلال من قتل المطارد الثالث النابلسي.
ويعتبر حي الياسمينة، أو حارة الياسمينة، الأكثر شهرة بين أحياء نابلس، وربما فلسطين قاطبة، وكثيراً ما توصف بأنها دمشق أو الشام الصغرى، حيث تتميز أحياء البلدة القديمة في مدينة نابلس بطابعها المعماري الخاص والموروث من الحضارات القديمة التي تعاقبت على المدينة، ويحتل حي الياسمينة الزاوية الجنوبية الغربية من المدينة القديمة، وسمي الياسمينة بهذا الاسم لكثرة الياسمين فيه.
ويضم الحي المستهدف على الكثير من أشكال الفن المعماري القديم المتمثل في بيوت أنشئت قبل مئات السنين، ومن أعرقها بيوت أبو شلبك وعبد الهادي وشقير وشريف وحمودة (صانع الخير)، وتحتوي أيضاً على قصر عبد الهادي، كما يقع وسط حارة الياسمينة فوق جامع الساطون. وعلى أمتار قليلة يبرز ديوان الياسمينة، الذي تحول إلى ملاذ لكل العائلات في المناسبات الاجتماعية الأفراح والأتراح، أو استقبال العزاء بالشهداء، وإقامة الأنشطة الاجتماعية والثقافية.
يذكر أنه خلال أحداث الانتفاضة الثانية تعرض الحي لهجمات واستهدافات احتلالية كثيرة، وهو ما عرّض مجموعة من مبانيه للدمار.
وكانت قوات إسرائيلية خاصة قد اقتحمت حي الياسمينة بالبلدة القديمة من نابلس، وحاصرت منزلا وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل “الإنيرجا”، ما أدى إلى استشهاد الشابين العزيزي وصبح، وإصابة 10 مواطنين بالرصاص الحي، أحدهم بحالة حرجة.
وأعلنت مصادر طبية في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، فجر الأحد، عن استشهاد مواطنين وإصابة 10 آخرين برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامها مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية.
وقال شاهد عيان إن قوات كبيرة من جيش الاحتلال، اقتحمت حي الياسمينة في البلدة القديمة من مدينة نابلس، وحاصرت عدداً من الشبان في أحد المنازل، وسط إطلاق كثيف للرصاص وقنابل “الانيرجا”.
وأضاف، نقلا عن مدير مركز الإسعاف والطوارئ في الهلال الأحمر بنابلس أحمد جبريل، أن شابين استشهدا، وأصيب 10 آخرون برصاص قوات الاحتلال، أحدهم جروحه خطيرة بمنطقة الرأس.
وأعلنت لجنة التنسيق الفصائلي في نابلس، الإضراب الشامل في المحافظة، فيما علقت إدارة جامعة النجاح الوطنية بالتنسيق مع نقابة العاملين ومجلس اتحاد الطلبة، الدوام للطلبة والعاملين الأحد. كما سادت أجواء الإضراب والحديد في عموم مدينة ومخيم جنين.
إدانة واسعة
بدوره أدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي في مدينة نابلس، والتي أسفرت عن ارتقاء شهيدين وتدمير بيوت وحرق ممتلكات.
وحمّل الشيخ الاحتلال مسؤولية تداعيات هذه الجريمة، وأكد أن الحماية الدولية لشعبنا الفلسطيني هي الكفيلة بوضع حد لهذه الجرائم التي ترتكب بحقه.
وأدان الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة، جريمة اغتيال الشابين عبد الرحمن صبح، ومحمد العزيزي في نابلس فجرا، وحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عنها.
وأكد أبو ردينة في حديث لإذاعة “صوت فلسطين” أن تلك الجرائم لن تقهر شعبنا، ولن تفتت من عزيمته. واعتبر أن “استمرار عدوان الاحتلال على شعبنا ليس غريبا على حكومات الاحتلال، وأن المنطقة ستبقى في دوامة العنف حتى إنهاء الاحتلال وتحقيق السلام العادل”.
وأشار أبو ردينة إلى أن اللجنة المركزية لحركة “فتح” اجتمعت قبل يومين، وستجتمع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قريبا، لتقييم الأوضاع عقب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن.
وبين أن الرئيس محمود عباس أبلغ الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال لقائهما في بيت لحم، بأن قرارات المجلس المركزي لا يمكن تأجيلها إلى ما لا نهاية، وأنها مطروحة على الطاولة.
وقالت وزارة الخارجية والمغتربين إن جرائم الاحتلال بحق أبناء شعبنا لن توفر لإسرائيل هروباً آمناً من استحقاقات السلام، ودوامة العنف والتصعيد يشكلان جزءاً من سياسة الاحتلال بهدف تكريس المدخل الأمني في التعامل مع القضية الفلسطينية وإزاحة واستبعاد المداخل والحلول السياسية.
وأدانت الوزارة، في بيان صدر عنها، اليوم الأحد، الجريمة البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال فجرا في مدينة نابلس، والتي أدت إلى استشهاد الشابين عزيزي، وصبح، واعتبرتها حلقة في سلسلة طويلة من جرائم الاحتلال وميليشيات المستوطنين المسلحة ضد الفلسطينيين، بما في ذلك الاقتحام الدموي العنيف الذي حصل أيضاً في بلدة قباطية، وأدى إلى إصابة مواطن بالرصاص، واعتقال ثلاثة آخرين.
وأوضحت أن هذه الجريمة والاقتحام الهمجي لمدينة نابلس وبلدتها القديمة يعد خرقا فاضحا للاتفاقيات الموقعة والقانون الدولي واتفاقيات جنيف، وكسياسة إسرائيلية رسمية تتعمد ارتكاب الانتهاكات والجرائم والقتل خارج القانون، وبتعليمات صريحة من المستوى السياسي في دولة الاحتلال.
وأشارت إلى أن دولة الاحتلال لا تكتفي بسرقة الأرض الفلسطينية، والاستيلاء عليها، وتكريس الاستيطان فيها، بل وتواصل عدوانها الهادف لكسر إرادة المواجهة والصمود لدى المواطنين الفلسطينيين.
وحمّلت الوزارة الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الجريمة البشعة وغيرها من الجرائم، وحذرت من مغبة التعامل مع جرائم الاحتلال وضحاياها كأرقام في الإحصائيات، أو كأمور باتت اعتيادية ومألوفة لأنها تتكرر يومياً، وهو ما يخفي حجم المعاناة والألم الذي تتكبده الأسر الفلسطينية جراء فقدان أبنائها.
كما أكدت أن شعبنا ليس فقط ضحية الاحتلال الاستعماري العنصري، وإنما أيضاً ضحية ازدواجية المعايير الدولية وغياب الإرادة الدولية في تنفيذ القرارات الأممية الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتقاعس المجتمع الدولي في توفير الحماية لشعبنا.
وأكدت أنها ستتابع هذه الجريمة النكراء مع المحكمة الجنائية الدولية، وتطالبها بتحمل مسؤولياتها تجاه الضحايا الفلسطينيين، والإسراع في إصدار مذكرات جلب واستدعاء وتوقيف للمشبوهين في ارتكاب هذه الجرائم، بما يضع حداً لإفلات دولة الاحتلال من المساءلة والعقاب.
وأدان رئيس الوزراء محمد اشتية، الجريمة البشعة وحمّل سلطات الاحتلال المسؤولية الكاملة عن تداعيات هذه الجريمة، محذرا من المخاطر الناجمة عن تكرار مثل تلك الجرائم التي ما كان لها أن تقع لولا شعور الجناة أن بإمكانهم الإفلات من العقاب.
وأدان رئيس المجلس الوطني روحي فتوح الجريمة وحمّل الاحتلال وحكومته العنصرية المسؤولية الكاملة عن هذه الجريمة النكراء وتبعاتها، مؤكدا أن سياسة الإعدامات والاغتيالات بدم بارد لأبناء شعبنا محاولة إسرائيلية فاشلة لكسر إرادة شعبنا وصموده والمقاومة الشعبية في فلسطين.
وأضاف: لا خيار أمامنا إلا الصمود والدفاع عن وطننا وكرامتنا ومواجهة الاحتلال العنصري وحكومته الفاشية التي تستخدم القتل والاغتيال للتعبير عن مدى تطرفها وعنصريتها.
وأشاد بصمود أهالي نابلس وجنين وكافة المدن الفلسطينية وقراها ومخيماتها، مؤكدا أنها ستبقى عصية على الانكسار وستواصل صمودها ومقاومتها ضد الاحتلال حتى إفشال أهدافه وجرائمه.
وقال فتوح إن صمت المجتمع الدولي يشجع الاحتلال على مواصلة ارتكاب جرائمه، داعيا للتدخل الفوري لتوفير الحماية للشعب الفلسطيني.
الصحافة الإسرائيلية
اعتبرت وسيلة إعلام إسرائيلية أن العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على حي الياسمينة جاءت بهدف تصفية أو اعتقال خلية متهمة بتنفيذ مجموعة من عمليات إطلاق النار على جنود الاحتلال الإسرائيلي خصوصًا في محيط قبر يوسف.
وبثت القناة 12 الإسرائيلية تقريرًا عن العملية العسكرية التي نفذها جيش الاحتلال في مدينة نابلس، فجر الأحد، وانتهت باستشهاد الشابين، بعنوان “داخل عش الدبابير: كل التفاصيل خلف القضاء على المسلحين في نابلس” وأعده مراسل الشؤون العسكرية في القناة نير دفوري.
وقال دفوري في التقرير: “أعادت العملية التي نفذها جنود الجيش وجهاز المخابرات (الشاباك) ومقاتلو وحدة مكافحة الإرهاب (اليمام) التابعة لحرس الحدود في منطقة البلدة القديمة في نابلس التأكيد على خطورة المسلحين الذين يملؤون المدن والبلدات العربية ومخيمات اللاجئين”.
وأشارت القناة إلى استشهاد شابين خلال محاولة اعتقال مطلوبين للاشتباه في مشاركتهم بعمليات مقاومة للاحتلال.
وحاول دفوري إلقاء الضوء على الأجواء المحيط للعملية، من خلال وصفه لطبيعة الموقع التي نفذت فيه، قائلًا: “الكثافة السكانية ومحدودية القدرة على الوصول لبعض المناطق والمخابئ الكثيرة تجعل من الصعب على القوات تنفيذ مثل هذا النمط من العمليات بوتيرة مكثفة”.
ووصف التقرير “العملية في حي القصبة بنابلس بالمعقدة وغير العادية، وذلك لأنها تتطلب استخبارات دقيقة لتحديد مكان المطلوبين، حيث توجد في المنطقة أنفاق قديمة يمكن أن يتخفى فيها الشبان. بالإضافة إلى تواجد العديد من المسلحين في الجوار، والذين يستدعون مسلحين إضافيين في حال رصدوا اقتراب قوات الجيش الإسرائيلي، الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق نار في أماكن أخرى، وقد يعرض هذا الجنود المشاركين في العملية للخطر”.
وأشار تقرير القناة إلى أن “القصبة، البلدة القديمة في نابلس، منطقة يصعب الوصول إليها فهي مزدحمة ومليئة بالأزقة. وأي وجه غير عادي لا ينتمي إلى المكان يثير الشك فورًا”. موضحًا أن قوة اليمام التي دخلت إلى المنطقة من خلال شاحنة بيضاء، تم رصدها وكشفها ليبدأ اشتباك مسلح، مما دفع قوة من لواء جفعاتي إلى محاصرة المنطقة من أجل منع وصول المزيد من المقاومين إلى المكان.
وفي سياق التقرير، الذي ترجمه موقع “الترا صوت فلسطين”، استعرض مراسل القناة تقديرات المؤسسة الأمنية الإسرائيلية التي تعتقد أن هناك إمكانية لحصول عمليات مقاومة، وذلك نتيجة شعور الفلسطينيين بخيبة أمل لأنهم لم يتلقوا أي شيء بعد زيارة الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن للمنطقة.
وأكمل دفوري رواية تفاصيل العملية العسكرية في نابلس من وجهة نظر إسرائيلية، مشيرًا إلى أن قوة من جيش الاحتلال دخلت القصبة في نابلس ووصلت إلى مكان تواجد المطاردين، ومن بينهم إبراهيم النابلسي، أحد أفراد الخلية التي نفذت عمليات إطلاق نار سابقة واستشهد أفرادها في عملية اغتيال قبل 4 أشهر في نابلس خلال النهار.
وأضاف التقرير أنه بعد تبادل إطلاق النار دخل جنود جيش الاحتلال إلى المنزل، الذي تحصن فيه المطاردون، وعثروا خلال عملية التفتيش على العديد من الأسلحة والعبوات الناسفة.
وأشار دفوري إلى أن النابلسي هو الوحيد الذي نجا من عملية الاغتيال قبل 4 أشهر، ومنذ ذلك الحين لم يتمكن جيش الاحتلال من الوصول إليه.
وقال دفوري إنه خلال العملية العسكرية وقع اشتباك مسلح بين جنود جيش الاحتلال والمطاردين، وخلال ذلك وصل عدة مسلحين إلى المكان، في الوقت الذي استخدمت فيه قوة الاحتلال صواريخ محمولة على الكتف، فيما لم يتم اعتقال أيّ شخص تواجد في المكان.
(القدس العربي)