كانت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للسعودية إيذاناً بطيِّ صفحة الخلاف بين الرياض وأنقرة، فهل ترى إيران أن ذلك التقارب يصبُّ في اتجاه مصالحها أم العكس؟
والسؤال هنا لا يبدو غريباً، في ظل سعي إيران والسعودية لإصلاح العلاقة بينهما. فطهران والرياض تعقدان لقاءات منذ أكثر من عام، كانت في البداية سرية وجرت على الأراضي العراقية، ثم أصبحت معلنة من جانب الطرفين، ولا تزال مستمرة.
موقع Middle East Eye البريطاني نشر تحليلاً للباحثين علي باكير أستاذ العلاقات الدولية في مركز ابن خلدون بجامعة قطر، وأيوب إرسوي الأكاديمي في جامعة آهي إيفران التركية، سلَّطا فيه الضوء على التغيرات الناشئة في المنطقة بعد زيارة الرئيس التركي للسعودية، وما أعقبها من بوادر على تحسن العلاقة بين البلدين، ويختص المقال بالتناول مخاوف إيران من التقارب بين القوتين الإقليميتين وتداعيات ذلك على مصالح طهران في جبهات التنازع المختلفة في المنطقة.
أخيراً نجحت المصالحة السعودية التركية
بعد عام من المساعي الدبلوماسية المكثفة التي بذلت لكي تعود العلاقات بين السعودية وتركيا إلى طبيعتها، ولكي يتجاوز البلدان الجفوة القائمة بينهما منذ حين، يبدو أن العلاقات بدأت تشهد تحسناً ملموساً في أعقاب زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض في 18 أبريل/نيسان.
ويشير مقال الموقع البريطاني إلى أن الزيارة كانت محط اهتمام كبير، وشوهد فيها أردوغان وولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يتصافحان ويتعانقان.
ومع ذلك، يذهب الباحثان إلى أن الطيف العام من الخبراء ووسائل الإعلام بالغ في ترجيح كفة تأثير العوامل الاقتصادية في هذه المصالحة على تأثير الشؤون الأمنية الجيوسياسية والحالة الإقليمية، التي عادةً ما تكون لها اليد العليا في صياغة العلاقات بين الرياض وأنقرة.
يلفت المقال إلى أن الشؤون السياسية للإقليم فيما يتعلق بإيران والولايات المتحدة تحتل مكانة بارزة في الفواعل المحركة للتغيرات التي تعتري العلاقات بين تركيا والسعودية. وقد تجلَّى هذا التأثير المشار إليه للعوامل الجيوسياسية والأمنية فيما ذهبت إليه معظم الآراء الواردة عن إيران من انتقاد المصالحة بين السعودية وتركيا أو تخوفٍ منها.
تنظر إيران إلى الأمر، فترى أن المصالحة بين هاتين القوتين الإقليميتين قد تنال من نفوذها في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق واليمن، علاوةً على أنها قد تقوِّي موقف السعودية في مفاوضاتها مع إيران حول قضايا الخلاف الإقليمية، ومن ثم تقوِّض مساعي طهران لإجبار الرياض على تقديم التنازلات.
هل جاءت المصالحة بدفعٍ من الولايات المتحدة؟
يعرِّج المقال على آراء بعض خبراء السياسة الإيرانيين الذين ذهبوا إلى أن المصالحة التركية السعودية جزء من مساعي الولايات المتحدة لتوفيق الأمور بين حلفائها، وأن الغاية هي تمكين حلفاء الولايات المتحدة من الصمود في مواجهة إيران وروسيا والصين بعد خروج مزعوم للقوات الأمريكية من المنطقة.
ويستدل المقال بما أوردته صحيفة "جوان أونلاين" الإلكترونية، المقربة من الحرس الثوري الإيراني، من اتهامٍ لأردوغان بـ"تطويع السياسة الخارجية التركية خدمةً للسعودية والإمارات"، فقد هاجم المقال الحاد الذي خطه الكاتب الإيراني هادي محمدي الدول الثلاث، واختص الكاتب بالنقد تحركات أنقرة في العراق وسوريا.
ومع ذلك، يذهب الباحثان إلى أن التقارب بين الرياض وأنقرة جدير بتمكين البلدين من زيادة نفوذهما في السياسة العراقية، إذا نجح البلدان في إيجاد الطرق اللازمة لاستيعاب مصالح كل منهما والحفاظ على قدر من التنسيق بينهما.
أبدى إيرَج مسجدي، سفير إيران في بغداد، في فبراير/شباط 2021 عدم ارتياح طهران لنفوذ تركيا في العراق، ودعا إلى انسحاب القوات التركية من الأراضي العراقية.
وعمدت ميليشيات الحشد الشعبي الموالية لإيران في الأشهر الأخيرة إلى زيادة استهدافها للقوات التركية المتمركزة في قواعد استطلاعية في شمال العراق.
وأوردت مصادر أن طائرات "تي بي 2" المسيرة التركية ردَّت على ذلك باستهداف ميليشيات الحشد الشعبي داخل الأراضي العراقية. ويزعم الباحثان أن هذه المناوشات التي آل إليها التنافس التركي الإيراني في العراق قابلة للتحول إلى صراع منخفض الكثافة بين وكلاء البلدين.
مخاوفُ من التعاون التركي الإسرائيلي
تخاف إيران أن تستميل المصالحة التركية السعودية مزيداً من دول المنطقة إلى الاجتماع على سياسة إقليمية مشتركة، حتى إن بعضهم يزعم أن أنقرة قادرة على ضمِّ إسرائيل إلى هذه التدابير، وهو ما يعني اجتماع هذه الأطراف كلها على مواجهة إيران.
وربما كانت مخاوف إيران من سير الأمور في اتجاه المصالحة بين تركيا وإسرائيل هي الدافع وراء التحركات المضطربة للاستخبارات الإيرانية لتخريب التعاون التركي الإسرائيلي بالسعي لاغتيال رجال أعمال ودبلوماسيين إسرائيليين في إسطنبول، بحسب المقال.
ويرى الباحثان أن المخاوف الإيرانية تمتد إلى الساحة السورية أيضاً، فالمصالحة بين تركيا والسعودية تهدد مكانة إيران هناك وتعرض نفوذها للخطر، لا سيما إذا طال تورط روسيا في مستنقع أوكرانيا.
شهدت السنوات القليلة الماضية تقارباً ضمنياً في المصالح بين تركيا وإسرائيل فيما يتعلق بالتصدي للنفوذ الإيراني في سوريا. وقد نفَّذت إسرائيل أكثر من ألف غارة جوية على أهداف إيرانية في سوريا، ولم تستنكر تركيا هذه الهجمات قط.
كشف أردوغان، الأسبوع الماضي، عن خطة لبناء مساكن وإقامة مشروعات جديدة داخل المناطق الخاضعة للسيطرة التركية شمال سوريا، والغاية المعلنة من ذلك هي فتح الباب أمام عودة مليون لاجئ سوري طوعاً إلى بلادهم، ويرى خبراء أن دول الخليج العربي، ومنها السعودية، قد يكون لها مشاركة في دعم هذه الخطة.
وحدات حماية الشعب الكردية واليمن
علاوةً على ذلك، فإن تجفيف الموارد المالية للميليشيات الكردية ووحدات حماية الشعب وحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا يزيد من قوة أنقرة في سوريا، ويُضعف القوة التي تحوزها إيران عن طريق وكلائها.
ومن الجدير بالذكر أن تركيا أقدمت على تحرك قوي آخر، فقد وصفت أنقرة الميليشيات الموالية لإيران في سوريا عبر النسخة الفارسية من وكالة الأناضول للأنباء، بـ"الإرهابيين الموالين لإيران".
بدت العلاقات بين الرياض وطهران في السنوات الأخيرة محتدمة في صراع لا هوادة فيه، خاصة بعد قطع العلاقات الدبلوماسية في عام 2016، وتعارض اصطفاف البلدين في جميع النزاعات الإقليمية تقريباً، وإن كانت الجبهة الأبرز لهذا الصراع الإقليمي بين الدولتين هي اليمن.
منذ اندلاع الحرب الأهلية في اليمن، عارضت السعودية بشدة صعود الحوثيين وتوسع سيطرتهم على اليمن، ودفعها ذلك إلى إعلان التدخل العسكري في اليمن في مارس/آذار 2015.
وفي المقابل، دعمت إيران المتمردين الحوثيين بوسائل عديدة خلال سنوات الصراع. ولا يزال الخلاف حول اليمن قضية رئيسية في المحادثات الجارية بين الرياض وطهران.
أزمة الخليج
عارضت تركيا أيضاً سيطرة الحوثيين على اليمن، وحرصت دائماً على إدانة هجماتهم على السعودية. وبعد أن أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية إطلاق عملية "عاصفة الحزم" في اليمن في مارس/آذار 2015، زوَّدت أنقرة الرياض بدعمٍ استخباراتي وعسكري مهم.
ومع ذلك، فقد أدى الخلاف بين السعودية وتركيا على إثر الأزمة الخليجية عام 2017 إلى إضعاف اهتمام أنقرة بالشأن اليمني، وإن واصلت تركيا تقديم المساعدات الإنسانية واستمرت في إدانة هجمات الحوثيين على الرياض.
تتوجس إيران خيفة أن تؤول المصالحة السعودية التركية إلى تعاون عسكري بين البلدين، وتشتد مخاوف الإيرانيين من حصول الرياض على طائرات بيرقدار المسيرة التركية، لا سيما بعد ما أبانت عنه هذه المسيرات من قدرات عالية في ساحات قتال مختلفة خلال المدة الماضية.
بعد زيارة أردوغان للسعودية، أولى تقرير صادر عن وكالة أنباء فارس الإيرانية اهتماماً خاصاً بالتوافق بين تركيا والسياسات السعودية "ضد اليمن" الحوثي. ومن المؤكد أن أي توسع في المصالحة التركية السعودية إلى مجال التعاون العسكري سيخلق قلقاً متزايداً بين صناعة السياسة الإيرانيين.
واستشهد الباحثان بما ورد في تقرير صادر عن وكالة "تسنيم" الفارسية للأنباء بعد زيارة أردوغان للسعودية، إذ سلَّط المقال الضوء على احتمال أن يؤدي تحسُّن العلاقات بين تركيا والسعودية إلى زيادة التعاون العسكري بين البلدين، وما قد يفضي إليه ذلك من مساعدة تركيا للسعودية في اليمن وبيعها الطائرات المسيّرة.
ويخلص المقال إلى أن صمود المصالحة التركية السعودية يتوقف على عدة عوامل، بعضها يتعلق بإيران، وتحمل المحادثات الجارية بين الرياض وطهران وما ينجم عنها تأثير حاسم في هذا السياق، ففي حال اتفاق السعودية وإيران على بعض من الاعتدال في تنافسهما طويل الأمد والتوصل إلى حلول مقبولة للطرفين، فإن ذلك قد يخفف مخاوف إيران من تحسن العلاقات بين تركيا والسعودية.
أما عملية التفاوض الثانية التي تطال بتأثيرها المصالحة التركية السعودية، فهي المحادثات التي تجري حالياً في فيينا بين إيران والقوى الغربية بشأن الاتفاق النووي الإيراني، فهذه المفاوضات وإن كانت لا تشارك فيها تركيا والسعودية مشاركة مباشرة، فإن نتائجها ذات أهمية كبيرة لمسارات السياسة الخارجية للبلدين.
ترجمة: عربي بوست