نشرت صحيفة «واشنطن بوست» تقريراً أعدته ايرين كننغهام قالت فيه إن الأمين العام للأمم المتحدة دعا الأسبوع الماضي إلى هدنة عيد الفصح بين روسيا وأوكرانيا، حيث احتفل المسيحيون الأرثوذكس في كلا البلدين بعيد الفصح يوم الأحد.
وفي الوقت الذي تسبّب فيه الغزو الروسي باضطراب الأسواق العالمية، وأحيا حلف شمال الأطلسي، وأثار تحقيقات في جرائم الحرب، إلا أنه تسبّب بصدع في الكنيسة الأرثوذكسية، حيث حرّض الجناح الروسي والبطريرك الموالي للكرملين ضد القادة الأرثوذكس في كييف وحول العالم.
وقالت الصحيفة إن المسيحية الأرثوذكسية هي واحدة من أكبر الطوائف المسيحية في العالم – بعد الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية. ويتركز معظم أتباعها البالغ عددهم 260 مليوناً تقريباً في أوروبا وروسيا وأجزاء أخرى من الاتحاد السوفييتي السابق. وهي العقيدة السائدة في كل من روسيا وأوكرانيا، حيث أصبحت مكانة الكنيسة مصدر توتر بين موسكو وكييف.
خُطب البطريرك
وبالنسبة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وحليفه في الكنيسة، البطريرك كيريل، تعتبر أوكرانيا جزءاً لا يتجزأ من عالم روسي أكبر، عالم تشكل موسكو مركزه السياسي وكييف مركزه الروحي. ولكل هذا فقد قدّم كيريل، 75 عاماً، تأييداً شديداً للحرب، وضاعف من ذلك التأييد حتى مع اشمئزاز العالم بسبب التقارير الكثيرة عن الفظائع الروسية في أوكرانيا. وقد أثار موقفه المؤيد للحرب غضب قادة الكنيسة الآخرين في أوكرانيا وعبر العقيدة الأرثوذكسية، الذين أدان الكثير منهم الحرب، وحثّوا كيريل على إعادة النظر في دعمه.
ويمكن فهم التوترات في العالم المسيحي في ظل احتفالات يوم الفصح من خلال النظر إلى دور كل كنيسة، فالكنيسة الأرثوذكسية الروسية تعدّ واحدة من أكبر الكنائس وأكثرها تأثيراً في العالم، حيث تضم أكثر من 100 مليون تابع، وفقاً لمركز بيو للأبحاث.
وفي عام 2009، تم انتخاب كيريل بطريركاً – لأول مرة منذ سقوط الاتحاد السوفييتي. وكان ينظر إليه في البداية، على أنه مصلح قد يحقق بعض الاستقلال للكنيسة، بعد أن استخدم سلفه، أليكسي الثاني، علاقاته السياسية لإبراز مكانة الكنيسة بعد عقود من الشيوعية الملحدة. وقام السياسيون الروس بتمويل بناء كنائس جديدة، وظهر الزعماء الدينيون في المقدمة والوسط في أنشطة الدولة. ومنذ ذلك الحين، عزّز كيريل دوره كحليف للكرملين، وساعد بوتين على إخفاء طموحاته السياسية والعسكرية بلغة الإيمان.
ففي 23 شباط/ فبراير، أي قبل يوم واحد من الغزو، أصدر كيريل بياناً أشاد فيه ببوتين «لخدمته الرفيعة والمسؤولة لشعب روسيا»، ووصف الخدمة العسكرية الإلزامية بأنها «مظهر نشط من مظاهر الحب الإنجيلي للجيران».
واستخدم كيريل في الأسابيع التي تلت اندلاع الحرب، خطبه لتبرير الحملة، وتصويرها على أنها صراع ضد الثقافة الغربية الفاحشة- على الرغم من حرصه على تجنب الإشارة إلى الصراع على أنه حرب أو غزو شنّته روسيا.
وركز بشكل شبه كامل على ما يسميه «إبادة» أوكرانيا للانفصاليين الموالين لروسيا في منطقة دونباس في الجزء الشرقي من البلاد. وفي وقت سابق من هذا الشهر، ألقى كيريل خطبة حثّ فيها الروس على الالتفاف حول الحكومة «خلال هذا الوقت العصيب»، حسبما ذكرت وكالة رويترز للأنباء. ونقلت وكالة أنباء انترفاكس عن كيريل قوله في خطبة في موسكو «فليساعدنا الرب على التوحّد خلال هذا الوقت العصيب على وطننا بما في ذلك حول السلطات».
خطيئة قابيل
أما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، بطريركية موسكو، فتمثل الغالبية العظمى من الأوكرانيين الذين يعتبرون مسيحيين أرثوذكس، حسب بيانات مركز بيو. ومع ذلك، تنقسم ولاءاتهم بين ما لا يقل عن هيئتين كنسيتين رئيسيتين، إحداهما الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، التي تتمتع “بالحكم الذاتي” لكنها تظل تحت سلطة بطريركية موسكو. وظلت الكنائس في أوكرانيا وروسيا ولقرون تحت قيادة بطريرك موسكو.
ومع انهيار الاتحاد السوفييتي، ضغطت الكنيسة في أوكرانيا من أجل، وحصلت على وضع شبه مستقل في عام 1990. وفي السنوات الأخيرة، بعد أن ضمت روسيا شبه جزيرة القرم بشكل غير قانوني وتدخلت في شرق أوكرانيا، سعى عدد متزايد من أتباع الكنيسة في أوكرانيا لمواجهة ما يرون أنه نفوذ موسكو. واشتدت هذه الدعوات منذ الغزو، وتزايد غضب أبناء الرعية من دعم الكنيسة الأرثوذكسية الروسية للحرب.
كل هذا وضع الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية وزعيمها، المطران أونوفوري، في موقف حرج، لا سيما مع تزايد التقارير عن مذابح المدنيين وغيرها من الفظائع.
وفي 24 شباط/ فبراير، يوم الغزو، أصدر أونوفوري بياناً وصفَ الحملة العسكرية بأنها «كارثة» وناشد بوتين «وقف الحرب بين الأشقاء فوراً». وقال أونوفوري إن الحرب بين الروس والأوكرانيين «هي تكرار لخطيئة قابيل، الذي قتل شقيقه بدافع الحسد.. مثل هذه الحرب لا مبرر لها لا من الله ولا من الناس». وأكدت الكنيسة على دورها في تقديم المساعدة للمدنيين والإشراف على دفن أعضاء الخدمة الأوكرانية. ثم توقف بعض القساوسة عن ذكر كيريل في صلواتهم أو دعوا أونوفوري للانفصال عن موسكو تماما.
المطران أبيفانيوس: روح المسيح الدجال تعمل في زعيم روسيا، وعلاماتها التي أخبرنا بها الكتاب المقدس: الكبرياء والإخلاص للشرّ والقسوة والتديّن الباطل.. كان هذا حال هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. هذا ما أصبح عليه بوتين اليوم.
أما الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا فلا يزيد عمرها عن ثلاث سنوات. وكان تأسيسها نتيجة مباشرة للحركة المزدهرة للانفصال عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وإنشاء كيان كنسي مستقل تماما لأوكرانيا. وأثار اعتراف البطريركية بالكنيسة في تركيا غضب موسكو، وقطعت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية علاقاتها بتلك الهيئة. وزعيم الكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا هو المطران أبيفانيوس، 43 عاماً، والذي كان صريحاً في انتقاده لبوتين والحرب.
وبعد فترة وجيزة من الغزو، أصدر أبيفانيوس بياناً يشبّه الزعيم الروسي بكل من المسيح الدجال وأدولف هتلر. وقال إن «روح المسيح الدجال تعمل في زعيم روسيا، وعلاماتها التي أخبرنا بها الكتاب المقدس: الكبرياء والإخلاص للشرّ والقسوة والتديّن الباطل.. كان هذا حال هتلر خلال الحرب العالمية الثانية. هذا ما أصبح عليه بوتين اليوم». وبعد أن زار مدينة تشيرنيهيف المدمرة هذا الأسبوع، حثّ أبيفانيوس الأوكرانيين على مواصلة محاربة الغزو الروسي.
العالم كله ضد روسيا
وأخيرا هناك بطريركية القسطنطينية المسكونية، وتعتبر واحدة من أقدم المؤسسات في العالم. ليس للكنيسة الأرثوذكسية زعيم واحد، لكن البطريرك المسكوني برثلماوس يعتبر مرشدها الروحي و «الأول بين أنداد» مع البطاركة الآخرين.
وانتقد برثلماوس موسكو والحرب وكيريل والكنيسة الأرثوذكسية الروسية. في اليوم الأول من الغزو، أدان ما قال إنه “هجوم غير مبرر من جانب روسيا ضد أوكرانيا”.
وفي وقت لاحق، في مقابلة مع «سي أن أن ترك»، دافع عن قراره منح الاستقلال الذاتي للكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا، وحذّر من أن عدوان روسيا وعزلتها قد يؤديان إلى «حرب باردة جديدة».
قال برثلماوس: «العالم كله ضد روسيا.. المسافة بين روسيا والعالم الغربي تزداد اتساعاً. هذا يعني أننا ندخل فترة حرب باردة جديدة». قامت البطريركية بتسليم مساعدات إنسانية إلى الكنيسة في كييف. وفي زيارة لبولندا في أواخر مارس، ندّد برثلماوس بالغزو، ووصفه بأنه عمل «فظيع». وقال في تصريحات صحافية أن التضامن مع الأوكرانيين «هو الشيء الوحيد الذي يمكنه التغلب على الشر والظلام في العالم».
(القدس العربي)