أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى السودان فولكر بيرتس في مؤتمر صحافي الاثنين عن عزم الأمم المتحدة على إطلاق حوار بين الأطراف السودانية لحلّ الأزمة في البلاد، وذلك على وقع استمرار التظاهرات في الخرطوم وعدد من المدن السودانية.
وتشهد البلاد حالة من عدم الاستقرار السياسي والأمني منذ الانقلاب الذي بدأ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وفي ظلّ استمرار المظاهرات المناهضة له والمطالبة بالحكم المدني.
وأكد المحتجون وجمعيات طبية وقوع المزيد من القتلى في صفوف التظاهرات المعارضة للانقلاب. فقد قتل شخصان وجرح العشرات في مظاهرات أمس، بحسب اللجنة المركزية لأطباء السودان.
من جهته، قال بيرتس إنه سيبدأ مشاورات منفردة مع كل الفاعلين السياسيين. وأوضح أنه سيستمع إلى مواقف الأطراف السياسية حول كيفية التوصل إلى حد أدنى من التوافق، مشيراً إلى ضرورة إعادة الثقة بين كافة المكونات بما فيها المؤسسة العسكرية.
وطالب بيرتس بضرورة تهيئة الأجواء السياسية عبر وقف قتل المتظاهرين وتقديم المتورطين للعدالة حتى تنجح المشاورات.
واعتبر المسؤول الأممي أن رفض بعض المكونات لمبادرته "أمراً طبيعياً" لكنه توقع أن تجد القبول من قطاع واسع من الأحزاب والتيارات السياسية.
يأتي إعلان بيرتس قبل جلسة من المقرّر عقدها الأربعاء لمجلس الأمن الدولي لبحث الوضع في السودان.
وقد تباينت ردود فعل القوى السياسية والنقابات المهنية ما بين مؤيد ورافض للمشاورات السياسية التي أعلنت عنها الأمم المتحدة ووجدت تأييداً كبيراً من دول عربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.
جاءت الاستجابة للمبادرة الأممية من تيارات مدنية رئيسية في السودان فاترة، إذ قال جعفر حسن، وهو متحدث باسم قوى الحرية والتغيير، وهي من القوى المدنية الرئيسية في البلاد: "علينا أولاً أن نحصل على التفاصيل المتعلقة بمبادرة الأمم المتحدة".
وقال لوكالة الصحافة الفرنسية: "نحن مستعدون للمشاركة في المحادثات بشرط أن يكون الهدف منها هو استئناف عملية التحول الديمقراطي وإزالة النظام الانقلابي، لكننا نعارضها إن كانت تسعى إلى منح الشرعية للنظام الانقلابي".
من جانبه، قال تجمع المهنيين السودانيين، وهو فصيل رئيسي آخر، إنه "يرفض" المحادثات كلياً.
ترحيب مشروط
من جهته، عبر وزير المالية جبريل إبراهيم، وهو أيضاً زعيم حركة العدالة والمساواة، عن ترحيب مشروط بمبادرة الأمم المتحدة لتسهيل الحوار بين الأطراف السودانية.
وقال إبراهيم في تغريدة على تويتر أمس إن حركة العدل والمساواة ترحب بالمبادرة ولكن بشرط أن يكون الحوار "حواراً سودانياً داخلياً بصورة صرفة وأن لا تتحول عملية التسهيل إلى تدخل فاضح في الشؤون الداخلية للسودان وذريعة لفرض حلول خارجية".
ورحب حاكم إقليم دارفور ماني أركوي ميناوي، زعيم حركة تحرير السودان، بمبادرة الأمم المتحدة وحث الاتحاد الإفريقي إلى الانضمام إليها.
وكتب على صفحته في فيسبوك: "نرحب بمبادرة الأمم المتحدة لتشجيع الحوار بين الأطراف السودانية".
تصحيح مسار
وكان الانقلاب الذي قاده قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أخرج اتفاق الفترة الانتقالية عن مساره، وهو الاتفاق الذي يقوم على مبدأ المشاركة في السلطة بين الجيش والمدنيين والذي تم التوصل إليه بصعوبة في أعقاب الإطاحة بالرئيس السابق عمر البشير في 2019.
ويصر البرهان على أن استيلاء الجيش على السلطة "لم يكن انقلاباً" وإنما الهدف منه فقط كان "تصحيح مسار المرحلة الانتقالية في السودان".
وتنفي السلطات بشكل متكرر استخدام الذخيرة الحية في مواجهة المحتجين وتؤكد على أن العشرات من قوات الأمن أصيبوا بجراح خلال المظاهرات التي غالباً ما "تنحرف عن السلمية"، بحسب تلك السلطات.
وقالت الشرطة في السودان إنها اعتقلت ستة وثمانين شخصاً خلال المظاهرات الأخيرة. ووصفت وكالة الأنباء الرسمية السودانية الأشخاص الذين اعتقلوا بأنهم محتجون غوغائيون.
وكان الآلاف من السودانيين قد شاركوا في احتجاجات الأمس للتعبير عن إدانتهم للانقلاب العسكري على الرغم من قيام السلطات بإغلاق الجسور الرئيسية التي تربط الخرطوم بمدينتي أم درمان والخرطوم بحري.
وقد استمرت الاحتجاجات المناوئة للانقلاب في البلاد رغم استقالة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك في الثاني من يناير/ كانون الثاني الجاري.
وكان حمدوك قد توصل إلى اتفاق في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني مع الجيش يعود بموجبه إلى منصبه بعد أن أمضى أسابيع رهن الإقامة الجبرية في منزله عقب الانقلاب.
لكن حمدوك استقال قائلاً إنه حاول منع السودان "من الانزلاق نحو الكارثة"، لكنه قال إن البلاد الآن "في مفترق طرق خطير يهدد وجودها ذاته".
(بي بي سي)