يبدو أن العفو الأميري المتوقع في قضايا حساسة بالكويت واستقالة الحكومة الكويتية قد يكونان مقدمة لعملية تهدئة بين المعارضة والحكومة تُخرج البلاد من أزمتها السياسية التي باتت تنعكس على الأوضاع الاقتصادية.
وتبنّى مجلس الوزراء الكويتي مراسيم عفو أميري عن بعض أبناء البلاد المحكومين بقضايا من بينها قضايا سياسية حساسة مثل قضية اقتحام مجلس الأمة وقضية خلية العبدلي "خلية حزب الله الكويت"، ورفع المجلس قبل استقالته مشروعات المراسيم إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد تمهيداً لإصدار العفو الخاص، ويشمل العفو نواباً سابقين وناشطين يتواجدون خارج البلاد.
وقالت وسائل إعلام كويتية، الإثنين 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح قدم استقالة الحكومة لأمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر صباح الأربعاء، وذلك بعدما أقر مجلس الوزراء مشاريع مراسيم عفو أميري عن نواب سابقين من شأنه أن ينهي الشلل الذي أصاب العمل التشريعي بالبلاد.
وتأتي استقالة الحكومة الكويتية في خضم أزمة سياسية بعد أن طلب نواب بالبرلمان استجواب رئيس الوزراء حول قضايا من بينها تشكيلة الحكومة، إذ يعتبر عدد من النواب أنه تم اختيار "عناصر تأزيمية في مجلس الوزراء" كما لم تتم مراعاة اتجاهات المجلس الجديد الذي يغلب عليه نواب من أصحاب التوجهات المعارضة.
كانت الاستقالة متوقعة بعد التحرك في البرلمان في وقت سابق من هذا الشهر، والذي شكَّل أول تحدٍّ سياسي للأمير الجديد في وقت تواجه فيه البلاد أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
استقالة الحكومة الكويتية
وقالت صحيفة النهار الكويتية إن الحكومة ارتأت تقديم استقالتها؛ قطعاً لكل محاولات استمرار القطيعة مع مجلس الأمة (البرلمان).
ويبدو أن استقالة الحكومة الكويتية تهدف إلى تهدئة الأجواء بالبلاد والوصول لتسوية مع المعارضة في العديد من القضايا في مقدمته مسألة العفو عن نواب سابقين شاركوا في اقتحام مجلس النواب.
وزير الخارجية الكويتي في الحكومة التي باتت مستقيلة أحمد ناصر المحمد، قال الأحد 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "المجلس وافق على مشروعات المراسيم اللازمة للعفو الأميري الخاص تمهيداً لرفعها إلى أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح".
وأضاف أن هذه الموافقة جاءت "تنفيذاً لتوجيهات أمير البلاد الذي قدم مبادرة للعفو عن بعض أبناء الكويت ممن صدرت عليهم أحكام قضائية".
ومن الواضح أن أمير البلاد يريد عبر استقالة الحكومة الكويتية والعفو المنتظر، تهدئة التوترات مع المعارضة الرئيسية وكذلك مع المعارضة التي تنتمي للطائفة الشيعية، إذ يطوي مرسوم العفو الأميري الذي وعد به أمير الكويت صفحة الخلاف السياسي مع المعارضة البرلمانية التي صدرت أحكام بحق أعضاء بارزين فيها وخصوصاً المتهمين في قضية اقتحام مجلس الأمة (البرلمان) عام 2011.
كما ينتظر أن يشمل أن العفو يشمل نواباً سابقين ونشطاء يتواجدون خارج البلاد، ويشمل أيضاً موقوفين بتهمة "التستر" على "خلية العبدلي" أو خلية حزب الله في الكويت وأن يتم تخفيض مدة عقوبة المحكومين المتورطين في القضية ذاتها.
وتعود قضية "خلية العبدلي" إلى 13 أغسطس/آب 2015، حيث أعلنت السلطات الكويتية ضبط عدد من المتهمين، مع كمية كبيرة من الأسلحة، عثر عليها في مزرعة في منطقة العبدلي، قرب الحدود العراقية.
وفي 12 يناير/كانون الثاني 2016 قضت محكمة الجنايات الكويتية بإعدام إيراني هارب وكويتي بتهم منها التخابر لصالح إيران وحزب الله اللبناني وحيازة متفجرات، كما قضت المحكمة أيضاً بمعاقبة متهم واحد بالمؤبد ومعاقبة آخرين بفترات سجن مختلفة بين خمس سنوات و15 سنة.
وأشارت الصحف الكويتية إلى أن المدة المتاحة للاستفادة من العفو هي شهر، مشيرة إلى أن العفو يخص العقوبة المقيدة للحرية.
قصة اقتحام مجلس الأمن الكويتي
يمثل العفو عن المشاركين في اقتحام مجلس الأمة الكويتي، قلب مطالب المعارضة في البلاد.
واقتحام مجلس الأمة الكويتي هو حدث جرى في 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 في دولة الكويت، بعد مسيرة شارك بها عشرات من الأشخاص الكويتيين -من بينهم نواب سابقون وحاليون (وقتئذ في مجلس 2009)- أدّت إلى اقتحام مبنى البرلمان الكويتي. وقد نادى المقتحمون باستقالة رئيس الوزراء الكويتي ناصر المحمد وحل البرلمان الكويتي المنتخب، بسبب شبهة تهم بالفساد.
جاء رد الأمير صباح الأحمد في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، واصفاً ذلك اليوم بـ"الأربعاء الأسود"، وأن "لا حل للمجلس ولا تغيير للحكومة" و"يتعدّى على الدستور من يُقسم بأنه سيُقيل رئيس الوزراء"، وقال إن "من اقتحموا المجلس -وبينهم نواب- داسوا في بطن الدستور وسيحالون إلى النيابة لأنهم ارتكبوا جريمة في حق الكويت"، ومضيفاً "أن رموز الأربعاء الأسود سيحاكمون ويعاقبون ولن نعفو عنهم". فيما ردّت المعارضة بتسمية ذلك اليوم بـ"الأربعاء الأبيض".
وخلال أقل من ثلاثة أسابيع من تاريخ الاقتحام، أصدر الأمير مرسوماً بحل مجلس (2009)، والدعوة لانتخابات نيابية جاء إثرها انتخاب الفصل التشريعي الرابع عشر في تاريخ الكويت، أو ما عُرف بمجلس فبراير (2012)
وفي 8 يوليو/تموز 2018 قضت محكمة التمييز الكويتية بالحبس مدة 6 سنوات ونصف على كل من النائبين الحاليين في تاريخ النطق بالحكم جمعان الحربش ووليد الطبطبائي، وحكمت بنفس المدة على النواب السابقين مسلم البراك وفهد الخنة وفيصل المسلم وخالد شخير ومبارك الوعلان ومحمد الخليفة وفلاح الصواغ.
تحرّك الأمير لحل الأزمة
ويُنظر إلى العفو على أنه تتويج لنضال كبير خاضه نواب بمجلس الأمة على مدار سنوات ماضية، كما أنه ثمرة الدعوة الأميرية إلى الحوار والتي أدت إلى حلحلة الخلاف الذي احتدم بشدة بين السلطتين خلال الشهور الأخيرة.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021، كان أمير الكويت قد كلّف رؤساء السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بإعداد اقتراحات وضوابط وشروط تمهيداً لإصدار مرسوم للعفو عن بعض المحكومين.
الأمير نواف الأحمد دعا أيضاً إلى حوار وطني في مسعى لإنهاء المواجهة بين الحكومة والبرلمان، التي أحبطت الجهود الرامية لتعزيز المالية العامة للدولة وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ومالية، خاصة أبان فترة تراجع أسعار النفط.
لكنّ نواباً معارضين قالوا إن أولويتهم في الحوار هي العفو عن معارضين، بمن فيهم نواب سابقون مدانون باقتحام البرلمان في 2011، وهم موجودون في منفى اختياري بالخارج.
من هؤلاء النواب، النائب المعارض محمد المطير، وهو عضو كتلة الـ31 التي تضم أطياف المعارضة، وطالب النواب المشاركون في الحوار مع الدولة "بوجوب الالتزام بأهم قضيتين؛ إصدار العفو الكريم (عن المعارضين)، وسحب رئيس الوزراء طلب تحصينه قبل انتهاء الحوار وبدء دور الانعقاد" الجديد للبرلمان.
وكان وزير الداخلية الكويتي الشيخ ثامر العلي، قد شكَّل أيضاً لجنة لوضع قواعد العفو المرتقب، برئاسة المحامي العام بالنيابة العامة المستشار محمد الدعيج.
مقدمة لإنجاز الملفات الاقتصادية العالقة
وتأمل الحكومة أن يثمر حل هذا الخلاف تعاوناً نيابياً لتمرير بعض القوانين المهمة لدعم اقتصاد البلاد المتعثر، وفي مقدمتها قانون الدين العام الذي سيمكّن الحكومة من اقتراض أكثر من 60 مليار دولار على 30 عاماً.
جانب من الأزمة أيضاً أن نواب المعارضة قد شككوا أيضاً في دستورية إجراء تم التصويت عليه في البرلمان في مارس/آذار 2021، يقضي بتأجيل الاستجوابات المقدمة والمُزمع تقديمها إلى رئيس الوزراء الشيخ صباح الخالد الصباح إلى نهاية 2022.
هذه الخلافات بين الحكومة ونواب المعارضة كان لها انعكاس سلبي على الكويت، إذ تواجه الدولة الخليجية الغنية بالنفط مخاطر تتعلق بشح شديد في السيولة، بعد أن تضررت ميزانيتها بسبب انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا، لأن البرلمان المنتخب الذي عاد من عطلته الصيفية في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2021 لم يأذن للحكومة بالاقتراض.
وتُعد الكويت الدولة الخليجية الوحيدة التي تمنح سلطات كبيرة للبرلمان المنتخب، حيث يمكن للنواب تعطيل القوانين واستجواب الوزراء ورئيس الوزراء، رغم أن الأمير له الكلمة الأخيرة في شؤون الدولة.
يُذكر أن الخلافات المستمرة والمآزق السياسية المتكررة على مدى عقود بين السلطتين التشريعية والتنفيذية في الكويت أدت إلى تعديلات حكومية متتالية وحل للبرلمان، وهو ما أعاق مشاريع الاستثمار والإصلاح الاقتصادي في البلاد، التي شهدت عجزاً قياسياً في ميزانيتها العامة، بلغت قيمته 35.5 مليار دولار في السنة المالية المنتهية في 31 مارس/آذار 2021.
(عربي بوست)