يمر السودان بأيام حساسة وحاسمة، حيث نزل فريقان للشارع كل منهما يدعو لمطلب معاكس للآخر، فبعض السودانيين يرون في الحكومة العسكرية مخرجا لما توجهه البلاد من أزمات، فيما يرى آخرون أن السلطة يجب أن تكون مدنية.
وجددت قوى إعلان الحرية والتغيير في البلاد دعمها لرئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، وحذرت من "انقلاب زاحف" في مؤتمر صحفي حاول متظاهرون داعمون للجيش تعطيله، السبت.
لاري كورب، كبير الباحثين في مركز التقدم الديمقراطي، قال في حديث لقناة "الحرة"، إن "الولايات المتحدة لديها مبعوث أجرى مباحثات في السودان، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، كان لديه تصريحات في هذا المجال، وتحدث رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس حول المساعدات التي قدمت للسودان، ما يعني أنه يوجد وساطة أميركية لضمان استمرار العملية الديمقراطية في البلاد".
وأضاف أن "هناك قوى خبيثة يجب على السودانيين الحذر منهم، وهم مجموعة من الناس لا تثق بالعملية الديمقراطية، وهي من عملت على محاولة قمع التظاهرات الأخيرة".
وأوضح كورب، أن هناك "من يسعى إلى تقويض العملية الديمقراطية، وبعضهم قادة عسكريون، ولهذا علينا أن نكون واضحين، فلا عملية ديمقراطية من دون دعم الجيش، والجيش يمكن أن يلعب دورا أساسيا في هذه المرحلة، وذلك لأن تأثير الجيش على المجتمع كبير، وهو من يمكنه منع زعزعة البلاد في هذه المرحلة الحساسة".
انتقال "مدني ديمقراطي"
وتشهد الخرطوم تحركات دبلوماسية حثيثة، حيث التقى المبعوث الأميركي لمنطقة القرن الإفريقي، جيفري فيلتمان، السبت، مسؤولين سودانيين.
وأمام حمدوك ورئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، ونائبه، محمد حمدان دقلو، شدد فيلتمان على "دعم الولايات المتحدة الأميركية لانتقال ديمقراطي مدني وفقًا للرغبات المعلنة للشعب السوداني"، حسب بيان السفارة الأميركية في الخرطوم.
وحث فيلمتان "جميع الأطراف على تجديد الالتزام بالعمل معا لتنفيذ الإعلان الدستوري واتفاقية جوبا للسلام".
صراع معقد على السلطة
ويعلق، فايز سليك، المستشار السابق لرئيس الحكومة السودانية، في حديث لموقع "الحرة" على ما يجري بالقول: "يوجد في السودان حاليا، عدة صراعات تحكم السياسة الداخلية للبلاد، إذ يوجد صراع عسكري – مدني، وصراع عسكري – عسكري، وصراع مدني – مدني".
وأضاف سليك أن "هناك مكونات عسكرية تريد تقويض التجربة الديمقراطية، والتي قامت باضطرابات داخل الخرطوم، حيث مارست الجريمة المنظمة، ومن ثم انتقلت إلى مرحلة التأزيم في شرق السودان".
ووصف سليك ما يحدث في البلاد بـ"صراع معقد، حيث يوجد صراع مدني – مدني، وهناك بعض الجهات التي تريد الاستفراد بالقرار السياسي".
الانفراد بالقرار السياسي
ويقول رئيس تحالف سودان العدالة، فرح عقار، لقناة "الحرة" إن "الحديث بأن المكون العسكري هو من يقوض الديمقراطية، غير صحيح، لأن المنظومة الأمنية والعسكرية هي من انحازت الشعب، ووجودها هو لتسهيل الانتقال".
ويرى أن "هناك جهات تريد الانفراد بالقرار السياسي، وهي بعض المكونات المدنية".
ويرى عبد الوهاب سعد، عضو حزب المؤتمر الشعبي السوداني، أن "ما يحدث في السودان، هو استقطاب ينعدم فيه الحوار الموضوعي، وتعلو فيه الخطابات الإقصائية للطرف الأخر، لذلك أصبح الواقع السوداني مأزوما".
وأضاف في حيدث لموقع "الحرة" أن "من يعتصمون حاليا يطالبون بدولة مدنية، وإجراء انتخابات، وإشراك القوى السودانية المختلفة في المرحلة الانتقالية، والابتعاد عن المحاصصات الحزبية في تشكيل الحكومة المقبلة".
وأشار سعد إلى أن المؤتمر الشعبي، كان قد طالب بحكومة مدنية لمجلس الوزراء، ومجلس عسكري للحفاظ على أمن البلاد داخليا وخارجيا، ولكن مجموعة الحرية والتغيير ذهبت إلى شراكة مع العسكر، ونصبت من العسكر رئيسا لمجلس السيادة، وهي الآن أصبحت تطالب بإقالة العسكر من رئاسة مجلس السيادة.
ويرى أن اتفاق جوبا، كان قد أغفل تحديد مدة الفترة الانتقالية، وكيفية انتقال الحكم بين العسكريين والمدنيين، ولا تحديد لكيفية أو موعد انتهاء فترة حكم العسكر في مجلس السيادة.
الوثيقة الدستورية
وانتقد سعد ما يجري حاليا، من "خلاف" حول رئاسة الفترة الانتقالية، التي يفترض أنه لم يتبقى من عمرها سوى عاما واحدا، وسط مخاوف من "انزلاق البلاد نحو مرحلة من الفوضى"، مشيرا إلى أن البلاد حاليا أمام مشهد سياسي "قابل للتطور والانزلاق" نحو مراحل غير مقبولة.
ودعا إلى العودة إلى الوثيقة الدستورية التي تحدد بأن مجلس الوزراء مدني وعليه تسيير الأمور حتى يناير 2024 حيث سيتم إجراء انتخابات برلمانية.
وتخوف سعد مما يجري حاليا، بأن له أبعادا بغير الأجندات المطروحة أمام الشارع السوداني.
ويقول الكاتب الصحفي السوداني، سنهوري عيسى، لموقع "الحرة" إن "الخروج من الأزمة واضح لكلا الفريقين، ويكمن في تنفيذ ما نصت عليه الوثيقة الدستورية من قيام هياكل الحكم في مستوياتها الثلاثة، وهي السلطة التنفيذية بتشكيل حكومة كفاءات وطنية وليست حزبية، وتكوين مجلس سيادة يتناوب على رئاسة المدنيين والعسكريين، وقيام المجلس التشريعي أو البرلمان بمشاركة كل الأحزاب والقوى السياسية من دون إقصاء والسلطة القضائية بقيام مجلس القضاء الأعلى والنيابة والمحكمة الدستورية".
وأضاف أن "هذه المتطلبات لمؤسسات الحكم لم يتم تشكيلها حتى ما يفترض به أن يكون حكومة كفاءات، كانت حكومة حزبية، وهو ما يعني وجود خرقا للوثيقة الدستورية من المكونين المدني والعسكري، ولهذا خرج الشارع السوداني بكل مكوناته الأساسية لإعادة الأمور إلى نصابها وتنفيذ الوثيقة الدستورية".
شارع منقسم
وأوضح عيسى أن "الشارع السوداني انقسم بفعل القوي السياسيه التى تريد توظيفه لاجندتها الحزبية والضغط به في مشهد أصبح مكشوف لأي شخص أو مراقب ويبقي الخيار الوحيد لحل الأزمة الراهنة الالتزام بما نصت عليه الوثيقة الدستورية".
وحذر من خروج الأمور عن السيطرة في ظل "حالة الاستقطاب السياسي الحاد الذي تمارسه القوي السياسيه لاستمالة الشارع السوداني لتحقيق مصالحها الحزبية وليست الوصول بالانتقال الديمقراطي إلى غايته بقيام انتخابات حرة نزيهة في المدة المنصوص عليها في الوثيقة الدستورية.
وتخوف عيسى من "انعطاف الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في البلاد إلى ما لا يحمد عقباه في الوضع السياسي الراهن".
إعادة عقارب الساعة
مسؤول العلاقات الخارجية في حزب المؤتمر السوداني، فؤاد عثمان، لموقع "الحرة" قال إن الشارع السوداني "لا يزال يريد الحرية والعدالة التي ثار من أجلها خلال الفترة الماضية".
ويرى أن الخلاف في الشارع السوداني يرتكز ما بين تيار عريض من الناس يريد الانتهاء من الفترة الانتقالية وتطبيق الديمقراطية، وتيار آخر "يريد إعادة عقارب الساعة إلى الخلف، والاستمرار بحالة الفوضى، والتي قد تفضي بنموذج جديد من حكم عمر البشير"، الرئيس السابق.
وأضاف عثمان، أن الحكومة الحالية "عملت بشكل جيد حتى الآن في ترسيخ أسس الحوكمة في البلاد، ولكن هناك قوى تريد تثبيط أي نجاحات باتجاه التحول الديمقراطي في السودان".
وكانت الشرطة السودانية قد أطلقت الغاز المسيل للدموع لتفريق معتصمين، الذين أقاموا حواجز قبالة وزارة الخارجية وأحد الطرق الرئيسة في الخرطوم؛ للمطالبة بحل حكومة حمدوك، بحسب مراسل الحرة.
وأغلق المعتصمون طرقا رئيسية قرب القصر الجمهوري في الخرطوم، ومدخل أحد المعابر المؤدية إلى المدينة.
على الجانب الآخر، كان عشرات الآلاف من الداعين لنقل كامل السلطات إلى المدنيين احتشدوا ، الخميس، في استعراض للقوة .
وفي مؤشر إلى تواصل التوتر، أحرق مئات المتظاهرين السبت إطارات مطاطية أمام مبنى وكالة الأنباء الرسمية (سونا) الذي استضاف مؤتمرا صحافيا لقوى إعلان الحرية والتغيير، ما دفع لإرجاء المؤتمر نحو ساعتين.
ومنذ نحو أسبوع، يعتصم مؤيدون لـ"حكومة عسكرية" يرون أنها وحدها قادرة على إخراج البلاد من أزمتين اقتصادية وسياسية متفاقمتين.
ونفى حمدوك، السبت، موافقته على إجراء تعديل وزاري، أو إجراء تغيير في السلطات الانتقالية، في وقت تتزايد شائعات حول ذلك منذ أيام.
وفي 2019، وبعد الإطاحة بالبشير، وقع العسكريون والمدنيون الذين كانوا يقودون الحركة الاحتجاجية، اتفاقا لتقاسم السلطة نص على فترة انتقالية من ثلاث سنوات تم تمديدها لاحقا.
وبموجب الاتفاق، تم تشكيل سلطة تنفيذية من الطرفين، على أن يتم تسليم الحكم لسلطة مدنية إثر انتخابات حرة في نهاية المرحلة الانتقالية. لكن شروخا في القيادة بدأت تتسع.
المصدر: قناة الحرة