كشف تمكّن 6 أسرى فلسطينيين من انتزاع حريتهم والفرار من زنازين سجن جلبوع الإسرائيلي عن إخفاق أمني فاضح لسلطات الاحتلال، خاصة في السجن الذي يوصف بأنه الأحدث بناء والأشد تحصينا في إسرائيل.
وفي محاولة للتهرب من المسؤولية والتقليل من تداعيات الحادث في سجن جلبوع، الذي يحتجز فيه 400 أسير فلسطيني ومن بينهم عدد كبير من المحكومين بالمؤبد، سارعت مصلحة السجون الإسرائيلية لترويج رواية أن الأسرى الفارين لم يحفروا نفقا.
وقالت إدارة السجون إن "الأسرى هربوا عبر خط المجاري، حيث رفعوا غطاء وضع أسفل المرحاض، واستغلوا المساحة في الزنزانة لتوسيعها والهرب عبرها".
وتشير التحقيقات الأولية إلى أن الأسرى الفلسطينيين الذي نفذوا عملية الهروب، ارتدوا ملابس مدنية كانوا يحتفظون بها في أكياس من النيلون، وشقوا بها طريقهم كعمال صرف صحي.
وخلافا لرواية مصلحة السجون، اعتبرت أذرع المؤسسات الأمنية الإسرائيلية الحادثة "خطيرة جدا" ولها تداعيات على المنظومة الأمنية الإسرائيلية، ودعت لاستخلاص العبر منها.
ومن المعلوم، أن الأسرى الذين هربوا فجر اليوم الاثنين حاول بعضهم الهرب من السجن ذاته، في يونيو/حزيران 2014، عن طريق حفر نفق بطول 4 أمتار بحمام إحدى الزنازين.
وتصنف مصلحة السجون الإسرائيلية الأسرى الستة بأنهم "بمستوى خطورة مرتفع"، ووصف 3 منهم بأن احتمال فرارهم من السجن عالٍ، وأبدت الأذرع الأمنية الإسرائيلية مخاوفها من الفارين، ومن احتمال تنفيذهم عمليات ضد إسرائيليين أو الفرار من البلاد.
تحقيقات وإخفاقات
وصف مسؤول في مصلحة السجون الإسرائيلية فرار الأسرى بأنه "إخفاق أمني بحجم لم تشهد سلطة السجون له مثيلا"، حيث نجح الأسرى -تحت أنظار ضباط السجن والمخابرات وعلى مدار فترة طويلة جدا- في التخطيط مع جهات من الخارج للهروب من السجن وحفر النفق، حسبما أفاد الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
ونقلت الصحيفة عن المسؤول الأمني أن "فرار الأسرى هو سلسلة من الإخفاقات الخطيرة للغاية". وتساءل: "كيف حفروا تحت أنف السجانين في أحد أكثر السجون حراسة في البلاد؟ في حين يُحظر إدخال معادن إلى الزنزانة، وأين اختفى التراب؟ وكيف أجروا محادثات من هواتف نقالة في السجن؟"
ونفذ عملية الهروب أحد أبرز قادة كتائب شهداء الأقصى خلال الانتفاضة الثانية زكريا زبيدي، ومعه كل من مناضل يعقوب انفيعات، ومحمد قاسم عارضة، ويعقوب محمود قدري، وأيهم فؤاد كممجي، ومحمود عبد الله عارضة.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي استنفارا أمنيا بالضفة الغربية، وحول قطاع غزة، وعلى الحواجز الحدودية. وحاصر منطقة جنين، حيث يرجح أن الأسرى تمكنوا من الوصول إلى شمالي الضفة الغربية.
تحرك واستنفار
ووسط الإخفاقات الأمنية المركبة، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت فرار الأسرى بأنه "حدث خطير". وقال إن الحدث "يلزم جميع الأجهزة الأمنية بالتحرك"، حيث تقرر إخلاء سجن جلبوع ونقل من فيه إلى سجون أخرى، وتخويل فرق الهندسة بالجيش الإسرائيلي للبحث عن أنفاق محتملة أخرى يمكن أن تستخدم في هروب مزيد من الأسـرى.
وأصدر وزير الجيش الإسرائيلي بيني غانتس تعليماته من أجل تعزيز قواته بالضفة الغربية وعند قطاع غزة وعلى الحواجز الحدودية. وطالب خلال مشاورات مع رئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" نداف أرغمان وقادة الجيش "الاستعداد العملي لتنفيذ جميع الإجراءات المطلوبة للقبض على الأسرى". في حين قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف إن "التخطيط لهروب الأسرى كان دقيقا، ونشتبه بتلقيهم مساعدة من الخارج".
حصار وإغلاق
على الجانب الآخر في الضفة الغربية، استقبلت جماهير مدينة جنين -حيث يتحدر الأسرى الفارين- الخبر بفرحة عارمة تخللها إطلاق كثيف للنار في الهواء. وانطلقت مسيرة مركبات جابت شوارع المدينة ومخيم جنين ابتهاجا، رغم التوقعات بهجوم إسرائيلي على المدينة ومخيمها إذا ما ثبت وصول الأسرى إليها.
وتوقع مدير مركز أحرار لدراسات الأسرى فؤاد خفش أن تفرض سلطات الاحتلال إجراءات أمنية مشددة على جميع السجون، إضافة لعمليات نقل وتفتيش مكثفة للأسرى وغرفهم، ولعدة مرات خلال اليوم، فضلا عن التشويش على إمكانية إجراء الاتصالات مع الخارج.
ولفت الخفش -في حديثه للجزيرة نت- إلى أن الملاحقة في الميدان هي المهمة الأهم التي سينفذها جيش الاحتلال بكل مكوناته بالتنسيق مع الأمن الفلسطيني، للوصول إلى الأسرى الفارين.
ووصف الخفش عملية الهروب بأنها "تمت بقمة الذكاء"، لا سيما أن الأسرى اصطحبوا معهم الأسير زكريا الزبيدي الذي يعيش -حسب توقعه- بزنزانة خاصة وبعزل منفرد، وقد نقل مؤخرا إلى زنزانة الأسرى الخمسة الآخرين والتي هربوا منها.
وقال الخفش "يتحدر الزبيدي من مخيم جنين، وله قاعدته العائلية والشعبية هناك، ويستطيع الوصول للسلاح بسهولة. وهو شخص دخل حديثا للسجون الإسرائيلية، وله أصدقاء وقوة في المخيم". وأضاف "يستطيع الزبيدي أن يوفر السلاح"، متوقعا أن الأسرى فكروا بالمكان الذي سيلجؤون إليه، وقد يكون مخيم جنين هو الهدف.
ولم يخف الخفش أن هؤلاء الأسرى أصبحوا "مشاريع شهداء" حين فروا من السجن، وأصبحوا ملاحقين من جيش الاحتلال كاملا، وبالتالي أصبح مصيرهم إما العودة إلى السجن أو الشهادة، "وهم لا يريدون العودة إلى السجن".
بحث وتنسيق
ماذا بعد الهروب؟ يجيب الباحث في الشأن الإسرائيلي ياسر مناع "على مستوى إدارة السجون، تقوم بالاستنفار وطلب المساعدة من الجيش والشاباك، اللذين بدورهما ينسقون مع الوحدات العاملة على الأرض، واستخدام جميع الوسائل المستخدمة لتحديد مكان الأسرى، بما في ذلك جزئية التنسيق الأمني".
كما يتوقع مناع أن يقوم الجيش بالتنسيق مع سكان المناطق المجاورة والمستوطنات عبر الدوائر الرسمية، وتعميم صور الأسرى من باب التعاون مع الجمهور لإنهاء هذا "الحدث الخطير" بحسب تعبيرهم.
وأوضح مناع -في حديثه للجزيرة نت- أنه على المستوى الداخلي للسجون، ستقوم مصلحة السجون بإعلان حالة الطوارئ وتعمم جملة من القوانين التي تضيق على جميع الأسرى، وتحاول فرض واقع جديد بمصادرة كثير من ممتلكات الأسرى وتنفيذ التفتيشات وغيرها.
وتوقع مناع أن تعود إدارة مصلحة السجون لخطوة العزل الانفرادي لبعض الأسرى الذين تصنفهم على أنهم يشكلون خطرا، واحتمالية الهروب لديهم عالية. وتوقع مناع اللجوء إلى جملة من الإقالات في صفوف إدارة المصلحة.
وفي شق التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، قال مناع إن المسألة مشابهة لتعقب منفذي العمليات الفدائية، إذ السلطة مجبرة حسب الاتفاقيات على المساعدة والبحث عن الأسرى في المناطق التي تخضع لسلطتيها الإدارية والأمنية.
لكنها قد تصطدم بالتفاعل الشعبي الفلسطيني وابتهاجه الواسع مع عملية الهروب لما تتمتع به قضية الأسرى من مكانة ورمزية عالية في الوجدان الفلسطيني. ولكن -بحسب مناع- مصير الأسرى الفارين لا يخرج عن تحوّلهم إلى مطلوبين فإما يتم اعتقالهم أو اغتيالهم.
وربما يقود ذلك الحدث الشارع الفلسطيني إلى هبة جديدة ومواجهات لا تحبذها إسرائيل في هذه المرحلة، حسبما يضيف مناع، الذي يعتقد أن الاحتلال لن يتخذ أي قرار بالتصعيد، حتى يحدد مكان الأسرى الفارين، كي لا يجر المنطقة إلى مواجهة.
المصدر: الجزيرة