نفذ الجيش البورمي، فجر الاثنين، انقلابا عسكريا، واعتقل مستشارة الدولة (رئيس الحكومة) أونغ سان سو تشي وشخصيات بارزة أخرى من الحزب الحاكم، ونصب القائد العام للقوات المسلحة حاكما عسكريا للبلاد، وأعلن أنه سيتولى إدارة البلاد لمدة عام.
فمن هي أونغ سان سو تشي؟
أونغ سان سو تشي، هي زعيمة المعارضة سابقا، وصلت إلى سدة الحكم في ميانمار "بورما" عام 2016، وتولت بعد ربع قرن من النضال منصب مستشارة الدولة (يوازي رئيسة الحكومة).
ولدت في 19 حزيران/ يونيو 1945 بالعاصمة رانغون (يانغون). ووالدها هو الجنرال أونغ سان الذي أسس الجيش الحديث لميانمار وقاد التفاوض لإنهاء الاحتلال البريطاني عام 1947، وأصبح أول رئيس وزراء. لكنه قتل في عملية اغتيال بتاريخ 19 تموز/يوليو 1947 قبل أشهر من منح بريطانيا ميانمار استقلالها رسميا على يد منافسيه على الحكم.
كانت سو تشي في الثانية من عمرها حين تم اغتيال والدها فتولت والدتها تربيتها بجانب شقيقيها. فتلقت تعليمها بمدارس رانغون، ثم أكملت دراستها في الهند حيث كانت والدتها تشغل منصب سفيرة عام 1960. ثم واصلت دراستها بأوكسفورد حيث نالت درجة البكالوريوس في الفلسفة والسياسة والاقتصاد عام 1969، والدكتوراه من جامعة لندن عام 1985. وعملت محاضِرة بمدرسة الدراسات الشرقية في لندن. وتزوجت هناك من أستاذ جامعي متخصص في شؤون أديان التبت والبوذية بجامعة أوكسفورد وأنجبت منه ولدين يحملان الجنسية البريطانية.
وفي أبريل/نيسان 1988 عادت إلى بلادها في لتعتني بوالدتها المريضة، ووصلت في خضم الانتفاضة على المجلس العسكري التي قمعت بقسوة وقررت الانخراط في رسم مصير بلادها. وتبنت التوجه القومي الوطني، ولم تناصر أيديولوجية معينة، وجعلت من تحرير بلادها من قبضة العسكر هدفها الرئيسي.
ومع اندلاع انتفاضة الطلاب في أغسطس/آب 1988، ألقت في معبد شويداغون أول خطاب علني، شكل لحظة ولادة أسطورة سو تشي، قالت فيه: "لا أستطيع، بصفتي ابنة أبي، أن أبقى لا مبالية حيال كل ما يجري"، وطالبت بتشكيل حكومة انتقالية لبلدها الخاضع للأحكام العرفية، وطالبت بإجراء انتخابات حرة، وأسست مع آخرين حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية، وأصبح أكبر الأحزاب المعارضة للحكم العسكري.
وبعد فوز حزب سو تشي في انتخابات 1990، رفض المجلس العسكري الاعتراف بنتائج الانتخابات، وقام بوضعها تحت الاقامة الجبرية، فلم يسمح لها برؤية ولديها أو زوجها خلال الفترة (1989-1995).
وفي انتخابات 1991 حصد حزبها معظم أصوات الناخبين لكن العسكر رفضوا الاعتراف بتلك النتائج، وفرضوا عليها الإقامة الجبرية مجددا عام 2000 في منزلها على ضفاف بحيرة رانغون لمدة 19 شهرا، ثم مرة ثالثة في مايو/أيار 2003 عقب هجوم دام على موكبها. وصفها معارضوها بالمتعنتة الشديدة، بعدما دعت لفرض عقوبات دولية على بلدها وإلى مقاطعته سياحيا.
ومضت سنوات الإقامة الجبرية، في منزلها الذي كان على مقربة من بحيرة في وسط رانغون، حيث سمح لعدد قليل جدا من الأشخاص بزيارتها، وأحيانا ابنيها اللذين عاشا في بريطانيا مع والدهما.
توفي زوجها بمرض السرطان، ولم تتمكن أونغ من الذهاب إلى بريطانيا لوداعه، رغم إفساح السلطات المجال أمامها للسفر، خشية ألا يسمح لها بالعودة إلى ميانمار.
حازت سو تشي في عام 1991 على جائزة نوبل للسلام، كما حصلت على جوائز عديدة من منظمات حقوقية عالمية مثل العفو الدولية في 2009، وجائزة غوانغجو التي تمنحها واحدة من أكبر منظمات حقوق الإنسان في كوريا الجنوبية، وهي جوائز لم تتمكن أونغ سان سو تشي من الذهاب لتسلمها، لأنها كانت تحت الإقامة الجبرية بقرار من المجموعة العسكرية.
وفي 2010، أفرج عن سو تشي بعد نحو 15 عاما تقريبا في الإقامة الجبرية. وفي 2011، تم حل المجلس العسكري وتشكيل حكومة شبه مدنية التي قادت بورما إلى مجموعة من الإصلاحات أفضت إلى إجراء أول انتخابات مفتوحة في ميانمار بعد نصف قرن من الديكتاتورية.
وعقب انتخابات تشريعية جزئية، أصبحت نائبة برلمانية يوم 23 أبريل/نيسان 2012 عن دائرة كاوهمو بمنطقة رانغون، وأعلنت في العام الموالي رغبتها في الترشح للرئاسة قبل سنتين من موعدها، وفي مايو/أيار 2014 بدأ أنصارها حملة للمطالبة بإجراء تعديلات بالدستور لتتمكن سو تشي من الترشح.
وفي عام 2015 تصدر حزب سو تشي الانتخابات التي أجريت في البلاد، لتتقلد العام الموالي مستشارة الدولة، وهو منصب يوازي رئيس الحكومة، لتصل بذلك إلى السلطة وهي في السبعين من عمرها.
ولم تتمكن زعيمة حزب الرابطة من أجل الديمقراطية من الترشح للرئاسة عام 2016، بموجب دستور موروث من حقبة المجلس العسكري يمنع وصول أشخاص يحمل أبناؤهم جنسيتين لذلك المنصب.
وأثناء حملتها الانتخابية قبل وصولها للسلطة في أبريل 2016، كانت أونغ قد وعدت بـ "نشر السلام في البلاد"، لكن ما حدث عكس حقيقة مخالفة لذلك تماما.
فبعد عام من توليها الحكم، شن الجيش حملة قمع وحشية ضد أقلية الروهينغا المسلمين في 2017، تحت ذريعة هجوم شنته مجموعة مسلحة متمردة من الروهينغا على مراكز للشرطة أدت إلى مقتل 12 شرطيا تقريبا.
استهدف الجيش قرى الروهينغا وشن عمليات قال إنها لمكافحة الإرهاب، لكن شهودا أشاروا إلى إطلاق قذائف هاون على مدنيين كانوا يفرون نحو بنغلادش، وتحدثت الأمم المتحدة عن حصيلة بلغت ألف قتيل على الأقل في أول أسبوعين فقط من العمليات العسكرية ضدهم.
وفر نحو 740 ألف من الروهينغا نحو بنغلادش المجاورة، وذكرت الأمم المتحدة التي حققت في المذابح بأن ما حصل يعتبر "إبادة جماعية".
صعدت الأمم المتحدة لهجتها حيال الجيش والميليشيات البوذية واصفة الفظاعات التي ترتكب بحق الروهينغا بأنها "نموذج كلاسيكي للتطهير عرقي".
وفي تقرير لها نددت منظمة العفو الدولية "بسياسة الأرض المحروقة" التي تستهدف أقلية الروهينغا المسلمة. واستنادا إلى صور بالأقمار الاصطناعية اعتبرت المنظمة غير الحكومية أن الهجمات "مخطط لها ومتعمدة ومنهجية".
وفي أول تعليق رسمي لها على الأزمة في ولاية راخين، نددت أونغ سان سو تشي "بكم هائل من المعلومات المضللة" التي لا تعكس بحسب قولها الحقيقة على الأرض. وتعهدت محاسبة المخطئين لكنها رفضت تحميل الجيش المسؤولية.
ولا تتمكن وسائل الإعلام الدولية أو المراقبون من الوصول إلى ولاية راخين التي تطوقها قوات الأمن في ميانمار.
وفي الثالث من سبتمبر 2018، أصدرت محكمة في بورما حكما بالسجن سبع سنوات على صحفيين اثنين يعملان في وكالة رويترز اتهما بخرق قانون أسرار الدولة بسبب تغطيتهم للمذابح ضد الروهينغا.
وبعد 500 يوم في السجن، تم الإفراج عنهما بعفو رئاسي في 7 مايو 2019.
ودعا تحقيق للأمم المتحدة إلى مقاضاة قائد الجيش البورمي وخمسة قادة كبار آخرين بتهم الإبادة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وفي 16 يوليو 2019، أعلنت واشنطن فرض عقوبات ضد قائد جيش بورما وثلاثة قادة كبار آخرين لدورهم في "تطهير عرقي" في البلد الآسيوي.
وفي 22 أغسطس 2019، كان من المفترض أن يعود 3500 لاجئ إلى ديارهم، لكن أحدا منهم لم يظهر ليستقل الحافلات والشاحنات المنتظرة لإعادتهم وسط مخاوف واسعة من تعرضهم لحملة قمع جديدة.
وفي 16 سبتمبر، قالت الأمم المتحدة إن نحو 600 ألف من الروهينغا المتبقيين في بورما يواجهون "مخاطر جادة للإبادة الجماعية".
وفي 14 نوفمبر، أجاز قضاة المحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق في جرائم مزعومة مرتكبة في بورما ضد أقلية الروهينغا المسلمة، بما في ذلك أعمال العنف والترحيل التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وفي نفس الأسبوع، رفعت منظمات حقوقية دعوى ثالثة ضد ميانمار بموجب مبدأ الاختصاص العالمي في الأرجنتين.
وبينما كانت تعتبر في يوم من الأيام رمزا للسلام، مثل الماهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، انهارت صورة أونغ سان سو تشي، 74 عاما، على خلفية هذه القضية بسبب دفاعها عن جنرالات الجيش، والتي سافرت بنفسها لتدافع عنهم أمام محكمة العدل الدولية في جلسات بدأت الثلاثاء وتستمر حتى الخميس.
وجردت عدد من منظمات حقوق الإنسان زعيمة ميانمار من الجوائز التي كانت قد منحتها إياها، مثل منظمة العفو الدولية وكذلك تم سحب جائزة غوانغجو، كما جردها البرلمان الكندي من الجنسية الكندية الفخرية، وسحبت باريس لقب مواطنة الشرف وذلك في بوادر "لا سابق لها" احتجاجا على دفاعها عن العنف حيال أقلية الروهينغا المسلمة.
ووفق مؤلف كتاب حول سيرة سو تشي، فإن الأخيرة قالت بعيدا عن الكاميرا بعد نقاش ساده التوتر مع الصحفية مشعل حسين "لم يقل لي أحد إن مسلمة ستجري مقابلة معي".
وتزايدت الدعوات مطلع سبتمبر/أيلول 2017 لسحب جائزة نوبل للسلام من سو تشي بسبب صمتها ومواقفها من المجازر وعمليات التطهير العرقي التي تتعرض لها أقلية الروهينغا المسلمة في البلاد.
ودعت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) لجنة نوبل للسلام إلى سحب جائزتها منها، كما شن ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملات لذات الهدف، لكن أحد أعضاء اللجنة السابقين استبعد سحب الجائزة.
وقالت إيسيسكو في بيان إن "ما تقوم به سلطات ميانمار من جرائم بشعة ضد أقلية الروهينغا المسلمة بمعرفة رئيسة وزرائها أونغ سان سو تشي وتأييدها عمل يتناقض مع أهداف جائزة نوبل ومع القانون الدولي وحقوق الإنسان".
واعتبرت المنظمة أن سو تشي "فقدت بذلك الأهلية للجائزة" مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل العاجل لوقف المجازر والانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.
ولكن معهد نوبل بالنرويج -الذي يشرف على الجائزة- أعلن أنه لا يستطيع تجريد مستشارة ميانمار من جائزتها، ونقلت صحيفة تلغراف عن أولاف نويلستاد رئيس المعهد أنهم لا يستطيعون نزع الجائزة التي مُنحت عام 1991 لسو تشي.
عربي 21