في ظهيرة السادس من أكتوبر/تشرين الأول 1973، كان العرب على موعد مع الحرب الرابعة في مواجهة إسرائيل، حيث شنّ الجيشان المصري والسوري هجوما مباغتا بهدف استعادة أراضيهما التي احتلتها إسرائيل عام 1967.
تلك الحرب التي أطلق عليها العرب اسم حرب أكتوبر/تشرين، وأسمتها إسرائيل حرب كيبور، دشنت مرحلة جديدة في العالم العربي، ودفعت واشنطن إلى تغيير سياساتها تجاه الشرق الأوسط.
وإلى جانب مشاركة دول عربية في الحرب لصالح مصر وسوريا، كانت المشاركة العراقية هي الأبرز، حيث حلقت طائرات الـ"هوكر هنتر" (Hawker Hunter) العراقية بالضربة الجوية الأولى للحرب من الجبهة المصرية، ثم قام العراق بتوجيه قوات برية وجوية كبيرة إلى الجبهة السورية.
وعن سبب اندلاع الحرب، يبين أستاذ العلوم السياسية في النجف د. أسعد كاظم شبيب أن العرب رأوا أن الفرصة باتت سانحة لاسترجاع الأراضي التي احتلت عام 1967.
دور العراق
مشاركة العراق الفاعلة في هذه الحرب لم تكن مفاجئة، وفقا للمؤرخ المختص بالشأن العراقي والعربي د. بشار فتحي العكيدي، موضحا أن العراق كان سبّاقا إلى المشاركة في كافة الحروب التي خاضها العرب تجاه أعدائهم وفي مقدمتهم إسرائيل.
ويضيف للجزيرة نت، أن مشاركة الجيش العراقي في حرب أكتوبر/تشرين الأول جاءت منسجمة مع تطلعات الشعب، ورغبة معظم ضباط الجيش، فكان موقف العراق في المشاركة بهذه الحرب قويا.
ويسرد الباحث وخبير الشؤون الأمنية والإستراتيجية د. مؤيد الونداوي، تفاصيل المشاركة العراقية بالقول إنه عندما أُعلنت الحرب أرسلت بغداد وبطريقة سرية وبتفاهم مع مصر أسرابا من الطائرات الهجومية والقاصفة من نوع "هوكر هنتر" لتعزيز الجبهة المصرية، وواجهت عملية نقل الطائرات صعوبات جمة، فشاركت الطائرات العراقية في الطلعة الأولى للقوة الجوية المصرية، لمهاجمة أهداف محددة.
ويؤكد الونداوي للجزيرة نت، أن السرب العراقي في مصر أنجز مهمته بنجاح، وقدم شهداء كما أسر بعض الجنود العراقيين.
أما الوضع على الجبهة السورية فقد كان مختلفا بحسب الونداوي، فعلى الرغم من عدم إبلاغ العراقيين بساعة الصفر لا من مصر ولا من سوريا، فقد قرر العراق إرسال قوة عسكرية كبيرة، من الدروع والدبابات، فكان للقوات العراقية إسهام كبير في المعركة حيث تمكنت وبنجاح من وقف الهجوم المدرع الإسرائيلي باتجاه دمشق، وتمكنت قوات عراقية خاصة من السيطرة على قمة جبل الشيخ، بعملية عسكرية خاطفة ومميزة.
وتأسّف الونداوي لعدم تقديم القيادة السورية وقتها الدعم الكافي، إضافة إلى تجاهل البطولات والمهام التي نفذها الجيش العراقي في الأدب الحربي والعسكري السوري والمصري، على الرغم من كل التضحيات التي قدمها الجيش العراقي آنذاك.
وأوضح د. أسعد كاظم شبيب، أن أولى طلائع القوات العسكرية العراقية وصلت إلى دمشق يوم العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، يتقدم القوات العراقية لواء مدرع بقيادة الرائد الركن سليم شاكر الإمامي، ومن ثم تبعه لواء المشاة الآلي ثم لواء مدرع، وقد عُد الجيش العراقي ثالث الجيوش العربية من حيث العدة والوقود والتجهيز.
وبيّن أن قوة التخطيط العسكري والانضباطي للجيش العراقي آنذاك، وقدرته على الصمود، وكذلك المعرفة الجيدة بالجغرافية السورية، كان له دور كبير في منع إسرائيل من احتلال سوريا.
وأشاد شبيب بتضحيات الجيش العراقي حيث قدم عددا كبيرا من الشهداء بلغ عددهم 323 شخصا، وقد دفنوا في منطقة السيدة زينب في دمشق ولاتزال قبورهم شاهدة إلى الآن.
سلاح النفط
شهد الصراع العربي الإسرائيلي محطات خلاف واتفاق بين الدول العربية، إذ إن هذا الموضوع في كثير من مراحله كان ميدانا للمساومات والمزايدات، إلا أن من المواقف البارزة التي يشار لها في حرب عام 1973، هو استخدام النفط كسلاح فعال في المعركة، بحسب المؤرخ العكيدي.
ويضيف أن العراق اقترح اعتماد النفط كسلاح يستخدم للتعامل مع الأنظمة الغربية، للضغط من خلالها على الإسرائيليين لإنهاء احتلال الأراضي العربية.
ويستطرد العكيدي بالقول، إنه في اجتماع وزراء النفط العرب في 17 أكتوبر/تشرين الأول 1973، اتفقت الدول العربية على تقليص إنتاج النفط بمعدل 5% كل شهر، مما أدى إلى ارتفاع سعر النفط عالميا.
من جانبه، اعتبر شبيب أن الدعم الذي قدمته بعض البلدان العربية بالمال والضغوط الاقتصادية النفطية ضد إسرائيل، جعل هذه الدول مجتمعة تحقق انتصارات عديدة منها منع إسرائيل من احتلال سوريا.
سباق التطبيع
وبعد نحو نصف قرن على حرب أكتوبر/تشرين الأول، يجد العرب أنفسهم اليوم أمام واقع آخر يختلف كثيرا عما كانت عليه الحال سابقا. وفي هذا الصدد يقول شبيب إن الصمود العسكري واستقلالية القرار السياسي يمكن عدّه من أهم العوامل في تحقيق الانتصارات، ومنع إسرائيل من التغلغل أكثر داخل البلدان العربية آنذاك.
ويلفت إلى أن الأدوات الناعمة التي عملت عليها القوى الكبرى وعلى رأسها أميركا، زرعت الانقسامات بين الدول العربية وأثارت مشاكل وأزمات بينية، فنجحت أميركا مؤخرا في إقناع دولتي الإمارات والبحرين لتوقيع اتفاق سلام وتطبيع علاقاتهما مع إسرائيل، مع أنهما لم تكونا طرفين في النزاع مع إسرائيل .
ويعتقد شبيب أن التطبيع اليوم مبني على أساس خوف البلدان المطبعة من هواجس داخلية وخارجية قد لا تشكل تهديدا حقيقيا، أو يرتقي إلى التهديد الإسرائيلي على المستوى الجيوسياسي والجيوأمني.
ويختلف التطبيع الحالي عن معاهدة السلام بين إسرائيل ومصر، والتي أنهت سنوات من التوتر وأرجعت شبه جزيرة سيناء لمصر، بحسب شبيب.
أما العكيدي، فيحذر من أن أي محاولة للتطبيع مع إسرائيل ستولّد ردة فعل سلبية من قبل الشعوب العربية، تنعكس مستقبلا على الحكومات التي سارعت إلى تطبيع علاقتها مع إسرائيل.
المصدر: الجزيرة نت