تشهد الولايات المتحدة ضجة كبيرة أبطالها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وشخصيات أجنبية. وتُثار أسئلة حول نزاهة وسلوك ترامب وادعاءات حول خصمه السياسي جو بايدن.
تشبه هذه القضية إلى حد ما سيناريو مزاعم التدخل الروسي عام 2016 في الانتخابات الأمريكية لصالح ترامب ضد منافسته آنذاك هيلاري كلينتون.
لكن هذه المرة هناك بلد جديد (أوكرانيا) وشخصيات جديدة، جو بايدن وابنه هانتر، وترامب هو محور القضية بطبيعة الحال.
قد يكون من الصعب متابعة القصة، ولكن هذا التقرير يجيب على أكثر الأسئلة إلحاحاً.
ما أهمية هذا؟
يقول معارضو ترامب بأنه استخدم صلاحيات الرئاسة في الضغط على رئيس أوكرانيا بهدف الحصول على معلومات تضر بمنافسه السياسي الديمقراطي جو بايدن.
وفي الوقت نفسه، يزعم ترامب وأنصاره أن نائب الرئيس السابق، جو بايدن، استغل سلطته للضغط على أوكرانيا لوقف تحقيق جنائي قد يورط ابنه هانتر.
وجو بايدن هو المرشح الأول عن الحزب الديمقراطي لمنصب الرئاسة للعام المقبل، وسيكون في مواجهة ترامب في السباق على الوصول إلى البيت الأبيض.
ما أصل الحكاية؟
في 25 يوليو/تموز من العام الحالي، أجرى ترامب محادثة هاتفية مع الرئيس الأوكراني زيلينسكي، ويُزعم أن ترامب ضغط على نظيره الأوكراني للتحقيق مع نائب الرئيس السابق بايدن.
ربما ناقش ترامب أيضاً مسألة المساعدات العسكرية التي تقدر قيمتها بمبلغ 250 مليون والتي وافق الكونغرس على تقديمها لأوكرانيا، المساعدات التي أخرتها إدارة ترامب حتى منتصف سبتمبر/أيلول الحالي.
وتقول صحيفة "واشنطن بوست" ووسائل إعلام أمريكية أخرى، إن ترامب طلب من كبير موظفي البيت الأبيض بالإنابة، ميك مولفاني، وقف المساعدات قبل أسبوع على الأقل من ذلك الاتصال الهاتفي.
هل أكد ترامب أياً من هذه المزاعم؟
الجواب نعم إلى حدٍ ما. أكد أنه تحدث إلى زيلينسكي حول مشكلة الفساد وأمور أخرى من بينها جو بايدن وابنه هانتر.
وأضاف: "كانت محادثة لطيفة ومثالية عبر الهاتف، وتريد الولايات المتحدة أن تتأكد من أن أوكرانيا "بلد نزيه".
وعلى تويتر، كان ترامب أكثر صراحة، إذ قال إن الجدل اختلقه الديمقراطيون ووسائل إعلام "غير نزيهة". وشكك ضمنياً في وطنية الأشخاص الذين كشفوا عن الأمر.
ماذا يقول السياسيون الأمريكيون الآخرون؟
يقول الديمقراطيون بالكونغرس، إن المكالمة الهاتفية التي أثارها أحد المبلغين في شكوى رسمية مهمة جداً لأنها تلقي الضوء على تعاملات الرئيس الأمريكي مع الزعيم الأجنبي.
ويقول معارضو البيت الأبيض إن ترامب مارس ضغوطاً على زيلينسكي، وحثّه على إبلاغ المسؤولين في حكومته بالتحقيق في الأنشطة التجارية المتعلقة بهانتر بايدين، الذي كان عضواً في مجلس إدارة شركة يمتلكها احد أباطرة المال في اوكرانيا.
وقال الديمقراطيون إن ترامب أراد أن يبدأ الأوكرانيون بالتحقيق في الفساد "لأن هذا قد يلطخ سمعة هانتر وأبيه".
لم يعلق الجمهوريون كثيراً على الجدل، وهذا يدل على الطابع الحزبي للمسألة مثلها مثل الكثير من القضايا في البلاد.
ومع ذلك، قال جمهوري واحد على الأقل، ميت رومني، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية يوتا، إنه يود معرفة المزيد.
ماذا حدث للشكوى؟
بعد تلقي الشكوى، أبلغ المفتش العام جوزيف ماغوير، القائم بأعمال مدير الاستخبارات الوطنية، بأن الأمر "عاجل".
وينص قانون التبليغ السري عن المخالفات في مجتمع الاستخبارات، إن أمام المدير سبعة أيام لتحويل الشكوى إلى لجنة المخابرات وهذا لم يحدث.
وبدلاً من ذلك، تحدث ماغوير مع محام وصف القضية بأنها ليست "عاجلة"، على الأقل وفقاً للمعايير القانونية بحسب صحيفة "نيويورك تايمز".
ونتيجة لذلك ، رأى ماغوير أن أعضاء لجان الرقابة بالكونغرس لا يجب أن يطلعوا على الشكوى.
وفي التاسع من سبتمبر/أيلول، أبلغ المفتش العام الكونغرس بالشكوى، لكن ليس بكل تفاصيلها.
ضغط الديمقراطيون في الكونغرس للحصول على مزيد من المعلومات بما في ذلك نص مكالمة ترامب مع الرئيس الأوكراني.
في البداية، رفضت الإدارة التعاون، لكن ترامب أعلن عبر موقع تويتر أنه سمح بإصدار "نسخة كاملة وغير منقحة" في الـ 25 من سبتمبر/أيلول الحالي.
وكتب: "سوف ترون أنها كانت مكالمة ودية للغاية وسليمة تماماً". وهنا تقف الأمور حالياً.
ومن المقرر أن يدلي ماغوير بشهادته في الـ 26 من الشهر الحالي، أمام لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، كما أنه من المرجح أن يطالب المجلس بالإطلاع على الشكوى، وإذا لم ينجحوا في ذلك، فقد يقدم رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، آدم شيف، دعوى قضائية وفقاً لشبكة "سي إن إن" لمحاولة الحصول عليها.
إذاً، هل قام الرئيس بعمل ما غير قانوني؟
الأمر الأكثر إدانة، هو أن الرئيس ضغط على زعيم أجنبي للحصول على معلومات تساعد في إلحاق الضرر بأحد المعارضين السياسيين له، في حين كان يؤخر المساعدات العسكرية الأمريكية لذلك البلد.
هناك حالة مماثلة فهل هذا غير قانوني؟
من المؤكد أن الأمر يتعلق بالتحقيق الذي قاده روبرت مولر منذ عامين في علاقة روسيا المحتملة بحملة ترامب للتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016.
واورد تقرير المحقق الخاص تفاصيل الاتصالات المتعددة بين الحملة والمواطنين الروس، بما في ذلك اجتماع يونيو/ حزيران 2016 بين كبار مسؤولي الحملة مثل ابن ترامب والعديد من الروس الذين تربطهم صلات بالكرملين.
وكان هناك بعض الجدل حول ما إذا كان التماس معلومات عن معارض من حكومة أجنبية يشكل انتهاكًا لقانون تمويل الحملات الانتخابية، لكن مولر رفض القيام بتوجيه الاتهام.
ويمكن أيضاً أن تتعارض مكالمة ترامب والرئيس الأوكراني مع قوانين الرشوة الفيدرالية.
وخلص المحقق الخاص إلى أن المبادئ التوجيهية لسياسة وزارة العدل تحظر توجيه الاتهام إلى الرئيس الحالي، ومع ذلك، فحتى لو ارتكب ترامب نوعاً من الجريمة، فهو محمي في الوقت الحالي من المقاضاة الجنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار، السؤال الأكثر صلة هو....
هل ارتكب ترامب جريمة يمكن أن تؤدي إلى عزله؟
إن الآلية الدستورية للتعامل مع الرئيس الذي ارتكب أفعالاً غير قانونية أو غير أخلاقية هي المضي قدماً في العزل من قبل غالبية نواب مجلس النواب وإدانته وإقالته بأغلبية ثلثي أصوات أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي.
ويحدد دستور الولايات المتحدة أسباب الإقالة بأنها "خيانة أو رشوة أو غيرها من جنحٍ أو جرائم كبرى".
وعندما يتعلق الأمر بذلك، فإن "جريمة التي تؤدي الى عزل الرئيس" هي ما يتفق عليها أغلبية أعضاء مجلس النواب.
ومنذ الانتهاء من تحقيق مولر، فإن قرع طبول الاتهام بين الديمقراطيين الذين لديهم أغلبية في مجلس النواب يتزايد باطراد.
ومع ذلك، في البداية، كانت القيادة الديمقراطية لمجلس النواب ترفض المضي قدماً في القيام بإجراءات عزل رسمي قد تؤدي إلى تصويت على عزل الرئيس.
وكانت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لمحت إلى أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تلحق الضرر بالفرص الانتخابية للديمقراطيين في دوائر الكونغرس المعتدلة وستكون بلا معنى في النهاية لأن الجمهوريين الذين يشكلون الأغلبية في مجلس الشيوخ لن يصوتوا أبداً على عزل الرئيس.
ولكن بيلوسي أعلنت الثلاثاء أن الديمقراطيين فتحوا تحقيقاً رسمياً في قضية إجراءات عزل الرئيس.
وقالت إن الرئيس انتهك القانون، ووصفت أفعاله بأنها "تخالف مسؤولياته الدستورية ويجب أن يُحاسب".
هل هناك أي صلة لهذه المزاعم حول جو بايدن وابنه؟
تدور المزاعم التي اثارها ترامب ومحاميه رودي جولياني، عمدة نيويورك السابق، ضد جون بايدين وابنه على الجهود التي بذلها بايدن لطرد المدعي العام الأوكراني فيكتور شوكين عام 2016.
وكان مكتب شوكين مسؤولاً عن التحقيقات في شركة الغاز الأوكرانية (بورسيميا هولدينغ)، والتي كانت في ذلك الوقت تدفع لهانتر بايدن، نجل جو بايدن ، ما يقرب الخمسين ألف دولار شهرياً للعمل في مجلس إدارتها.
ويزعم ترامب وجولياني وآخرون أن ضغط بايدين الذي شمل التهديد بحجب ضمانات القروض الأمريكية التي كانت تبلغ قيمتها مليار دولار للبلاد، كانت محاولة منه لحماية ابنه والشركة من تهم جنائية.
لم يتم تقديم أي دليل حتى الآن يشير إلى بايدن تصرف مريب أو قام بعمل غير نزيه بسبب عمل ابنه في أوكرانيا.
ويعتقد البعض أن علاقات عائلة بايدن بأوكرانيا تثير الشكوك حول وجود تضارب محتمل في المصالح. لكن ما يبدد هذه الشكوك أن بايدن الأب لم يكن المسؤول الأمريكي الوحيد الذي طالب بعزل شوكين بكل كان هناك مسوؤلون أوروبيون وحتى اوكرانيون أيضا يدعون الى ذلك.
وكما أشارت صحيفة نيويورك تايمز مؤخراً، لم يكن المدعي العام الأوكراني "يتابع بشكل حثيث" التحقيقات في بوريسيما في ذلك الوقت، لكنه اتُهم بأنه استخدام تهديد بالملاحقة القضائية للحصول على رشاوى من مدراء الشركات.
إضافة إلى ذلك، واصل البديل عن شوكين، يوري لوتسينكو، التحقيق في شركة بوريسيميا لمدة 10 أشهر قبل إنهاء جميع الإجراءات القانونية.
إذاً، هل هذا تكرار لما جرى عام 2016؟
كما لوحظ، فإن أوجه الشبه بين حلقة أوكرانيا هذه والأحداث المحيطة بقضية التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية لعام 2016 لا لبس فيها. ومع ذلك هناك اختلافات رئيسية.
وبالعودة إلى عام 2016، كان ترامب مواطناً خارج الدائرة السياسية ويطمح إلى الوصول للبيت الأبيض. وربما اقترب منه مواطنون أجانب لمساعدته في حملته الانتخابية، ولكن وفقًا للتحقيق الذي أجراه مولر، إما أن العروض المقدمة له لم تؤدِ إلى أي شيء أو تم رفضها تماماً.
الآن ترامب ومع كل سلطات الرئاسة تحت تصرفه، يزعم أنه بدأ الاتصال مع زعيم أجنبي. بينما ينكر الضغط على الرئيس الأوكراني، ويقول معارضوه إن منع المساعدات العسكرية في الوقت الذي طلب منه مراراً إجراء تحقيق مع بايدن يجعل هدف ترامب واضحاً تماماً.
المصدر: بي بي سي