خلال فصل الربيع هذا العام وبينما كان مجلس النواب المصري يناقش منح الرئيس عبد الفتاح السيسي سلطات إضافية والسماح له بمواصلة الحكم حتى عام 2030 أعلن رئيس المجلس علي عبد العال أن التعديلات المقترحة تعبر عن إرادة المجلس.
وقال عبد العال ”هذه التعديلات نابعة من البرلمان ولا علاقة لرئيس الجمهورية بها من قريب ولا من بعيد“.
وقال خمسة أشخاص مطلعين على هذا الأمر إن الواقع كان مغايرا لذلك.
فقد قالت المصادر إن ثلاثة من مستشاري السيسي المقربين أحدهم محمود أكبر أبنائه بدأوا التخطيط للتعديلات الدستورية قبل ذلك بعدة أشهر في أعقاب انتخاب السيسي لفترة رئاسة ثانية وأخيرة في ابريل نيسان 2018. وكان أحد المصادر الثلاثة حاضرا أثناء بحث الأمر.
وأضافت المصادر أن محمود السيسي ومدير المخابرات عباس كامل ومحمد أبو شقه المستشار القانوني لحملة السيسي الانتخابية تدارسوا خلال اجتماعات عقدت في شهري سبتمبر أيلول وأكتوبر تشرين الأول 2018 في مقر جهاز المخابرات العامة المصري في القاهرة الآراء بهدف إطالة فترة بقاء الرئيس في منصبه.
وناقش الثلاثة المواد التي يجب إعادة صياغتها في الدستور وكيفية تحقيق ذلك وتوقيت كل خطوة.
وفي فبراير شباط طرح نواب مؤيدون للسيسي الاقتراحات التي تمخضت عنها الاجتماعات في البرلمان لمد فترة رئاسة السيسي وتوسيع نطاق صلاحياته على حساب القضاء والبرلمان.
واستوفت التعديلات المقترحة الإجراءات بسرعة في المجلس الذي يهيمن عليه أنصار السيسي وتم إقرارها في استفتاء عام في ابريل نيسان لم ترتفع فيه أصوات المعارضة بدرجة تذكر.
ويقول معارضو السيسي إن التعديلات الدستورية تقضي على أي أمل في قيام دولة مدنية ديمقراطية حديثة. كما يقولون إنه لم يحدث منذ حكم حسني مبارك الذي امتد نحو 30 عاما وانتهى في عام 2011 أن تركزت سلطات بهذا القدر في يد رجل واحد.
وقال حمدين صباحي المرشح الرئاسي السابق وأحد كبار أعضاء الحركة المدنية الديمقراطية وهو تحالف مؤلف من جماعات معارضة ”في سلطة مستبدة شرعنت وأطالت مدى قدرتها على أن تحكم“.
ولم ترد الحكومة المصرية على أسئلة تفصيلية من رويترز لهذا التقرير. وسبق أن قال السيسي إن الإرهاب يحاصر مصر. وقال المؤيدون للتعديلات الدستورية إن السيسي مازال أمامه مهام عليه إنجازها في محاربة الإرهاب وإصلاح الاقتصاد المصري ولذلك يحتاج مزيدا من الوقع والسلطات.
وفي الشهر الماضي قال رئيس مجلس النواب عن السيسي ”هذا الرجل الشجاع والمخلص والوفى للوطن يعمل بكل إخلاص، ولديه حلم أن يكون الوطن قويا ومتقدما ومتطورا، ليأخذ الوضع اللائق بتاريخه، أتوجه إليه بخالص التحية والتقدير“.
وكان السيسي قائد الجيش السابق قد تولى السلطة في العام 2014 بعد أن تحرك الجيش إثر احتجاجات شعبية حاشدة لعزل محمد مرسي أول رئيس منتخب ديمقراطيا في مصر وأحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين. ومنذ ذلك الحين شدد السيسي قبضته على الحكم. وأثارت حملة تضييق على المعارضين انتقادات من جماعات حقوق الإنسان وحكومات غربية.
وتوصل تحقيق أجرته رويترز في ابريل نيسان إلى أن الشرطة المصرية قتلت بالرصاص مئات ممن يشتبه في انتمائهم للجماعات الإسلامية المتشددة في عمليات وصفتها السلطات بأنها اشتباكات بالأسلحة النارية غير أن أسر القتلى قالت إنها إعدامات خارج نطاق القانون.
وأظهر تحقيق أجرته رويترز الشهر الماضي زيادة عدد أحكام الإعدام التي نفذت في عهد السيسي لثلاثة أمثالها منذ تولى السيسي منصب الرئيس.
وفي مقابلات وصف نواب في البرلمان ومصادر أمنية وأشخاص لهم صلة بالمخابرات المصرية كيف أعاد أنصار السيسي صياغة مواد في الدستور لمنح الرئيس والمؤسسة العسكرية صلاحيات أكبر وكيف أقروا التعديلات عبر برلمان مذعن وفي الاستفتاء العام.
وكان موقع مدى مصر، أحد المنافذ الإعلامية القليلة المستقلة في البلاد، هو أول من ذكر أن نجل السيسي ورئيس المخابرات عباس كامل حضرا المحادثات الخاصة بتعديل الدستور. وجمعت رويترز تفاصيل أخرى لاستكمال الصورة فيما يتعلق بالمباحثات وكيف تم كسب دعم النواب ووسائل الإعلام.
وقال مصدر مطلع على الإجراءات البرلمانية إن النواب لم يكن لهم يد في صياغة التعديلات المقترحة التي طرحت عليهم في المجلس. وقال بعض النواب الذين عارضوا التعديلات إنهم تعرضوا لحملة تشويه وتخويف. وتم إقرار التعديلات بأغلبية 531 صوتا مقابل اعتراض 22 صوتا.
وكتب عدد من كبار القضاة رسالة للبرلمان في 16 مارس آذار، اطلعت عليها رويترز، يحذرون فيها من أن التعديلات من شأنها ”المساس باستقلال القضاء“.
وقال ساسة معارضون إنه تم القبض على عشرات أثناء الاستعداد للاستفتاء.
* بهدوء
نادرا ما يظهر محمود نجل السيسي في مناسبات عامة. وقد تخرج محمود في الكلية الحربية وقال مصدران على صلة وثيقة بالمخابرات المصرية إنه يشغل أحد المناصب الكبرى في جهاز المخابرات العامة.
وقال دبلوماسي غربي إن محمود يتولى الأمن الوطني وهو أحد ثلاثة أبناء للرئيس من المعروف أنهم يشغلون مناصب رسمية.
وقد أصبح عباس كامل الذي يطلق عليه وصف ”ظل الرئيس“ بسبب قربه الشديد من السيسي مديرا لجهاز المخابرات العامة في يونيو حزيران 2018 بعد أن كان يعمل في السابق ضمن هيئة العاملين في الرئاسة. أما محمد أبو شقه الذي كان يعمل رئيسا للنيابة فقد قام بدور المتحدث باسم حملة السيسي الرئاسية في 2018 ومستشارها القانوني.
ويوسع الدستور المعدل الذي ساعد الثلاثة في صياغته صلاحيات الرئيس والجيش. وهو يمنح الرئيس سلطة تعيين كبار القضاة والنائب العام واختيار ثلث نواب مجلس نيابي جديد هو مجلس الشيوخ.
وينص الدستور على أن مهمة القوات المسلحة هي ”حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها وصون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها“ الأمر الذي يتيح للجيش إمكانية التدخل إذا لم يكن الاتجاه الذي تسير فيه مصر على هواه.
وزادت فترة الرئاسة إلى ست سنوات من أربع سنوات. وتنص فقرة خاصة على تمديد فترة الرئاسة الحالية للسيسي والتي بدأت في 2018 حتى عام 2024 والسماح له بخوض انتخابات الرئاسة لمرة ثالثة تجاوزا للدستور الذي ينص على قصر مدد الرئاسة على فترتين.
ومما عقد هذه التعديلات الأخيرة شرط قانوني يستلزم أن يكون أي تعديل لفترة الرئاسة مقترنا بمزيد من الحريات. وسعى التعديل المقترح للوفاء بهذا الشرط من خلال النص على ألا يقل عدد أعضاء المجلس من النساء عن 25 في المئة.
وقال تيموثي قلدس الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط وهو مركز بحثي مناصر للديمقراطية إن الحكومة المصرية حاولت تسويق التعديلات على أنها ”عملية عادية لترتيب أوضاع دستورية وتمديد حكمه باعتباره جزءا صغيرا من مجموعة إصلاحات للدستور“.
وقال دبلوماسيون وشخصيات معارضة إن مستشاري السيسي حرصوا على اقتناص الموافقة على التعديلات قبل زيادات مقررة في أسعار الوقود في الصيف.
ويشعر المصريون بضغوط من ارتفاع ضرائب المبيعات وتقليص دعم الوقود وانخفاض قيمة العملة بعد تعويمها وكلها تدابير تمثل جزءا من برنامج للإصلاح الاقتصادي يدعمه صندوق النقد الدولي. وفي حين شهد الاقتصاد تحسنا تراجعت شعبية السيسي. وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر خلال يوليو تموز الماضي أن واحدا من كل ثلاثة مصريين يعيش في فقر.
* سرعة التحرك
عندما عرضت اللجنة التشريعية بمجلس النواب التعديلات المقترحة على المجلس في فبراير شباط قالت إن المقترحات تحظى بدعم 155 نائبا. غير أن مصدرا مطلعا على الإجراءات قال إن هؤلاء النواب لم يشاركوا في صياغة التعديلات. كان هؤلاء النواب قد وقعوا فقط على وثيقة معدة سلفا.
وقال ثلاثة نواب إنه لم يتم الكشف عن أسماء النواب الموقعين لأعضاء المجلس فيما يمثل خروجا على الإجراءات المعتادة.
ولم ترد الحكومة على طلبات للتعليق على هذا الأمر.
وفي الأسابيع التي تلت ذلك أجرى مجلس النواب مشاورات حول التعديلات الدستورية المقترحة شارك فيها ممثلون للمجتمع المدني وبعض القيادات المعارضة. وقال عبد العال رئيس المجلس إن الجلسات أتاحت حرية إبداء الآراء في التعديلات المزمعة.
واختلف معارضون مع هذه الرواية. وقال محمد سامي رئيس حزب الكرامة اليساري ”ما كانش في حوار حقيقي“.
ودعا أعضاء في سلك القضاء الذي ستتقلص صلاحياته إلى إعادة النظر في الأمر.
وكتب نادي قضاة مجلس الدولة الذي يمثل حوالي 3000 قاض رسالة إلى مجلس النواب يحذره فيها من أن ”المقترح من شأنه المساس باستقلال القضاء بصفة عامة وتقليص دور مجلس الدولة“ الذي يبت في النزاعات الإدارية ويراجع عقود الدولة.
وقال سمير البهي رئيس النادي في الرسالة التي اطلعت عليها رويترز ”العدل أساس الحكم واستقلال القضاء هو أساس العدل وبغير العدل تضطرب الدولة“.
ولم تستطع رويترز الاتصال بالبهي للتعليق.
ووصف أحد القضاة الوضع بأنه أسوأ للنظام القضائي مما كان عليه في عهد الرئيس جمال عبد الناصر الذي حكم البلاد من 1954 إلى 1970. وقال القاضي إن عبد الناصر كان يعزل القضاة ولا يضعهم تحت سيطرته الكاملة مثلما يحدث الآن.
ووصف بعض النواب الذي صوتوا بالاعتراض على التعديلات كيف تعرضوا لحملة تشويه وتخويف. وقال ناشطون يعيش بعضهم في الخارج إنهم تعرضوا هم وأسرهم لضغوط شديدة.
وقال النائب والمخرج السينمائي المعروف خالد يوسف إنه تعرض لهجمات على الانترنت بدأت عندما ”أعلنت أنها خطيئة سيدركها النظام. بعدها مباشرةً اتفتحت النار عليا“.
وفي فبراير شباط وبعد أن أبدى يوسف اعتراضه علنا على تعديل الدستور ظهر مقطع فيديو على الانترنت قيل إنه يظهر فيه مع عدة نساء في مشاهد جنسية. وكان مقطع الفيديو نفسه قد ظهر في عام 2016 بعد أن عارض يوسف قرار السيسي تسليم جزيرتين في البحر الأحمر للسعودية. وقال يوسف إن مقطع الفيديو مزيف.
وقال يوسف الموجود حاليا في باريس ”كل فترة، كل لما أعارض قانون .. يبدأوا يشيرو (ينشروا) الفيديوهات دي“.
* اعتقالات وصمت
في أوائل ابريل نيسان وحتى قبل إقرار التعديلات المقترحة في مجلس الشعب امتلأت شوارع القاهرة باللافتات وشاشات العرض الرقمية التي تحث الناس على المشاركة في الاستفتاء الذي لم يكن قد تقرر بعد. بل إن بعض الإعلانات طالبت الناخبين بالموافقة على التعديلات.
وتقول الحركة المدنية الديمقراطية المؤلفة من أحزاب معارضة إنه تم اعتقال أكثر من 120 من شخصيات المعارضة قبل الاستفتاء الذي أجري في الفترة من 20 إلى 22 ابريل نيسان. وكان من هؤلاء أمير عيسى أحد كبار أعضاء حزب الدستور وهو من الأحزاب الليبرالية.
وقال معتز شقيق عيسى وكذلك محامي الحزب لرويترز إن عيسى اعتقل خارج لجنة انتخابية في محافظة القليوبية شمالي القاهرة في ثاني أيام التصويت بعد أن أبلغ مسؤول اللجنة أنه شاهد أفرادا يقدمون رشا للناخبين. ولم تستطع رويترز الاتصال بالمسؤول.
وقال المحامي الذي طلب عدم الكشف عن اسمه إن عيسى لا يزال محبوسا. وأضاف أن النيابة أمرت بحبسه بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ارتكاب جرائم من شأنها تعكير السلم والأمن.
والانتقادات في وسائل الإعلام المصرية تكاد تكون منعدمة.
وقال محمد عبد الحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين إن رقباء حكوميين في المطابع مكلفين بالرقابة على الصحف قبل طبعها أوقفوا نشر مقالات معارضة للتعديلات.
وقال عبد الحفيظ ”لم يسمح بنشر أي رأي مخالف للتعديلات الدستورية في الصحف المصرية منذ انطلاق قطار التعديلات“.
وتم حجب موقع على الانترنت مخصص لجمع التوقيعات اعتراضا على الاستفتاء بعد ساعات من إطلاقه في مارس آذار وفقا لما قالته جماعة نت بلوكس التي تراقب الانترنت.
ولم يتضح من الذي يقف وراء هذه الخطوة. وكان الموقع قد جمع بالفعل 60 ألف توقيع.
وفي 24 ابريل نيسان أعلنت لجنة الانتخابات المصرية إن 89 في المئة من الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم أيدوا التعديلات وأن نسبة الإقبال على التصويت بلغت 44 في المئة. وأعلنت اللجنة أن الاستفتاء كان حرا ونزيها.
المصدر: رويترز