تصاعدت الإدانات الدولية الأربعاء لمقتل حوالى 40 مهاجراً في غارة جوية استهدفت مركزاً لاحتجازهم في تاجوراء الضاحية الشرقية لطرابلس، وشنّتها بحسب حكومة الوفاق المعترف بها دولياً قوات المشير خليفة حفتر التي تحاول منذ ثلاثة أشهر السيطرة على العاصمة.
وندد مبعوث الامم المتحدة الخاص الى ليبيا غسان سلامة بالهجوم وقال أنه "يرقى الى مستوى جريمة حرب".
وخلف الهجوم حفرة بقطر نحو ثلاثة أمتار في وسط المركز، أحاطت بها أنقاض الهيكل المعدني بسبب قوة الانفجار.
وذكرت الأمم المتحدة أن 33 شخصا على الأقل قتلوا كما أصيب أكثر من 130 آخرين".
وشاهد مصور لوكالة فرانس برس جثثاً ممدّدة على أرض العنبر وبجانبها أشلاء بشرية اختلطت بمتاع وملابس مضرجة بالدماء.
وأضاف المصور أنّ طواقم الإنقاذ كانت لا تزال تبحث تحت الأنقاض عن ناجين محتملين، في حين كان سيارات الإسعاف منتشرة في المكان.
وقال سلامة في بيان "ان هذا القصف يرقى بوضوح إلى مستوى جريمة حرب إذ طال على حين غرة أبرياء آمنين شاءت ظروفهم القاسية أن يتواجدوا في ذلك المأوى"، داعيا المجتمع الدولي "لإدانة هذه الجريمة وإلى تطبيق العقوبات الملائمة على من نفذ هذه العملية بما يناقض، وبشكل صارخ، القانون الإنساني الدولي".
وصرح اسامة علي المتحدث باسم أجهزة الطوارئ لوكالة فرانس برس أن 120 مهاجرا كانوا محتجزين في المركز الذي أصابته الضربة مباشرة.
وذكر رئيس مركز المهاجرين نور الدين الغريفي أن آخرين في عنبر مجاور أصيبوا بجروح بسبب الضربة.
وقال إن العنابر الخمسة في تاجوراء تحتجز نحو 600 لاجئ ومهاجر.
وأصدرت حكومة الوفاق بياناً دانت فيه "بأشدّ العبارات الجريمة البشعة" واتهمت "الطيران التابع لمجرم الحرب خليفة حفتر" باستهداف "مركز إيواء المهاجرين في تاجوراء".
وأكّدت الحكومة في بيانها أنّ "هذا القصف الذي طال مركز الإيواء كان متعمّداً ولم يكن بشكل عشوائي، بل كان باستهداف مباشر ودقيق".
ويشنّ حفتر منذ الرابع من نيسان/ابريل هجوماً للسيطرة على العاصمة طرابلس مقرّ حكومة الوفاق الوطني المناوئة له.
ولم تتبنّ هذه الغارة أي جهة لكن وسائل إعلام مقرّبة من حفتر تحدّثت مساء السبت عن استهداف طرابلس وتاجوراء بـ"سلسلة غارات جوية".
وغالباً ما تستهدف قوات حفتر ضاحية تاجوراء التي تضمّ مراكز عسكرية تابعة لجماعات موالية لحكومة الوفاق بضربات جوية.
-"ليست مكاناً آمناً"-
وتعليقاً على الغارة، شدّد رئيس المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنطونيو تاجاني في تغريدة على "ثلاث رسائل أساسية: يجب عدم احتجاز المهاجرين واللاجئين، يجب ألا يكون المدنيون أهدافاً، وليبيا ليست مكاناً آمناً ليرسل" إليه المهاجرون واللاجئون.
وقال المتحدث باسم المفوضية شارلي ياكسلي لوكالة فرانس برس "نشعر بأسى لهذه الوفيات". وأشار إلى "القلق العميق" للمفوضية إزاء "شائعات" تتحدث عن أن المركز كان يستخدم "كمستودع للأسلحة".
وأضاف أنه "يجب عدم إرسال أحد إلى ليبيا".
وعلقت منظمة أطباء بلا حدود بدورها عبر تويتر على "هذه الأحداث المروعة"، وطالبت "بالإجلاء الفوري للمهاجرين واللاجئين المحتجزين في مراكز احتجاز في ليبيا".
وتعرب الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية مراراً عن معارضتها إرسال المهاجرين الذين يوقفون في البحر إلى ليبيا، التي تعيش فريسةً للفوضى منذ سقوط معمر القذافي في عام 2011، حيث يوضعون في "الاحتجاز التعسفي" أو يكونون تحت رحمة المجموعات المسلحة.
-"تحقيق مستقل"-
بات وضع المهاجرين في ليبيا أكثر خطورة منذ إطلاق المشير حفتر لعمليته العسكرية.
وعبّرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا مراراً عن قلقها على مصير نحو 3500 من المهاجرين واللاجئين "المعرّضين للخطر" لوجودهم في "مراكز ايواء قرب مناطق المعارك المستمرة" جنوب طرابلس.
وكتب فيليبو غراندي رئيس المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة على تويتر "المهاجرون واللاجئون يجب أن لا يحتجزوا. المدنيون يجب أن لا يكونوا هدفا. ليبيا ليست مكاناً آمناً" للمهاجرين واللاجئين.
ودعا الاتحاد الأوروبي الأمم المتحدة إلى التحقيق في الضربة.
وقالت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني ومفوض التوسعة يوهانس هان ومفوض الهجرة ديمتريس افراموبولوس في بيان "يجب محاسبة المسؤولين" عن الضربة.
وذكر المتحدث باسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في جنيف أن المفوضية طلبت اخلاء المركز قبل أسابيع "بعد أن كان يصاب بضربة جوية مماثلة".
وأضاف أنه يعتقد أن المركز يستخدم لتخزين الأسلحة، وقال "استخدام البنى التحتية بهذا الشكل يمثل انتهاكا للقانون الإنساني الدولي".
ورغم استمرار الفوضى، لا تزال ليبيا دولة عبور رئيسية للفارين من النزاعات وعدم الاستقرار من مناطق أخرى في إفريقيا والشرق الأوسط.
ودان رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد من جهته "بشدة" الغارة الجوية على المركز، وطالب بمحاسبة المسؤولين عن "هذه الجريمة الرهيبة".
ودعا في بيان إلى "تحقيق مستقل لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الرهيبة بحق مدنيين أبرياء"، مكرراً "دعوته إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى أن تضمن أطراف (النزاع) حماية المدنيين وسلامتهم، خصوصاً المهاجرين المحاصرين في مراكز الاحتجاز".
وأعربت إيطاليا عن "استيائها" و"إدانتها الواضحة للقصف العشوائي على مواقع فيها مدنيين".
وأكد وزير الخارجية الايطالي إينزو موافيرو "علينا أن نؤمن فوراً إجراءات جادة للحماية، وخصوصا نقل المهاجرين المتواجدين في مراكز ايواء إلى مناطق بعيدة عن المعارك".
أما وزيرة الدفاع الإيطالية اليزابيتا ترينتا فاكدت أن البحر المتوسط يمثل "عصب" تحرك إيطاليا. وأضافت أن "أولويتنا الاستراتيجية هي إحلال السلم والاستقرار في ليبيا".
ودانت وزارة الخارجية الفرنسية الحادث وقالت "إثر هذه المأساة، تدعو فرنسا مجددا الأطراف الى وقف التصعيد فورا ووقف المعارك".
واعتبرت تركيا الغارة "جريمة ضد الإنسانية" داعية إلى تحقيق دولي.
كما دانت الجامعة العربية الهجوم، وعبر أمينها العام احمد ابو الغيط في بيان عن بالغ الأسى لسقوط أكثر من 40 قتيلاً جراء هذا الحادث وإصابة أكثر من مئة آخرين".
وتعهدت قوات حفتر هذا الأسبوع بتكثيف ضرباتها الجوية ضد قوات حكومة الوفاق الوطني المناوئة بعدما سيطرت الأخيرة على مدينة غريان (100 كيلومتر عن طرابلس)، التي شكلت مركز عمليات حفتر في معركته ضد طرابلس، على بعد نحو 1000 كيلومتر عن معقله بنغازي في الشرق.
ويتبادل الطرفان مراراً الاتهامات بتشغيل مرتزقة أجانب أو الاستفادة من الدعم العسكري، الجوي خصوصاً، لقوى أجنبية.
المصدر: فرانس برس