منذ تشكيلها في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، تبذل الحكومة العراقية جهودا حثيثة لإحداث تغيير جذري في سياسة بغداد الخارجية، في مسعى لتحقيق توازن في علاقاتها الإقليمية والدولية، للخروج من تحت العباءة الإيرانية، والنأي بنفسها عن النزاعات المتصاعدة في المنطقة.
وفي ضوء هذا التوجه، تتجه بغداد بصورة واضحة نحو نسج علاقات جديدة، عبر تمتين علاقاتها مع الدول العربية، وخاصة الخليجية المجاورة، بعد سنوات من التوترات والفتور.
وهو توجه بدأته فعليا الحكومة السابقة، برئاسة حيدر العبادي (214: 2018)، حيث تمكنت بالفعل من إعادة الدفء نسبيا للعلاقات مع دول الخليج، لكن دون التوصل إلى اتفاقيات استراتيجية اقتصادية وتجارية وأمنية طويلة المدى.
وفي أعقاب انتخابه رئيسا للعراق، في أكتوبر/ تشرين أول الماضي، استهل برهم صالح أولى زياراته الخارجية بجولة في دول الخليج، فضلا عن مصر والأردن.
** علاقات استراتيجية دون تدخلات
ووفقا لعضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي، حسين المالكي، فإن "العراق يود التقارب مع كل الدول، وخاصة الخليجية؛ لأنها مجاورة له".
المالكي أضاف في تصريح للأناضول: "نريد علاقات متميزة، ولا نود أن يتدخل أحد في شؤوننا الداخلية، ولا نود أن نتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى".
وتابع أن تغييرا واضحا طرأ على علاقات العراق مع دول الخليج: "توجد زيارات متبادلة وتبادل للآراء بين العراق ودول الخليج، التي تدعمه بصورة أكبر حاليا، بعد أن كانت علاقاتهما فاترة".
وشدد المالكي على أن العراق يطمح إلى "علاقات استراتيجية طويلة الأمد مع دول الخليج العربي، قائمة على الاحترام المتبادل".
وكانت العلاقات انقطعت تماما بين العراق ودول عربية عديدة، بينها دول الخليج ومصر وسوريا، في أعقاب غزو نظام الرئيس العراقي الراحل، صدام حسين (1979: 2003)، للكويت، مطلع تسعينيات القرن الماضي.
وعادت العلاقات بين العراق وتلك الدول، في أعقاب إسقاط الولايات المتحدة الأمريكية لنظام صدام، عام 2003، لكنها كانت خجولة وفاترة أحيانا؛ جراء تحفظ معظم الدول العربية على دور إيران المتصاعد في جارته العراق.
** الدور الإيراني
في المقابل?إذا كانت إيران باتت منذ نحو 15 عاما، اللاعب الإقليمي الأبرز في العراق، بحكم صلاتها الوثيقة بحكام بغداد الشيعة، الذين كانوا يحظون بدعم طهران إبان معارضتهم لنظام صدام حسين ، فإنه بعد سنوات طويلة من التوترات الأمنية والحروب، بات العديد من السياسيين العراقيين التقليديين على يقين بأن على بغداد النأي بنفسها عن النزاع والتنافس الإقليمي، وإقامة علاقات متوازنة مع الجميع، والخروج من تحت العباءة الإيرانية، خاصة في ظل النزاع بين إيران والولايات المتحدة.
** الملعب العرقي
غير أنه، على ما يبدو، لن تقف طهران مكتوفة اليدين إزاء السياسة الخارجية الجديدة لبغداد، وستتمسك بكونها القوة الأبرز في الساحة العراقية، لا سيما في ظل العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، على خلفية برنامجيها النووي والصاروخي.
ويقول في هذا الصدد المحلل السياسي العراقي، نجم القصاب، للأناضول، إن "دول الخليج لديها توجه واضح للتقارب مع العراق، إلا أن ضغوطات إيران وأذرعها وأدواتها في السلطتين التشريعية والتنفيذية ببغداد تقف عائقا أمام هذا التقارب".
ويستدل القصاب على ذلك قائلا: "في مؤتمر المانحين بالكويت (فبراير،/شباط 2018) تعهدت الدول الخليجية باستثمار مليارات الدولارات في العراق، لكن هذه الأموال لم تدخل أبدا؛ بسبب فيتو إيراني يرفض دخول الشركات الخليجية إلى العراق".
وأردف: "كما توصلت حكومة العبادي السابقة إلى اتفاقيات لدخول الشركات السعودية السوق العراقية، غير أن تلك الاتفاقيات لم تدخل حيز التنفيذ؛ لأن إيران تريد أن تبقى اللاعب الأقوى في الملعب العراقي".
ورأى القصاب أن "العراق بحاجة للكل، والكل بحاجة للعراق، ويجب طي الصفحات السابقة من العناد والانتقام والثأر، وخاصة بعد انتهاء الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي (في العراق بين 2014 و2017)".
** تحالف أمريكي ضد إيران
في هذا السياق، ألمح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، إلى مساعي إيرانية لإبقاء العراق تحت عباءته.
وقال بومبيو، في خطاب إلى المجتمعين في منتدى "دافوس" عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، الثلاثاء، إن "إيران لا تزال تسعى جاهدة إلى الحد من حرية واستقلال العراق.. نعمل على تشكيل تحالف ضد إيران وداعش".
وفي ظل تصاعد وتيرة النزاع الأمريكي - الإيراني، وهما حليفان رئيسيان للعراق، قد تكون بغداد أمام فرصة لتحقيق تقارب بوتيرة أسرع مع الدول الإقليمية والعربية، بحثا عن أسواق جديدة وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
** الأسواق الخليجية والتركية
يرى الخبير في الشؤون الاقتصادية، هلال الطعان، أن "العراق سيبحث عن أسواق جديدة، إذا ما مارست واشنطن المزيد من الضغط عليه لتقليل علاقاته التجارية والاقتصادية مع إيران".
وأضاف الطعان للأناضول أن "الأسواق الخليجية والتركية تعتبر بديلا مناسبا".
لكنه أقر في الوقت ذاته بصعوبة استغناء بغداد عن طهران: "العراق اعتمد بشكل كبير على إيران على مدى 16 سنة الماضية، من حيث حاجته إلى السلع والكهرباء والغاز وغيرها، لذلك لا يمكن قطع التجارة بين البلدين بسهولة، والتحول المباشر إلى الأسواق الأخرى".
وأعرب عن اعتقاده بأن الحكومة العراقية ستقاوم الضغوط الأمريكية في الفترة المقبلة بشأن الالتزام بالعقوبات على طهران.