في الذكرى الثامنة للثورة المصرية، يخيم "خوف وسكون حذر" على المقاهي الشعبية في محيط ميدان التحرير وسط القاهرة، وهي التي طالما لعبت دورا فاعلا في ثورة 25 يناير / كانون الثاني 2011.
قبل سنوات قليلة، كانت تلك المقاهي أحد روافد الثورة، ومستقرا لنشطاء سياسيين، ومنطلقا لتجمعات احتجاجية، قبل أن تتحول بفعل تطورات سياسية عديدة إلى مكان لقضاء أوقات الفراغ، دون التطرق إلى السياسة.
** لدواعٍ أمنية
في 30 يونيو / حزيران 2013، اندلعت احتجاجات مناهضة لمحمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا في مصر، مقابل أخرى مؤيدة له، وانتهت المواجهة بالإطاحة بمرسي في 3 يوليو / تموز من ذلك العام، بعد عام واحد في الحكم.
عقب شهرين من تلك الأحداث، شنت قوات الأمن حملتها الأولى لإغلاق مقاهي وسط العاصمة، بدعوى وقوع مخالفات وعدم وجود تراخيص، ما نفاه أصحاب تلك المقاهي آنذاك.
منذ ذلك الوقت، تحولت مقاهي تلك المنطقة عن دورها السياسي والثقافي إلى خوف وسكون حذر وجلسات نميمة، بفعل رقابة وقيود وحملات إغلاق متكررة لدواعٍ أمنية، وفق أحاديث أصحاب مقاهٍ مع الأناضول.
من أبرز المقاهي تضررا خلال السنوات الأخيرة، تجمع مقاهي "البورصة" (يضم أكثر من 35 مقهى)، و"زهرة البستان" و"الندوة الثقافية" و"غزال" و"التكعيبة" و"صالح"، نظرا لموقعها على أطراف ميدان التحرير، رمز الثورة الشعبية التي أطاحت بالرئيس الأسبق محمد حسني مبارك (1981 ـ 2011).
** مَحكى الثورة
ثمة تحولات شهدتها البنية السياسية للمجتمع المصري منذ ثورة 2011، زادت حدة وتيرتها قبل أكثر من خمسة أعوام، حتى اختفت السياسة من على طاولات المقاهي المصرية.
تتمتع مقاهي وسط القاهرة بطابع معماري مميز، وهي مقر لميلاد معظم الحركات الاحتجاجية قبل ثورة يناير.
من أبرز هذه الحركات: الحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) أواخر 2004، والتي نادت بعدم التمديد لمبارك، وعدم توريث الرئاسة لنجله الأصغر جمال.
كما كانت تلك المقاهي شاهد عيان على التطورات السياسية لثورة 2011، إذ تحولت في تلك الفترة إلى مقر ثابت لنشطاء وأدباء وفنانين وحزبيين، على اختلاف أطيافهم وتنوعاتهم السياسية والأيديولوجية.
وسجل نشطاء أسماء بعض المقاهي الشهيرة وسط القاهرة على دعوات التظاهر التي كانوا ينشرونها على منصات التواصل الخاصة بالثورة، مقرا لتجمع النشطاء وانطلاق الاحتجاجات ضد نظام مبارك.
** خالية من المقاهي
تحت وطأة حملات مكثفة أطلقتها السلطات لإغلاق أكثر من 40 مقهى وسط القاهرة، أبرزها في مارس / آذار 2015، وفبراير / شباط 2017، خلت منطقة وسط القاهرة من تجمعاتها من رواد المقاهي الشعبية، بحسب أحاديث أصحاب مقاهي للأناضول.
وقالت محافظة القاهرة في بيان فبراير / شباط 2017، إنها توقفت عن إصدار تراخيص للمقاهي منذ أكثر من عشر سنوات، وإن معظم مقاهي وسط القاهرة مخالفة، وتمارس نشاطها دون ترخيص رسمي.
وبعد أن كانت هذه المنطقة تشهد ازدحاما وزخما ثقافيا وسياسيا، باتت خالية من روادها المميزين وأحاديثهم السياسية والاجتماعية، التي طالما كانت شرارة لبدء تحولات سياسية خلال العقدين الماضيين.
** صداع سياسي
قال مالكا اثنين من المقاهي المغلقة، في حديث مسجل مع الأناضول، إن منطقة مقاهي وسط القاهرة كانت تساهم في تشكيل الوعي السياسي للشباب قبل ثورة 2011.
وأضاف أحدهما، طلب عدم نشر اسمه: "هذه المنطقة كانت تمثل صداعا في رأس الحكومة، فهي تضم أكثر من 40 مقهى يرتادها يوميا أكثر من ثمانية آلاف شاب وفتاة من مختلف الأعمار والفئات الاجتماعية ومستويات التعليم".
ومضى قائلا: "أحد رموز نظام مبارك (علي الدين هلال، وزير الرياضة الأسبق) كان يقول إن منطقة مقاهي وسط القاهرة كانت تحرك الحياة السياسية في مصر قبل الثورة".
فيما قال مالك آخر لمقهى بالمنطقة، طلب عدم نشر اسمه، إن "السلطات التنفيذية تعهدت بمنح تراخيص لأصحاب تلك المقاهي.. لكن ذلك لم يحدث، والمنطقة باتت خاوية، بعد أن كانت الحياة تسري في جميع أماكنها".
وأردف: "أغلقوا مقاهي وسط القاهرة، ولم يستغلوها في أي نشاط فني أو ثقافي يعبر عن مرحلة مهمة، ساهمت في صياغتها وتشكيلها تلك المقاهي، التي جمعت قوس قزح (مختلف ألوان) الحياة السياسية".
** رقابة ذاتية
قالت سوزان عبد الغني، وهي صحفية ثلاثينية تتردد على مقاهي محيط ميدان التحرير، للأناضول، إن منطقة "وسط القاهرة باتت خالية من السياسة، بعد إغلاق معظم المقاهي التي كانت تشهد تجمعات شبابية وأحاديث سياسية متنوعة".
وأوضحت أن الحملات الأمنية المكثفة على المنطقة، وتوقيف الشباب من رواد المقاهي بشكل شبه دوري، ساهم في "توطين الخوف من الحديث (عن السياسة) على المقاهي".
وشددت على أن المقاهي التي لا تزال مفتوحة "باتت تخشى الرقابة الأمنية، وتمنع تجمعات الشباب (إن وجدت)، خاصة المعروفين بتوجهاتهم السياسية، حتى لا تتعرض تلك المقاهي لإجراءات عقابية، منها الإغلاق".
ولمقاهي القاهرة تاريخ طويل في مجالات السياسة والثقافة والفن، ومع حلول الذكرى الثامنة لثورة 25 يناير / كانون الثاني، يسترجع روادها السابقون ذكريات غزيرة عن دورها في الحركة الاحتجاجية خلال السنوات الماضية، قبل أن يسكنها الصمت.