شُلت حركة النقل وأغلقت المدارس والمعاهد والكليات والادارات الخميس في تونس اثر إضراب عام في الوظيفة العمومية والقطاع العام دعا إليه الاتحاد العام التونسي للشغل مطالبا بزيادة الأجور في مناخ سياسي مشحون ومطلع سنة انتخابية.
وتجمع الآلاف من أنصار الاتحاد أمام مقره بالعاصمة تونس مرددين شعارات "ارحلي يا حكومة" و"شاهد يا جبان الشعب التونسي لا يهان" موجهة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي يتهمونه بالخضوع لاملاءات صندوق النقد الدولي.
ورفع المتظاهرون صورا لرئيسة صندوق النقد الدولي كريستين لاغارد مشطوبة بعلامة حمراء بينما صدرت جريدة "الشعب التابعة للاتحاد في صفحتها الأولى صورة مركبة للغارد تمسك بخيوط دمية متحركة تتدلى منها صورة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد..
وحصلت تونس التي تعاني صعوبات مالية في 2016 على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2,4 مليار يورو على أربع سنوات مع الوعد بتنفيذ إصلاحات واسعة.
وزار وفد عن أبرز المانحين الدوليين الثمانية في تموز/يوليو 2018 تونس للدعوة الى الاستمرار في هذه الاصلاحات وخصوصا منها التقليص من كتلة الأجور في القطاع العام.
وأغلقت المدارس والمعاهد والكليات أبوابها في كافة الولايات كما لم تقلع سوى طائرة واحدة مخصصة لنقل مشجعين النادي الأفريقي باتجاه القاهرة، وفقا لما أفادت به وزارة النقل وكالة فرانس برس.
ودعا الاتحاد العام التونسي للشغل لاضراب عام شامل الخميس يشمل 677 ألف من الموظفين الحكوميين وحوالى 350 الف من القطاع العام ما يمثل نحو ربع السكان العاملين في البلاد.
وتجمهر الالاف من المتظاهرين في مدينة صفاقس، ثاني أكبر المدن التونسية.
كما أصدر رئيس الحكومة قرارا ليلة الأربعاء الخميس بتسخير موظفين للعمل في 64 مؤسسة حكومية تشمل النقل البري والجوي والبحري والسكك الحديدية ووزارات الداخلية والتجهيز، منبها الى أن كل من يرفض العمل سيتعرض لعقوبات وفقا للقانون.
وهاجم الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي في خطاب أمام أنصار النقابة العمالية المركزية، حكومة الشاهد قائلا "سنتصدى للخيارات الليبيرالية الفاشلة للحكام الجدد" و" سنقلم أضافركم قبل ان تقلموا أضافرنا".
ورفض الاتحاد مقترحا تقدمت به الحكومة ويقضي بزيادة 70 دينارا (20 يورو) في 2019 و110 دينار (70 يورو) في 2020 بداعي ارتفاع نسبة التضخم التي تبلغ 7,5 في المئة في 2018.
ويبلغ متوسط راتب الموظف الحكومي التونسي حوالى 1580 دينارا (حوالى 500 يورو)، وفقا لتقرير رسمي.
وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في خطاب بثه التلفزيون الحكومي مساء الأربعاء إن وضع المالية العمومية لا يسمح بزيادة في الأجور، مضيفا "إذا رفعنا الأجور دون مراعاة المالية العمومية في البلاد، سنضطر لمزيد من الاقتراض والاستيدان... وهذا نرفضه".
وذكر الشاهد أن الزيادات في الأجور بعد الثورة وفي "غياب نمو حقيقي أدت الى تضخم ومديونية وتراجع القدرة الشرائية".
-"اصلاحات هيكلية للاقتصاد"-
ويرى الباحث المتخصص في الاقتصاد عزالدين سعيدان أن سبب تفاقم الوضع ووصول الأزمة للاضراب العام سببه "غياب رؤية شاملة" و"إصلاحات هيكلية للاقتصاد".
ويُبين لفرانس برس انه "كان من الأجدى الانطلاق في المفاوضات الاجتماعية قبل تقديم ميزانية 2019 والتي لا تتضمن أي بند للزيادات في الأجور"، منبها في نفس الوقت الى أن الزيادات "يمكن أن تؤدي الى التضخم وبالتالي وجب برنامج اصلاحات هيكلية للاقتصاد والتي يمكنها خلق مواطن شغل وتحقيق النمو".
واضراب الخميس هو الاول من نوعه الذي يجمع الموظفين الحكوميين وموظفي الشركات الحكومية.
وفي 22 تشرين الثاني/نوفمبر، نفذ موظفو المؤسسات الحكومية في تونس إضرابا عاما للمطالبة بالأمر نفسه.
ويتزامن الإضراب مع تزايد التجاذبات السياسية في البلاد مع اقتراب الانتخابات التشريعية والرئاسية المقررة نهاية 2019 والتي يريد الاتحاد ان يكون له فيها موطئ قدم.
ولئن تميزت تونس بكونها البلد العربي الوحيد الذي استمر في درب الديموقراطية وحقق انتقالا سياسيا بارزا إثر ثورة 2011، غير أن البلاد لم تتمكن من الاستجابة للمطالب الاجتماعية والاقتصادية بالرغم من أن نسب النمو تعود تدريجيا.
ولم ينعكس الانتعاش الاقتصادي على سكان الضواحي الفقيرة ومدن الداخل حيث تفوق نسبة البطالة بضعفين أو ثلاثة أضعاف النسبة الوطنية للبطالة البالغة 15,5 بالمئة، خصوصا بين خريجي الجامعات. يضاف الى ذلك تراجع قيمة الدينار أمام اليورو والدولار.