على مدار أكثر من 10 سنوات مضت، ضجت عواصم عربية بأحاديث واجتماعات المصالحة الفلسطينية، وبُذلت جهود ووقعت اتفاقيات متكررة لرأب الصدع الذي فرق الفلسطينيين جغرافيا وسياسيا.
غير أن كل ذلك لم ينجح بإنهاء الخلافات بين طرفي الانقسام في الأراضي المحتلة، حركتي "حماس" و"فتح".
وفي محاولة باتت توصف بـ "جهود الفرصة الأخيرة"، تجري القاهرة منذ أسابيع مساعي جديدة مع "فتح" و"حماس" لإنهاء حقبة الانقسام.
لكن مراقبين استبعدوا نجاح هذه الجهود، فالهوة بين الحركتين باتت أكثر عمقا، وهو ما ينعكس في لهجة التصعيد والتهديدات والتراشق الإعلامي المتبادل بين المسؤولين بالجانبين.
وترسم معالم الخلاف بين الحركتين 8 نقاط بعضها ذات طابع تاريخي، وأخرى أنتجتها حالة الانقسام ومن أهمها البرنامج السياسي، والاستعداد للشراكة السياسية، وإعادة بناء منظمة التحرير، وسلاح الفصائل الفلسطينية.
فضلا عن قضية موظفي حكومة "حماس"، وآلية تمكين الحكومة الفلسطينية من مهامها في قطاع غزة.
** البرنامج السياسي
الكاتب السياسي في عدد من الصحف المحلية حسام الدجني، يرى أن البرنامج السياسي أحد أهم نقاط الخلاف بين "حماس" و"فتح".
ولا تعترف حركة "حماس" بإسرائيل ولا تؤمن بالعملية السياسية معها سبيلا لإقامة الدولة الفلسطينية، وترى أن "المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحرير فلسطين التاريخية".
فيما تعتقد "فتح" أن الحل السياسي السلمي والمفاوضات مع الحكومة الإسرائيلية، هي السبيل الوحيد لإقامة الدولة على حدود عام 1967 (الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة).
وقال الدجني للأناضول، إن "الرئيس الفلسطيني محمود عباس يصر على البرنامج السياسي كمرجعية للمصالحة، وهو ما ترفضه حماس".
وفي عام 2011 تم التوصل إلى اتفاق للمصالحة نص على تشكيل حكومة توافق وطني دون برنامج سياسي، تكون مهمتها الإعداد للانتخابات التي ستترك للفلسطينيين مهمة اختيار البرنامج السياسي، لكن هذا الاتفاق لم ينفذ.
** الشراكة السياسية
وأشار الدجني إلى أن الشراكة السياسية أيضا تشكل عائقا كبيرا أمام المصالحة، فحركة "فتح" تؤكد أن زعيمها محمود عباس هو صاحب السلطة، ويملك القرار الفلسطيني بصفته رئيس منظمة التحرير، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس دولة فلسطين.
وفي الوقت ذاته، ترفض "حماس" ذلك وتطالب بألا يتفرد عباس بالقرار الفلسطيني، وأن تكون هناك شراكة في اتخاذ القرار على اعتبار أنها جزء من الشرعية الفلسطينية.
** المصالحة الشاملة
الكاتب السياسي رأى أن من أهم ما يشعل الخلاف بين التنظيمين أيضا، هو أن "حماس" تريد أن تشمل المصالحة غزة والضفة الغربية، بمعنى أن تستعيد وجودها ونشاطها في الضفة، وتشارك بإدارة الحالة الفلسطينية مع حركة "فتح" والسلطة الفلسطينية، لكن الأخيرة تتحدث عن تطبيق المصالحة في غزة فقط.
وأوضح الدجني أن إنهاء الانقسام سيضمن لـ "فتح" العودة إلى العمل بغزة، وأن يدخل القطاع في سلطة رئيسها محمود عباس.
لكن المصالحة من وجهة النظر الفتحاوية لا تضمن إطلاق الحريات أمام "حماس" بالضفة، وهو ما ترفضه الأخيرة.
** تمكين الحكومة في غزة
من جانبه، أكد المحلل السياسي إبراهيم المدهون، أن ملف تمكين الحكومة بغزة بات أهم عقبة أمام المصالحة الفلسطينية.
وقال المدهون للأناضول، إن "فتح تريد تمكين الحكومة في غزة بشكل كامل، دون أن يكون لحركة حماس أي دور في إدارة القطاع".
وأضاف: "فتح تقصد بالتمكين إزاحة حماس عن المشهد السياسي وعن تفاصيل الحياة الفلسطينية، ونسف كافة الوقائع التي أوجدتها الحكومة السابقة بغزة (حكومة حماس) خلال السنوات العشر الماضية".
وتابع: "بينما حماس تريد أن تكون شريكا وجزءا من الإدارة الفلسطينية، بمعنى أن تحافظ على إنجازاتها خلال السنوات الماضية".
** موظفو غزة
ويعتقد المدهون أن ملف الموظفين الذين عينتهم "حماس" منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، يصنف ضمن أهم عقبات المصالحة أيضا.
وأشار أن ملف الموظفين والتعقيدات التي تفرضها السلطة الفلسطينية لدمجهم ضمن موظفيها، يمثل عائقا مهما أمام تنفيذ أي اتفاق للمصالحة.
وقال: "حماس لا يمكن أن تقبل بتجاوز هذا الملف دون إيجاد حل جذري له، فيما ترفض السلطة الفلسطينية دمج الموظفين في الحكومة حتى الآن".
وبموجب اتفاق المصالحة الموقع بين "حماس" و"فتح" عام 2017، تشكلت لجنة لدراسة ملفات موظفي غزة وبحث دمجهم في الحكومة الفلسطينية، إلا أن هذه اللجنة لم تصدر نتائج دراستها حتى الآن.
وعينت حركة حماس قرابة 40 ألف موظف عقب سيطرتها على قطاع غزة عام 2007 لإدارة شؤونه، في أعقاب استنكاف الموظفين الحكوميين الذين طلبت منهم القيادة الفلسطينية الجلوس في منازلهم.
** ترتيب منظمة التحرير الفلسطينية
ويعد ملف منظمة التحرير أحد أهم عثرات إنهاء الانقسام، وبحسب المدهون، فإن عباس يريد أن يكون حضور "حماس" في المنظمة شكليا وغير مؤثر، وأن تتساوى مع بقية الفصائل الصغيرة بالمنظمة.
لكن "حماس" ترى ضرورة أن تأخذ حصة لا تقل عن حركة "فتح" بالمنظمة، وأن تكون شريكة في القرار الوطني، وأن يكون لها دور مؤثر.
ورغم تشكيل لجنة لإعادة تأهيل وإصلاح منظمة التحرير تضم جميع الفصائل الفلسطينية بعد اتفاق المصالحة الموقع عام 2011، إلا أن هذه اللجنة لم تجتمع سوى مرات محدودة، ولم يتم تنفيذ أي من قراراتها.
** ملف الأمن
تريد حركة "حماس" كما يقول المدهون، أن تكون العقيدة الأمنية للأجهزة الأمنية الفلسطينية وطنية غير ملتزمة بالاتفاقيات مع الاحتلال الإسرائيلي.
بينما يريد محمود عباس أن تحافظ قوات الأمن على التزامها بالتنسيق الأمني، وتلتزم بكافة الاتفاقيات الأمنية الموقعة مع الجانب الإسرائيلي.
والتنسيق الأمني، أحد إفرازات اتفاق أوسلو الموقع بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1993، وينص على تبادل المعلومات بين الأمن الفلسطيني وإسرائيل.
** سلاح الفصائل الفلسطينية
ظهر سلاح الفصائل الفلسطينية مؤخرا عقبة كبرى أمام إنهاء الانقسام، في ظل إصرار "حماس" على الحفاظ عليه وعدم المساس به، وحديث "فتح" عن ضرورة أن يكون السلاح الفلسطيني واحدا وخاضعا للسلطة الفلسطينية.
وقال المدهون، إن "حماس تريد أن تحفظ المقاومة الفلسطينية وحرية الفصائل المسلحة بغزة، بينما عباس يسميها مليشيات ويدعو لتفكيكها وسحب سلاحها، وقصر السلاح على الشرطة الفلسطينية التي تكون خاضعة لسيادته".
وتمتلك الفصائل الإسلامية والوطنية في قطاع غزة أجنحة عسكرية، تتقدمها كتائب القسام، وسرايا القدس، الذراعان المسلحان لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي".