عمّقت الأحداث التي تشهدها محافظة البصرة، جنوبي العراق، منذ مطلع الشهر الجاري، الانقسام بين تيارين سياسيين شيعيين في البلاد، وذلك للمرة الأولى منذ وصول الشيعة لسدة الحكم في أعقاب الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003.
وعلى مدى السنوات الماضية دأب الشيعة على تشكيل تحالف موحد داخل البرلمان أتاح لهم الأغلبية المطلوبة لتشكيل الحكومات المتعاقبة منذ تنظيم الانتخابات في البلاد عام 2006.
وكانت الحكومات تشكل وفق عرف سائد معروف باسم "المحاصصة" يتم بموجبها توزيع المناصب الرفيعة والوزارات بين مكونات البلد؛ حيث يشغل الشيعة رئاسة الحكومة والسنة رئاسة البرلمان، والأكراد رئاسة الجمهورية.
إلا أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر رفض تشكيل الحكومة المرتقبة على غرار الحكومات السابقة، ليشق صفوف القوى السياسية الشيعية لأول مرة.
ويقول الصدر، الذي تصدر تحالفه "سائرون" الانتخابات البرلمانية الأخيرة بحصوله على 54 مقعدا من أصل 329، إنه سيعمل على تشكيل حكومة من الفنيين التكنوقراط غير الحزبيين فيما إذا تمكن من تأمين الأغلبية المطلوبة في البرلمان لتمرير التشكيلة الحكومية.
ويضع الصدر خطاً أحمر على التحالف مع زعيم "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي بعد أن اتهمه بالمسؤولية عن اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي لشمالي وغربي العراق عام 2014، و"استشراء الفساد" في مفاصل الدولة خلال ترؤسه للحكومة لدورتين متتاليتين (2006-2014).
ولطالما دعا الصدر إلى محاسبة المسؤولين عن "الفساد".
وقال حسام التميمي، القيادي في تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم حليف الصدر، في تصريح لعدد من وسائل الإعلام في بغداد، إن "محاكمة نوري المالكي أصبحت أولوية وطنية بسبب سنوات من الحكم التي تعد الأسوأ منذ عام 2003".
** توظيف أحداث البصرة
وألقت أزمة تشكيل الحكومة العراقية بظلالها بصورة واضحة على أزمة الأحداث وأعمال العنف المرافقة للاحتجاجات في محافظة البصرة؛ حيث يحاول كل طرف توظيفها لصالحه.
إذ يتنافس تياران شيعيان لتشكيل التحالف الأكثر عددا في البرلمان والذي سيكلف بتشكيل الحكومة المقبلة، الأول يقوده الصدر ورئيس الوزراء حيدر العبادي.
بينما يقود التيار الثاني نوري المالكي وزعيم تحالف "الفتح" هادي العامري الذي يتألف تحالفه من أذرع سياسية لفصائل "الحشد الشعبي"، وهي قوات تابعة قانونيا للحكومة العراقية، لكن الكثير من زعمائها على صلة وثيقة بإيران.
ويحمّل التيار الأخير العبادي مسؤولية الأحداث في البصرة ومقتل متظاهرين.
وقال زعيم "عصائب أهل الحق" (تابعة لـ "الحشد الشعبي") قيس الخزعلي، في تغريدة على "تويتر" اطلعت عليها الأناضول: "لا يكفي إقالة قائد عمليات (الجيش) وقائد شرطة البصرة، والمفروض إقالة من أعطاهم الأوامر التي سببت الانفلات الأمني وتقديمه إلى المحاكمة العسكرية"، في إشارة إلى العبادي الذي يشغل منصب القائد العام للقوات المسلحة.
وفي وقت سابق السبت، أقال العبادي قائدي الجيش والشرطة بمحافظة البصرة، وعين آخريْن بدلا منهما، على خلفية الأحداث الأخيرة.
وكتب الخزعلي تغريدة أخرى قال فيها: "انقذوا البصرة.. العبادي يحرق البصرة".
والخزعلي مقرب من إيران، ويقود فصيلا شيعيا مسلحا بارزا، كما فاز جناحه السياسي بـ15 مقعدا في البرلمان.
من جهته، قال عضو البرلمان العراقي عن تحالف "الفتح" عدي عواد، خلال مؤتمر صحفي عقده في البرلمان العراقي، إن "قائد عمليات البصرة الفريق الركن جميل الشمري، قال إن العبادي هو من أعطاه أمر إطلاق النار على المتظاهرين".
وعلى مدى اليومين الماضيين، تخللت احتجاجات البصرة أعمال عنف واسعة النطاق، تمثلت بإحراق القنصلية الإيرانية ومقرات حكومية ومكاتب أحزاب شيعية بارزة مقربة من طهران، على رأسها "منظمة بدر" بزعامة العامري، و"عصائب أهل الحق" بزعامة الخزعلي.
وخلفت أعمال العنف في البصرة، 18 قتيلًا من المتظاهرين، منذ مطلع سبتمبر/أيلول الجاري، و33 قتيلا منذ بدء الاحتجاجات في 9 يوليو/ تموز الماضي.
والبصرة مهد احتجاجات شعبية متواصلة، منذ يوليو/تموز الماضي، في محافظات وسط وجنوبي البلاد ذات الأكثرية الشيعية، تطالب بتحسين الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد.
وتقول الحكومة العراقية إن مندسين بين المحتجين يعملون على تخريب الممتلكات العامة، وأنها لن تسمح بذلك، لكن المتظاهرين لطالما اتهموا قوات الأمن بإطلاق الرصاص عليهم لتفريقهم بالقوة.
وتأتي هذه التطورات، وسط أزمة سياسية في البلاد، حيث تسود خلافات واسعة بين الكتل الفائزة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مايو/أيار الماضي، بشأن الكتلة البرلمانية التي ستكلف بتشكيل الحكومة الجديدة.